Sunday  08/05/2011/2011 Issue 14101

الأحد 05 جمادىالآخرة 1432  العدد  14101

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وَرّاق الجزيرة

 

من شواهد التميز لدى الملك عبد العزيز!!
متعب بن صالح الفرزان

رجوع

 

إن المرء ليعتز بالحديث عن خصال و مواقف الملك عبدالعزيز - رحمه الله -. وقد أفاض الشعراء في مدحه والكتاب في ذكر أفضاله ومآثره والمؤرخون في تسجيل مواقفه على أنصع صفحات التاريخ، ولكني لا أعتقد أن أحدا منهم قد أمكنه أن يعبر التعبير الوافي والشامل عما يرغب في التعبير عنه - رحمه الله -.

في أواخر الحرب العالمية الثانية أراد كل من روز فلت رئيس أمريكا وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا أن يجتمعا بالملك عبدالعزيز واتفقا أن يتم اجتماع كل منهما به على حدة، وتم لهم ذلك واجتمع روز فلت بالملك واجتمع به تشرشل في الفيوم بمصر ولكنهم لم يهباه ولم يتأثر بمظاهر قوتهم وشخصيتهم بل لقد صرح كل منهما عقب الاجتماع بأن الملك قد أثر فيهم تأثيراً بالغاً بقوة شخصيته وسعة تفكيره وذكائه وحسن تقديره للأمور وعميق فهمه للأحداث العالمية السياسة الدولية.

لقد أدرك روز فلت رئيس أمريكا أهمية إقامة علاقات مع هذه الشخصية وتأكد من مقدرة الملك عبدالعزيز الدبلوماسية الحاسمة بكل معانيها ومن بعد نظره وصدق تقديراته للأمور فرغب مقابلته والتعرف إليه، وأبرق إليه من يالطه بعد المؤتمر التاريخي مع تشرشل وستالين. ووافق عبدالعزيز على الاجتماع أرسلوا له مدمرة خاصة إلى جدة لتكون تحت تصرفه في هذه الرحلة وتمت المقابلة في 14 فبراير 1945م على ظهر الطراد (كوينسي).

وأحيط الملك بكل مظاهر الاحترام والتقدير والإجلال وفي خلال المقابلة قال روز فلت للملك مامعناه: (اطلب ما تشاء يا جلالة الملك وما علي إلا أن ألبي) وأجابه عبدالعزيز بالجواب الذي أصبح خالدًا لدى الجميع. (ليس لدي سوى مطلب واحد وهو أن تتركوا فلسطين للفلسطينيين عربا ويهودا يعيشون على أرضهم بسلام آمنيين وإنكم إذا لم تتركوهم وشأنهم فلن يدفع غيركم الثمن غاليا، طال الزمن أم قصر).

ولقد عاد عبدالعزيز إلى تأكيد موقفه ذاك فيما بعد وكرر قوله هذا لجميع وفود الدول العربية في قصره في الرياض قبل إعلان الحرب على اليهود الصهاينة عندما قرروا إقامة دولتهم الصهيونية على أرض فلسطين العربية عام 1948م.

لقد قال مرارا مامعناه: (اتركوا الفلسطينيين وشأنهم يدافعون عن أرضهم وحدهم ونساعدهم نحن بالمال و السلاح والمتطوعين والتأييد السياسي والمعنوي المطلق في المجالات الدولية والنصر بيد الله).

كان ذلك هو رأيه الثابت يصر عليه و يؤكده وكان للآخرين آراء واجتهادات أخرى توجب تدخل الجيوش العربية النظامية لقتال اليهود.

لقد تطورت قضية فلسطين منذ أن تدخلت الجيوش العربية النظامية عام 1948م وما آلت إليه الأمور اليوم يدل على التفكير السليم وبعد النظر وحسن تقدير العواقب من قبل الملك عبدالعزيز - رحمه الله -.

وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا ومصرع هتلر، تمكن رشيد علي الكيلاني بعد فشل ثورته على البريطانيين في العراق تمكن من الوصول إلى المملكة العربية السعودية عن طريق (قريات الملح) وكان أميرها عبدالعزيز السديري.

كان مع الكيلاني سوريان هما جميل الجابي وآخر والكيلاني متنكرا ويتحدث بلهجة تقارب لهجة أهالي دير الزور موطن رفيقيه الآخرين وكان الجميع ينتحلون شخصية تجار قادمين إلى المملكة وأبرق السديري إلى الملك عبد العزيز مستأذنا في السماح لهم بدخولهم كتجار فأذن لهم ودخلوا البلاد وكان وصولهم إلى الرياض في يوم كان فيه عبد العزيز على وشك السفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج واستقبلهم الملك في مجلسه وبعد أن سلموا عليه وتناولوا القهوة دار حديث حول التجارة ثم استأذن الجابي من الملك قائلاً: الآن انتهت مهمتنا وبقي الأمر بينك وبين هذا الرجل وانصرف هو ورفيقه السوري تاركين عبد العزيز والكيلاني وحدهما قال الكيلاني: هل عرفتني ياعبدالعزيز؟ أنا رشيد عالي الكيلاني ورقبتي دخيلة رقبتك.

وأجابه عبدالعزيز بكلمته المعروفة (حسبي الله وحسبك يارشيد) ثم أضاف: إذا تكون التاجر السوري ولا تفلت كلمة واحدة منك خلاف ذلك.

واستدعى الملك ابنه الأمير سعود وأوصاه أن ينزلهم في قصر الرياض ثم أن يقوم بتعريف تجار الرياض عليهم كتجار سوريين وحذره من أن يتسرب الخبر بأي شكل من الأشكال.

وأبرق الملك إلى ابنه الأمير فيصل (نائبه في مكة المكرمة آنذاك) بأن يحضر وبصحبته السفير البريطاني للقائه في (عفيف) وهي محطة في منتصف الطريق بين مكة المكرمة والرياض. وعندما اجتمعوا في (عفيف) قال الملك عبد العزيز للسفير البريطاني: (بصفتك ممثل الحكومة البريطانية عندنا وقد رضينا بك أن تكون وسيط خير في شوؤنكم أقول لك الآن إن رشيد عالي الكيلاني في الرياض في ضيافتي وحماي وعليك أن تتصل بحكومتك باللاسلكي وتطلب منها ألا تسلك مسلكا لايجب سلوكه وفيك البركة.

وقام السفير بالاتصال بحكومته لإبلاغها النبا وبعد فترة وجيزة عاد بالجواب إن الحكومة البريطانية تحذر من التدخل في أمر الكيلاني وأنها تطلب تسليمه في الحال كمجرم حرب وبدون قيد أو شرط ولاتقبل بغير ذلك. وانتفض الملك غضبا وتملّكَتْهُ ثورة جارفة لهذا الموقف من البريطانيين وتناول سيفه في جواره وصاح وهو يلوح به أمام السفير الكيلاني في بيتي وبين أسرتي وكل من يطلب الكيلاني كمن يطلب برأسي وأنا دون رأسي ورأس الكيلاني هذا السيف ارجع من حيث أتيت وانهارت أعصاب السفير البريطاني أمام هذا الموقف البالغ الصلابة.

فأخذه الأمير فيصل إلى صيوانه الخاص ملاطفا ومهدئا ومبسطا له الأمر وواعدا بحل المشكلة بنفسه ثم طلب الفيصل من السفير أن يخابر حكومته وأن يقول لها (إن الكيلاني شخص واحد بمفرده لا حول له ولا قوة ولا أنصار ولا مال ولا رجال وأن المملكة مستعدة لأن تسلم الحكومة العراقية خمسة أشخاص ذوي مال ورجال و مراكز مرموقة كبديل عن الكيلاني بل وإن المملكة مستعدة لقبول كل ماتحكم به الحكومة العراقية بل وإن لكم الخيار التام في كل ماتتصرفون به حيال هؤلاء الخمسة. وتساءل السفير من هم هؤلاء الرجال وأجابه الفيصل اختاروا أربعة من إخواني وأنا الخامس.

وبينما السفير في ذهول لموقف الفيصل بعد موقف عبدالعزيز أضاف فيصل: أما غير ذلك فوالله لن يسلم الكيلاني وفي الأسرة السعودية امرأة واحدة بقيت على قيد الحياة.

وأسرع السفير يتصل بحكومته مبلغا لهم هذا الموقف المذهل ورأيه في الموقف وبعد ساعات كانت إذاعة لندن تذيع على الملأ أن رشيد الكيلاني لا تعتبره الحكومة البريطانية مجرم حرب وأن الأمر يتعلق بالحكومة العراقية التي حكمت إحدى محاكمها عليه وأن بريطانيا لا دخل لها بالأمر، وانتهى الأمر وعاش الكيلاني معززا مكرما بين الأسر السعودية كواحد منها.

المرجع - أسود آل سعود لـ إبراهيم بن عبدالرحمن بن خميس -رحمه الله-
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة