Friday  29/04/2011/2011 Issue 14092

الجمعة 25 جمادى الأول 1432  العدد  14092

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

المملكة العربية السعودية جزيرة هادئة في خضم الثورات الهائجة
محمد أحسن الندوي

رجوع

 

تم نشر هذا المقال في الجرائد الهندية، في سلسلة المقالات المنشورة في الصحافة الهندية حول الثورات الحالية في العالم العربي، وكاتب المقال صحفي وله الاختصاص في قضايا العالم العربي والإسلامي، وكان لهذا المقال صدى إيجابي في أوساط المسلمين في الهند وتغيير رأي كثير من مدراء التحرير في الصحافة الأردية.

يعم الجهل بتاريخ المملكة العربية السعودية في القارة الهندية، فكثير من الناس يضعون الحكومة الحالية في خانة الحكومات التي صعدت إلى سدة الحكم عن طريق الثورات العسكرية أو بمساعدة من الخارج في العالم العربي، وهذا الخطأ الفادح في الفهم سببه الجهل عن تاريخ المملكة وحكامها، والحقيقة أن تاريخ الحكومة السعودية في الجزيرة العربية يمتد أكثر من ثلاثة قرون.

يبدأ تاريخ نضال السعوديين في العصر الحديث في الجزيرة العربية منذ محادثات الشيخ محمد بن عبدالوهاب والأمير محمد بن سعود في الدرعية، والدرعية هي منطقة تقع قرب الرياض، سكنها آل سعود عام 580هـ مهاجرين من منطقة القطيف، فأحبوها، وأداروا أمورها وجعلوها منطقة عامرة حتى أصبحت إمارة قوية في عهد الأمير محمد بن سعود، ففي عهد هذا الأمير أخرجت إمارة العيينة المجاورة للدرعية الشيخ محمد بن عبدالوهاب بسبب حركاته الدعوية، ومن سنة الله على الأرض أن ينال الداعي والمصلح من الأذى فخرج الشيخ رحمه الله يمشي على رجليه وليس معه إلا المروحة في أشد وقت الحر من الصيف وأقام في الدرعية عند بعض معارفه وهنا قامت العلاقة بين الشيخ وبين الأمير محمد بن سعود، وهذه هي بداية صعود الحكم السعودي الذي لا يستهان به في السياسة العالمية اليوم ويعد خادماً للحرمين الشريفين في العالم الإسلامي، وراعي القضايا الإسلامية في العالم المعاصر.

والجدير بالذكر أنه عندما عزم الأمير محمد بن سعود تحمل مسؤولية نشر دعوة الشيخ في عام 1745م قال للشيخ: (أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة)، وقال الشيخ لابن سعود: (أنا أبشرك بالعزة والتمكين وهذه كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد). وهذه البشارة التي بشّرها الشيخ للأمير أصبحت حقيقة تسطع في جبين التاريخ حتى اليوم، وحدث هذا الحدث التاريخي في زمن مضطرب وعصيب على الأمة، حيث مضى 11 قرناً على بزوغ فجر الإسلام في الجزيرة العربية وبدأ الجهل والظلام يسود في الجزيرة العربية مرة أخرى، حيث يسلط المؤرخ الإسلامي السوري محمود شاكر الضوء على هذا العصر فيقول (نلاحظ أن إمارات نجد صغيرة ومتفرقة لا يجمعها رابط، وهي في صراع دائم فيما بينها، وتنافس مستمر على السلطة، وثأر لا ينتهي، يتحين أهل كل قرية الفرصة للانقضاض على القرية الأخرى، بل تطور الأمر إلى صراع داخل القرية الواحدة، بل وبين أفراد الأسرة الواحدة، والأمير يأخذ ما يحلو له من ثمار، هذا بالإضافة إلى غارات البدو التي لا تنقطع، وانتشار اللصوص في كل مكان ووجود الحرابا في الدروب والطرقات، هذا من ناحية الأمن أما من ناحية الدين فتقديس القبول والمظاهر الخاصة، والتعامل بالربا، وارتكاب الفواحش، وانتشار الخرافات والتوسل بغير الله من أضرحة الصالحين والصحابة، والاعتقاد ببعض الأحجار والأشجار بأنها تكون سبب الإنجاب أو إيجاد الزوج، وحفظ الولد، إذ قام عندها الملتجئ ببعض التصرفات كل هذا كان يثير النفوس ويذكي روح التمرد على هذه الأوضاع) (التاريخ الإسلامي الجزء الثامن ص256 - 257)، ففي هذه الظروف قام تلامذة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ورجال الإمام محمد بن سعود بروح الإسلام السمحاء وهبت رياح الإيمان في الجزيرة العربية حتى شملت كل الخليج العربي والعراق ووصلت حتى حدود الحوران في سوريا والأردن، ولكن لم يكن هدفهم هو إقامة إمبراطورية في العالم العربي، بل قاموا لأجل تجديد وإحياء الدين الإسلامي والتخلص من براثن الإمارات الفاسدة، لذا كان من الطبيعي أن يواجهوا الأعداء من الداخل والخارج كما يقول المؤرخ محمود شاكر: وخشيت الدولة العثمانية (التي كانت تمثل في ذلك الوقت الضعف والتوقف في العمل الإسلامي أو جمود المسلمين وتحكم باسم الإسلام دون أي عمل أو منهج صحيح) كذلك الدول النصرانية، إذ خافت أن تدب الروح في المسلمين ثانية بعد أنضعفت الدولة العثمانية فشجعوا الخليفة للقضاء على هذه الدعوة وشجعوه بالاستعانة بجيوش محمد علي ورأوا أن التفاهم بين الجمود العثماني والتحرر الباشوي المصري خير من نجاح العمل الجديد للإسلام (التاريخ الإسلامي، الجزء الثامن، ص260) واندفع محمد علي باشا بأطماعه وتطلعاته ونجح في القضاء على الدرعية، مركز قوة الإسلام في عام 1818م، وقام بأسر أفراد أسرة آل سعود واقتادهم إلى مصر، واستشهد عدد كبير من المجاهدين والعلماء ولكن ما لبث أن قام السعوديون بترتيب أوضاعهم ونجحوا بقيام الدولة السعودية الثانية التي استمرت حتى 1891م.

ولكن الشاب الباسل الذي نحت اسمه في تاريخ الحجاز بكفاحه وجهاده المستمر طول حياته، المعروف بعبدالعزيز بن عبدالرحمن هو الذي أسس الدولة السعودية الحديثة بتاريخ 15 مارس 1902م وذلك بفتحه قلعة المصمك بالرياض بعدما عانى كثيراً وناضل في صحراء الجزيرة العربية لأجل بزوغ فجر جديد على مهبط الوحي، وكان يناهز عمره آنذاك 26 سنة، ويندهش دارسو التاريخ ويثلج صدور المسلمين عندما يرون كيف نجح هذا النابغة بتوحيد الجزيرة العربية الشاسعة والصحراوية خلال 3 عقود بعدما كانت متفرقة وممزقة، وقيام دولة مؤسسة على القرآن والسنة بإعلان دولة سعودية متحدة في عام 1932م، واليوم وبعد مرور أكثر من قرن على هذه المرحلة الثالثة من تاريخ الإسلام الجديد في حاضرته تقف المملكة العربية السعودية كجزيرة هادئة في خضم الثورات الهائجة في العالم العربي من دون خوف أو قلق {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}، ولعل العالم يشهد بمظاهر التماسك والوحدة بين الشعب والحكومة في هذه المملكة رغم الجهود الجبارة من قِبل المغرضين لزعزعة استقرار أرض الحرمين، وهذا ليس من المستغرب لأنهم هم الذين قاموا بتوحيد أراضيهم وثاروا لأجل حياة كريمة وسعيدة متخذين الإسلام كدستور لنظام حكمهم، ولا يزالون يرتقون منازل الرفعة والتنمية معتنقين روح الإسلام، غير خائفين لومة لائم، ساهرين على مصالح المواطنين والأمة، فلا غرو على هذا التماسك والوحدة بين الشعب والحكومة في وقت رهيب ومتقلب في العالم العربي، وتحقيق بشارة الشيخ محمد بن عبدالوهاب للإمام محمد بن سعود لأن هذه البشارة كانت نابعة من اليقين والإيمان بالله العلي القدير {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} (الأعراف 96)، ولمح ظهور هذه البركات باكتشاف البترول عام 1938م وبدأ يدر بالخير بعد ثماني سنوات ليس على الجزيرة العربية فحسب وإنما على العالم الإسلامي بأسره. وأهدوا إلى المسلمين حلم رحلة العمر إلى أرض الحرمين بأمن وسلام.

manadwi2011@gmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة