Sunday  01/05/2011/2011 Issue 14094

الأحد 27 جمادى الأول 1432  العدد  14094

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

نقرأ اليوم كثيراً عن العنف الأسري، وقلما نسمع عن الحنان والحب الطبيعي الذي يملأ قلوب الغالبية نحو أطفالهم, بل وأطفال غيرهم. السائد فعلاً هو العلاقة الطبيعية من الحنو والرعاية والاهتمام وليس الإساءة والتعنيف والاغتصاب والابتزاز.. فالحمد لله على نعمه.

سمعت صديقاتي يكررن: لا أعز من الولد إلا ولد الولد! وحين رزقنا «ياسمين» ابنة ولدي قبل أقل من عام ونصف أيقظت في قلبي كل معزة ومحبة أبيها حين ولد. واليوم كلما أتقنت مهارة جديدة كالتوازن برشاقة فوق عنق أبيها, أتذكر ما فعله أبوها قبلها وأجدني أقارن الحركات الجسدية وتعابير الوجه الطفولي، متسائلة بشيء من الانبهار عن تلك المعجزة التي تحفظ تفاصيل ميراث (الدي إن ايه) لتجعل الطفل سر أبيه وأمه وأسلافه حتى في حركة الأصابع في الكف الصغيرة. تفاصيل تتسجل في ذاكرة الأهل منذ أول شهقة بعد الولادة. وقبل أسبوع متعنا الله بتلك التجربة المثرية من جديد, ورزقنا بحفيدنا الثاني, فأيقظ في كل مشاعر المحبة والشعور بمعجزة الولادة التي شعرت بها عند ولادة أمه ابنتي البكر «مي». كان شعوراً مذهلاً وأنا أراها -وهي بعد لم تستعد بهجة لونها بعد معاناة تجربة الولادة- تسأل عن صغيرها بعد خروجها من ضبابية التخدير ومذهلاً أكثر أن أستعيد مع أبيها شريط حياتها الغضة منذ أطلت في حياتنا بوجهها الجميل. تلك الصغيرة التي مثلت لي أجمل هدية اصطفاني بها الله تعالى أصبحت بدورها أما لطفل ينتظر عنايتها. والحمد لله. اختار له أبواه اسم جده عبدالله!! وخير الأسماء ما حمد وعبد!

أتذكر أغنية فيروز: أسامينا شو تعبوا أهالينا تيلاقوا أسامينا!!

منذ زمن بعيد اكتمل العقد وأضحت أسماء أطفالي اللازمة التي ترتبط بدعائي قبل النوم ودعائي بعد الصلاة.. ومثلما كنت أتفنن في اختراع أهزوجة خاصة لتنويم كل منهم في مهده, وفي ترنيم أغنية متفردة لكل منهم تتناسب والاسم الذي اخترناه. صرت أتفنن في اختراع أدعية خاصة لهم جميعا كمجموعة تتبلور في استمطار رضاه عنهم وتظليلهم برعايته وحمايته.

الصديق العزيز حمد القاضي صارحني ذات يوم قائلا: «أجمل كتاباتك ما تكتبين عن أطفالك أستمتع بذلك كثيراً لما فيها من الشعور بالشفافية والأمومة». كنت شخصيا أستمتع بكتابة ما يتعلق بالصغار ومستجدات مغامراتهم. وفعلاً حين بدأت الكتابة كانت ليلى أصغر بناتي لم تدخل الروضة بعد, وكنت أجد في كل خطوة أو فعل يقوم به أحد الأطفال الأربعة لأول مرة معجزة صغيرة تثير في كل مشاعر التأمل في معنى الوجود الإنساني والتواصل والهدف النبيل من وجودنا بشراً على الأرض فصيلة وأفراداً. أتذكر يوم كتبت مقالة «نور تكتشف المطر» و»ليلى وميراث الحب»، و»مي والوطن القادم», ويوم تخرجت مي من الروضة, ويوم قمنا بأول رحلة بالسيارة من الظهران إلى الرياض أول خطواتهم في خارطة الوطن ومعنى المواطنة ويوم تخرج هاشم من الثانوية، ويوم أرسل لي أول قصيدة حب من الجامعة!

تغربوا كل بدوره في طلب العلم.. وعادوا من جامعاتهم يحملون شهاداتهم وطموحاتهم. هاشم بعد شهادة الهندسة من برنستون وتجربة عمل قصيرة في أرامكو أكمل الماجستير في إدارة الأعمال من هارفارد. ومي بعد البكلوريوس من هارفارد اختارت أوكسفورد لبرنامج الدكتوراه وعادت بنتائج دراساتها وبحوثها في أوضاع المرأة العربية وقدراتها, وما زالت وكأنها امتداد لروح أمها مركزة الاهتمام بإستراتيجيات تمكين المرأة وفتح الآفاق أمامها للقيام بدورها في بناء الوطن.

وهي ذاتها مي التي بنفس الاهتمام والتصدي للتحدي ترى في كيفية اتقان مهارة حمل طفل حديث الولادة تحديا يحتاج كل تركيز وعناية أمومتها الجديدة. عبودي الصغير بالكاد يستطيع أن يرى تفاصيل ملامح وجوهنا ونحن نطل عليه.. يغمضهما مطمئنا لا يدري أنه يحمل على كتفيه الصغيرين ميراثا عليه أن يرتقي ليتماثل معه.. ولكنه يدري بالتأكيد أن للحب مذاق دفء حنان العائلة.

وياسمين وهي تتشبث بيدي مجربة أول خطواتها القلقة تجسد لي بوضوح معنى الشاعر: كأنما أطفالنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض.

 

حوار حضاري
أكبادنا تمشي على الأرض
د. ثريا العريض

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة