Saturday  30/04/2011/2011 Issue 14093

السبت 26 جمادى الأول 1432  العدد  14093

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

حساسية تعامل الأقارب!!
د. علي بن محمد الحماد

رجوع

 

إذا جرَحت مساؤهم فؤادي

صبرتُ على الإساءة وانطويتُ

وجئت إليهمُ طلق المحيا

كأني لا سمعت ولا رأيتُ!!

والعرب تقول: الإحسان يقطع اللسان!! والشاعر العربي يقول فيما هو مشهور على ألسنة الناس:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان!!

فخفظ من غلوائك، وخلِّ من خيلائك!!!، والنفس البشرية جُبلت على حب ذاتها، وعلى الأنانية، وعلى الأثرة وعدم الإيثار!!

والأثرة: هي حب الذات على الغير، وهظم حقوقهم (مادياً ومعنوياً).

أما الإيثار: فهو تقديم حب الخير للغير على حض النفس..!! وفرق بين الأمرين كما بين الثرى والثريا!!

والعامة تقول في أمثالها: الأقارب عقارب!! وأنا أقول لعلهم دون ذلك (فهم نحل) يلسعون ويغارون!! لكنهم بنفس الوقت يحبون ويحدبون ويداوون!!

والناظم يقول:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على المرء من لحظ الحسام المهند!!

لأن القريب لا يستحمل ظلم قريبه، لأنه صدر ممن كان يظنه ينصره ويؤازره فيحدث العكس!! لكن يبقى السؤال الكبير هو من يصنف ويحدد هذا الذي يسمى ظلماً هل هو من الظلم أم لا؟!!

وقد جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه أتى إليه صحابي فقال له: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأعطيهم ويمنعونني. قال صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما قلت فكأنما تسُفّهم الملّ: (أي تحثو عليهم الرماد الحار)، ولا يزال عليك من الله حافظ ما دمت على ذلك!!هـ

ولا شك أن من يصبر على حسد الأقارب، ومشاكلهم وحماقاتهم، ورعوناتهم، وهفواتهم، فهو الشجاع القوي صاحب القلب الكبير!! لأن الأقارب قد عرفوا بعضهم، وعرفوا مداخلهم ومخارجهم، وذابت بينهم الكلفة، وقل الاحترام (ومن عرفك صغيراً احتقرك كبيراً!!) وذابت بينهم الرسميات فمانوا على بعض.. ومزحوا على بعض والمزاح يقول الفاروق (عمر) رضي الله عنه (سمي مزاحاً لأنه يزيح صاحبه عن الحق..) فهو كما يقول العلماء كالملح للطعام!! ينبغي ألا يزيد ولا ينقص!! وقال صلى الله عليه وسلم (إني أمزح ولا أقول إلا حقاً)!!

قال الشاعر:

إياك إياك المزاح فإنه

يجرئ عليك الطفل، والرجل النذلا

ويذهب ماء الوجه بعص بهائه

ويكسوه من بعد المغزة ذُلاّ!!

وإنه ليكبر بعيني من أراه يحتوي أبناء عشيرته وأقاربه، ويتحمل حماقاتهم ورعوناتهم لأنه لو لم يكن قلبه كبيراً، وحلمه كبيراً، ونفسه سامية لم يستحمل أذاهم، ومشاكلهم، وقيل وقال وكثرة السؤال لدى النساء!! ولقد أوصى الله سبحانه عباده بحسن الخلق مع الأقارب فقال تعالى {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} وقال العلماء: قرن الله حق الأقارب بأعظم قضية وهي (العبادة والشرك)!! وفي هذا تعظيم وتشريف وتقدير لحق القرابة!! ومن أسباب الشحناء أن القريب لا يعظم بعين قريبه، فيحتقره و... قال تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من وصل من قطعه)!! ولا شك أن القطيعة، والهجر، والحسد، والضغينة، والحقد، يحصل حتى بين أبناء الكرام العظماء بل وأبناء الأنبياء والرسل: فهؤلاء إخوة يوسف عليهم السلام حصل منهم ما حصل!

وابني آدم عليه السلام (هابيل وقابيل) حصل منهم ما حصل!!. وكذلك أبناء الملوك والرؤساء وعلية القوم!!. فلا بد من (لجام الصبر، والشيمة والشكيمة، والحلم، والعلم، والأدب مع الأقارب.. وعسى الله أن يوفقنا لتطبيق ما ننادي به {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

حصل بين رجل وزوجه مشادة وملاسنة كما هي طبيعة البشر، فأتى لأمير المؤمنين (عمر) رضي الله عنه شاكياً!! فطرق الباب (وقت الظهيرة) فإذا (عمر) مع زوجته قد ارتفع صوتيهما مثل الرجل!!، فاستحى الرجل وذهب من فوره!! فخرج (عمر) وقال: يا بني: ما تريد!! قال: أتيت أشتكي زوجتي، فضننتك نائماً يا أمير المؤمنين!! فقال (عمر) وكيف لعمر أن ينام!؟ إن نمت بالنهار ضيعت الرعية!! وإن نمت في الليل ضيعت حق الله!! قال الرجل: حقيقة جئت أشتكي حال زوجتي، فإذا أمير المؤمنين ليس عنا ببعيد!! قال يا بني (نصبر عليها وتصبر علينا، تربي أولادنا، وتطبخ طعامنا، وتنظف أثاثنا، وما هي إلا أزمان نفارقها أو تفارقنا!!) ولله در الشاعر العربي حين قال:

وإن الذي بيني وبين بني أبي

وبيني وبين بني عمي لمختلف جداً

إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

وإن قدحوا لي نار حرب بزندهم

قدحت لهم في كل مكرمة زندا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم

وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

وللمعلومية فقد قال صلى الله عليه وسلم (عم الرجل صنو أبيه).. أي كنخلتين في الجذع الواحد.. وقال صلى الله عليه وسلم (الخالة بمنزلة الأم!!) هكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم مع قرابته.. فصدق الله حين قال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.

وإن المرء ليعتصر قلبه ألماً إذا رأى التهاجر، والتقاطع، والتدابر، والخلافات الأسرية، بين الأقارب، التي ربما كانت على أسباب ( أوهى من بيت العنكبوت)!! ولكن الشيطان ينفخ فيها ويكبرها، حتى تكون كالجبل العظيم.. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث: يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ثم قال: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) أهـ هذا بين عموم المسلمين فكيف بالأقارب الذين مرجعهم واحد، وأصلهم واحد {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} اللهم سُلّ سخائم قلوبنا، وطهر أخلاقنا، والسلام عليكم.

رياض الخبراء

ali5001@hotmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة