Thursday  05/05/2011/2011 Issue 14098

الخميس 02 جمادىالآخرة 1432  العدد  14098

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في عام 1960 وتحديدا في 18 أغسطس من ذلك العام بسبب توافر النفط بكميات كبيرة عمدت شركات النفط العاملة في الشرق الأوسط إلى تخفيض السعر المعلن للبترول بنسبة 8 في المائة ولم تكتف بذلك التخفيض بل عادت في شهر سبتمبر 1960 إلى تخفيض الأسعار المعلنة للبرميل الواحد في الشرق الأوسط بما يتراوح ما بين 10 في المائة و4 في المائة، ولما ترتب من نتائج سلبية لقرار تلك الشركات المسيطرة في تلك الحقبة من صناعة النفط إلى حد كبير لذا دعت بعض الدول المنتجة إلى تأسيس منظمة (الدول المصدرة للبترول) وعقد مؤتمر بغداد الشهير في العاشر من سبتمبر عام 1960 م شارك فيه ممثلو المملكة العراق، الكويت، إيران، فنزويلا واقرأوا تأسيس منظمة الأوبك التي ولدت في الرابع عشر من سبتمبر من نفس العام، وكان ميلاد هذه المنظمة في سوق بترولية غاية في التعقيد وفي وقت تسيطر فيه شركات النفط العالمية على السوق العالمية في الاكتشاف والإنتاج والتسعير والنقل فهي المنتجة والمصدرة والمستوردة للنفط.

ولم تكن البداية مبشرة بالخير فبعد إنشاء الأوبك بخمس سنوات وبالتحديد عام 1965 انخفض سعر برميل البترول إلى (2.20) دولار وواصل انخفاضه المستمر حتى عام 1969 وفي بداية السبعينيات من قرن النفط وصل سعره إلى ما بين (160-180) دولارا فرغم انصرام حوالي عشر سنوات من عمر الأوبك إلا أنها لم تفعل شيئا يؤكد أهدافها التي قامت من أجلها فالنفط أصبح متوفرا للدول الصناعية وبأسعار زهيدة جدا مما جعل الكثيرون يرون أن فرصة الأوبك للصعود انتهت ولم يعد بمقدورها تحدي شركات البترول الكبرى.

وقد بقيت الأسعار على حالها من الانخفاض رغم تأسيس الأوبك حتى شهر يونيو 1973 عندما زادت بنسبة 12 في المائة نتيجة لانخفاض سعر الدولار ليصبح هذا الارتفاع الأول في الأسعار منذ تأسيس المنظمة، وبقي النفط على حاله غير مؤثر في ميدان السياسة والاقتصاد الدولي حتى عام 1973 لينهض فارضا إرادته لتبلغ أهميته ذروتها عندما استخدم كسلاح سياسي واقتصادي لأول مرة عندما صدر القرار السياسي الشهير بقطع إمدادات النفط عن الدول التي وقفت إلى جانب إسرائيل في حربها ضد العرب في رمضان المبارك من ذلك العام وقد أحدث القرار هزة رهيبة في سوق النفط الدولية، وهكذا أدرك العالم أن النفط هو المحرك الرئيسي للاقتصاد الدولي واقتصاد الدول الصناعية بوجه خاص وتحول النفط الرخيص قبل 1973م الذي تعودت محطات شحن الوقود في بعض الدول الصناعية منح خصومات عليه لدفع عجلة بيعه لسنوات طويلة بسبب حجم الفائض إلى بترول غالي الثمن شحيح لا بد من المحافظة عليه.

وفي نهاية عام 1973م ونتيجة لحرب أكتوبر رفعت الأوبك أسعار بترولها بما يعادل أربع مرات، فنجحت في رفع السعر خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الستة أشهر من (2.90) دولار إلى (11.65) دولار للبرميل الواحد.

إلا منظمة أوبك بينما كانت تخطط لرفع الأسعار تدريجيا من 12.70 دولارا للبرميل في نهاية عام 1978م وبنسبة 10% طوال عام 1979م عما كانت عليه في عام 1978م فقد شهدت السوق البترولية خلال يناير عام 1979م تهافت الدول الصناعية المستهلك الرئيس والشركات البترولية على سوق النفط لزيادة مخزونها إضافة إلى تزايد دور المضاربين الأمر الذي جعل السعر يكسر حاجز الـ 40 دولارا للبرميل في النصف الثاني من عام 1979م.

ومع ذلك فإن النجاح الذي حققته منظمة الأوبك لم يستمر طويلا لتبدأ عوامل الإخفاق تنخر في هذا الكيان الكبير - ولم تعد الريح تهب رخاء، ولم ينتهي عقد السبعينيات الذي شهد الثورة الإيرانية ويبدأ عقد الثمانينيات الذي نشبت خلاله الحرب العراقية الإيرانية التي خرجت من رحم ثورة الخميني، ومع أخذ الحرب وتيرة السجال بين البلدين المسيطر عليه دوليا فأصبحت أسعار النفط غير مستقرة يدخل في تحديدها عوامل عديدة ليس في مستطاع المملكة أو المنظمة إيقافها أو الحد منها فهبت الرياح العاتية على الأوبك واتحدت الدول الصناعية ضدها وتمكنت من إدخال دول خارج الأوبك إلى حلقة الصراع ليتحد الجميع ضد الأوبك وخرجت من داخلها أصوات تحمل طابعا سياسيا أكثر منه اقتصاديا فأصبح عامل هدم الأوبك من خارج المنظمة ومن داخلها فشهدت الأسعار منذ منتصف الثمانينيات التذبذب هبوطا وارتفاعا.

وما جاء خلال شهر مارس من عام 1986 حتى سجل سعر البترول أكبر انخفاض له حيث هبط سعر البرميل إلى عشرة دولارات، ثم تدنى ليصل إلى حوالي سبعة دولارات، وهذا الانخفاض الكبير في السعر مكن الدول الصناعية من التغلب على الأزمة التي كانت تعيشها في زمن قياسي وتحولت لتشهد سنوات سمان بعد أن عانت سنوات عجاف.

لكن أسعار النفط التي من أهم أسبابها الحروب والصراعات والنزاعات عادت لتتنفس الصعداء، لقد جرت الأحداث سريعا فكان غزو العراق للكويت في الثاني من أغسطس 1990 فانتشل ذلك الغزو الأسعار فرفعها من 12 دولارا إلى حوالي 36 دولارا، لكن الاحتفال بالأسعار لم يدم طويلا فكانت الدول الصناعية المستهلك الرئيس للنفط بالمرصاد فسارعت وكالة الطاقة الدولية فدفعت بجزء كبير من المخزون الاستراتيجي المخصص للطوارئ بمجرد ارتفاع الأسعار فضخت للسوق النفطية 2.5 مليون ب/ى ولمدة خمسة عشر يوما مما دفع بأسعار النفط إلى 32 دولارا للبرميل في نوفمبر 1990، ثم عادت للانخفاض لتبلغ 19 دولارا رغم أن الكويت لم تحرر بعد ورغم انقطاع امدادات النفط العراق والكويت للسوق الدولية.

وقد استمرت الأسعار في نزولها التدريجي المستمر ففي أوائل 1998 تدهورت إلى أقل من 10 دولارات، ولكي توقف الأوبك هذا الانخفاض قضت آلية وافقت عليها بشكل غير رسمي في يونيو 2000 بخفض الإنتاج بواقع 500 ألف ب/ي إذا بقي سعر سلة خامات الأوبك فوق 28 دولارا للبرميل لمدة عشرين يوما عمل متصلة لمنع الأسعار من مواصلة ارتفاعها وخفضه بواقع 500 ألف ب/ي إذا تدنى إلى 22 دولارا.

وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية عام 2001 الشرارة التي فجرت عمليتي الأسعار والإنتاج وقلبت معادلتهما رأسا على عقب، تغلبت تلك الهجمات الانتحارية الإرهابية على كل الصدمات النفطية التي سبقتها مرورا بعام 1973 ثم 1979 و1990 وغيرها من الهزات النفطية، فقد شكلت الحرب على أفغانستان والعراق واحتلالهما أثرا بليغا على الأسعار فأخذت تتصاعد بشكل متسارع كتصاعد نيران الحرب من 26 دولارا لتكسر في أغسطس 2004 (45) دولارا وإبان الحرب الإسرائيلية على لبنان في يونيو وأغسطس عام 2006 ولعده كسرت حاجز 78 دولارا قبل أن تعود إلى التدني لتصل ما بين 55 - 60 دولارا وتغيرت معادلة الأوبك التي كانت تطمح قبل حروب النفط بسعر مستقر ما بين 22 - 28 دولارا لتصبح المعادلة المطلوبة كسعر عادل مابين 50 -60 دولارا للبرميل الواحد.

لا شك أن الصعود السحري لأسعار النفط كان ولا يزال مرده الرئيس إلى الحوادث والكوارث والصراعات والحروب التي حلت بالعالم، ومع بزوغ شمس عام 2008 وتحديدا خلال شهر يوليو من نفس العام عندما غامر ريتشارد ارينز الذي يملك مؤسسة للسمسرة في بورصة نيويورك ليشتري ألف برميل من النفط بسعر أعلى من 147 دولارا ليحقق خسارة طفيفة، فإن ذلك لا يمثل في حد ذاته المؤشر الرئيس لارتفاع أسعار النفط بقدر ما يعكس لنا أن أسعار النفط التي تهب عليها عوامل مؤثرة من كل حدب وصوب قابلة للاشتعال في أي لحظة.

وإجمالا فإن التوترات والصراعات والحروب وحالة عدم اليقين التي يشهدها العالم خصوصا في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وتزايد المضاربات على النفط وتدهور سعر الدولار الذي يسعر به النفط وبرودة الطقس.. إلخ كلها تدفع بأسعار النفط إلى أعلى.

إن قراءة سوق النفط الدولية أوائل عام 2008 اعتمادا على الأرقام التي لا تكذب خصوصا في ما يتعلق بالعرض والطلب تجعل الصورة تبدو واضحة، فالعالم على رغم نمو الطلب الصيني والهندي وبعض دول آسيا على النفط فإن دولا مهمة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستهلك للنفط عالميا، وفي ظل ارتفاع الأسعار استطاعت أن تقلص من طلبها على هذه المادة السحرية فلم يزد معدل نموه في عام 2008 عن 0.4 في المائة ويبدو أنها مستمرة في هذا التوجه.

لذا يظل هذا العطش العالمي للنفط وارتفاع أسعاره صاروخيا مكمنه الأساسي التخوف من إضافة نزاعات وصراعات وحروب جديدة إلى ملف النفط المشحون بالأحداث والكوارث الجسام.

إن الدول الصناعية التي تعتبر أن ارتفاع أسعار النفط يحمل في ثناياه تهديدا للاقتصاد العالمي، عليها أن تدرك، وهي تدرك، لكنها تتجاهل، أن النفط عندما كسرت أسعاره حاجز 147 دولارا للبرميل، يبقى رغم ذلك من أرخص السلع مقارنة بأسعار السلع الأخرى، فمثلا أسعار المواد الغذائية يفوق سعرها أسعار النفط بنسب تصل في متوسطها من 2 إلى 5 أضعاف وعلى كل فإن سعر النفط بحساب إحصائي بسيط لم يزد كثيرا عن الدولارات التي كانت تحصل عليها الدول المنتجة في نهاية حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، عندما كان سعره ما بين 39 إلى 40 دولارا للبرميل، عندما كان الدولار في عز شبابه لا في أرذل العمر كما هي حاله اليوم، وضعف الدولار والتضخم لا شك أثر سلبا على إيرادات الدول المنتجة حتى بلغت الحضيض.

وعندما هب الإعصار الاقتصادي العظيم على الاقتصاد العالمي ليشبه إلى حد كبير ما أصابه عام 1929، ما انعكس أثره على الطلب على النفط وبدأت أسعاره في التدني المستمر ليبلغ 70 دولارا ثم 67 واستمر في التدني السريع ليبلغ 33 دولارا، وهنا كعادة (أوبك) وعندما تدق طبول الحرب على أسعار النفط مهددة إياها بالهبوط، فإنه ليس في جعبتها سوى خفض الإنتاج للدفاع عن الأسعار وهذا ما فعلته حيث بلغ مجمل تخفيضاتها في إنتاجها 4.2 مليون ب/ي.

وإذا كان تدني الطلب على النفط نتيجة أزمة الكساد الاقتصادي العلمي فاجأ كل (اللاعبين) في سوق النفط الدولية منظمة (أوبك) الدول المنتجة للنفط خارج المنظمة، شركات النفط الكبرى، الدول المستهلكة الرئيسة للنفط التي تمثلها وكالة الطاقة الدولية IEA فإن الأسعار اليوم وهي تكسر حاجز (125) دولار مع الأحداث الكبرى والتغيرات السريعة في بعض دول العالم العربي وفي مقدمتها ليبيا التي يبلغ إنتاجها 1.7 مليون

ب/ي يصدر منه 1.2 مليون ب/ي وتوقف تصدير معظم الإنتاج بسبب الحرب الإرهابية التي يشنها طاغية ليبيا على الشعب الأعزل، والأحداث الجارية في سوريا واليمن المطالبة بالعدالة والحرية والديمقراطية وهي دول نفطية كل هذه أسباب تدفع بعجلة الأسعار إلى أعلى.

بدءا من الحرب على أفغانستان ثم احتلال العراق، ثم حروب إسرائيل ضد الفلسطينيين وصولا إلى حربها الشرسة ضد لبنان ثم محرقة غزة عام 2008 إلى جانب عدم اليقين في بعض الدول المنتجة للنفط التي تحتاجها أعاصير سياسية، نتج عنها أعمال تخريبية لبعض منشآت النفط، ناهيك عن الأعاصير المدمرة.

وإذا كانت الرياح تهب رخاء على الأوبك التي دخل وسيدخل خزائنها مبالغ فلكية حتى أن العائدات النفطية ملأت الخزائن وفاضت! المهم أن تتسلح سفينة (الأوبك) بمجاديف قوية تمكنها من الإبحار في هذا الخضم المتقلب ويتمثل ذلك في وحدة كلمة قولها وترابطها ومواجهة الأخطار حزمة واحدة لا تنكسر، كما أن هذه السفينة تحتاج إلى أن تدر دفتها بحكمة وحنكة ومهارة تدعمها خطط مدروسة، ولو أن سفينة الأوبك أحكمت مجاديفها وأحسنت السيطرة على دفتها فإن السيطرة على الأسعار ليس بعيدة المنال، خصوصا مع التطورات الخطيرة التي يعيشها عالم اليوم وتدعم بقوة أسباب ارتفاع الأسعار، على رغم هشاشة الأوبك التي اعتقد في خضم أزمات الأسعار والإنتاج في أواسط الثمانينيات وما تلاها حتى منتصف التسعينيات أنها بدت عاجزة لا حول لها ولا قوة، لكن الحروب والصراعات والنزاعات والتغيرات السياسية مع بزوغ شمس هذه الألفية جعلت للأوبك أنياب ومخالب قوية يصعب كسرها.

*رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الإستراتيجية

Eml:dreidaljhani@hotmail.com
 

أسعار النفط في ظل المتغيرات الدولية
د. عيد بن مسعود الجهني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة