Saturday  14/05/2011/2011 Issue 14107

السبت 11 جمادىالآخرة 1432  العدد  14107

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

دول مجلس التعاون الخليجي كانت وما تزال مطمعاً للأصدقاء والأعداء على السواء، يشتد الطمع وينحسر تبعاً للتطورات المحلية والإقليمية والعالمية، يبرر أحياناً بالتاريخ وأحياناً بالجغرافيا وأخرى بالدين وينحدر التبرير ليتدثر بالمذهب في بعض دوله، وبلا مبرر أحياناً طمعاً في ثرواته.

لكن المفارقة هو أن دول مجلس التعاون رغم هذا الطمع التاريخي والمتجدد في أراضيها وخيراتها أبقت منذ إنشاء مجلسها في 25-5-1981م على ذات الكيان السياسي دون تطوير أو ترقية مع أن كثيراً من الاتحادات الفدرالية الحالية الذي يفوق عددها على مستوى العالم الثلاثين اتحادا مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السويسري والاتحاد الألماني والاتحاد الروسي، بدأت مثل ما بدأت به دول مجلس التعاون بما يسمى في القانون الدولي بـ(الاتفاق الدولي) الذي يتصف بالتوقيت وليس فيه هيئات مشتركة تعمل باسم المجموع، ثم انتقلت إلى مرحلة متقدمة أخرى تسمى في القانون الدولي بـ(الاجتماع الدولي أو الكونفدرالية) الذي يعرف على أنه صلة حقوقية سياسية مرتكزة على عهد دولي تحتفظ كل دولة فيه باستقلالها الداخلي والخارجي ما عدا ما يمس المصالح المشتركة الذي يشكل له سلطة مركزية مشتركة لتديره وتحميه.

مجلس التعاون الخليجي بكيانه الحالي وإن عرَّف نفسه بأنه منظمة إقليمية عربية، إلا أنه أشبه ما يكون بالاتحاد الكونفدرالي الذي من صفاته أنه لا يشكل دولة بل جمعية من الدول، وأن كل دولة من الدول الأعضاء فيه تحتفظ بدستورها وبسيادتها على سلطاتها الثلاث، التشريع والتنفيذ والقضاء، وبشخصيتها الخارجية المستقلة من حيث ممارسة حق التمثيل الدبلوماسي وحق عقد المعاهدات وحق إعلان الحرب، وبالتالي فإن الاتحاد الكونفدرالي لا يشكل شخصية دولية مستقلة لا في مواجهة أعضائه ولا في مواجهة الدول الأخرى.

ومن صفات المجلس الكونفدرالي أن يكون له مجلس مشترك سياسي وإداري لمناقشة الأمور ذات الاهتمام المشترك، ولا تكون قراراته نافذة إلا بموافقة حكومة كل دولة على حدة، وهو ما يحصل في مجلس التعاون الخليجي حيث تحتاج قرارات القمة إلى صدور قرارات تنفيذية لها في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، وحيث يمكن لأي دولة من أن تمتنع عن الاشتراك في اتخاذ قرار كما حصل في قرار الاتحاد النقدي، عندما امتنعت دولة الإمارات العربية المتحدة وعمان عن المشاركة فيه.

وأستدرك لأقول بأن القانون الدولي لا يعرف نمطاً موحداً للاتحادات الكونفدرالية لسبب واحد بسيط هو أن الاتحاد الكونفدرالي غالباً ما يكون خطوة انتقالية إلى ما يعرف في القانون الدولي بـ(الاتحاد الفدرالي).

أكثر التجمعات الكونفدرالية ارتقت بتجمعها إلى كيان الاتحاد الفدرالي، لكي تحافظ على وحدتها بجيش قوي قادر على الدفاع عنها وتدعيم اقتصادها ومقاومتها للضغوط الخارجية والأطماع في أرضها وتسريع النمو فيها، دون أن تطغى دولة على أخرى، فهي تتحول إلى مجموعة من الولايات المستقلة استقلالاً ذاتياً على أساس اللامركزية، ولها دستورها الخاص ومواطنوها يشاركون في تأليف الإدارة المركزية المشتركة أو ما يسمى في القانون الدولي بالسلطة الاتحادية المركزية التي ترتكز على دستور اتحادي وتمتلك السيادة الخارجية دون السيادة الداخلية ولها سلطة تشريعية اتحادية مكونة من مجلسين أحدهما يمثل الدول الأعضاء على قدم المساواة كأشخاص اعتبارية لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات في علاقتها بالاتحاد، ومجلس نيابي يمثل شعب هذه الدولة الاتحادية يتم انتخابه وفق الكثافة السكانية في كل ولاية، وقضاء اتحادي يفصل في المنازعات بين الدول الأعضاء وما تعلق بالدستور الاتحادي.

ما يميز هذا النوع من الاتحادات الدولية، هو ما يتمتع به من مرونة وقدرة على التكيف وفق متطلبات المجتمعات المتباينة في مناح ومتفقة في نواح أخرى، فهو يقوم بين دول مختلفة في تشريعاتها الداخلية إن من حيث نظام الحكم المتبع في كل منها أو من حيث تقاليدها الاجتماعية والأنظمة المرعية فيها.

وهو سر بقاء الاتحاد الأمريكي الذي نشأ عام 1787م والسويسري الذي نشأ عام 1848م والاتحاد الألماني عام 1871م، أما الاتحاد الفدرالي الوحيد الذي فشل فهو اتحاد الدول العربية الذي قام بين الجمهورية العربية المتحدة المكونة في عام 1958م من مصر وسوريا والمملكة المتوكلية اليمنية، وانحل في 25-12-1965م، بعد أن انفرطت الوحدة بين سوريا ومصر.

ليس المقصود بهذه المفارقة دراسة مقارنة لأنواع الاتحادات الدولية، بقدر ما هو ترغيب لدول مجلس التعاون الخليجي في الاتحاد الفدرالي، كنوع مرن جربته دول لا يجمع بين شعوبها ما يجمع شعب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لا ينتقص من السيادة الداخلية، ويصون بكل تأكيد السيادة الخارجية، وفي ذات الوقت ترهيب لدول مجلس التعاون من أن كياناتها المتعددة المتفرقة وإن كانت كونفدرالية إلا أنها مهددة بالزوال فالأخطار ستتعاظم والأطماع ستستشرس، فبقاؤها متفرقة يغري ذوي الأطماع كما أغرت الكويت العراق، وكما أغرت الإمارات إيران واحتلت جزرها الثلاث، وتغري البحرين إيران في الوقت الحاضر، ولا تستبعدوا أن تغري دول الخليج المتفرقة القوى العظمى إن جعل الله بترول الدول العظمى غوراً فيتمددون في فراغات دول الخليج العربي.

ستحتفل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هذا الشهر بالذكرى الثلاثين لتأسيس المجلس، وهي مناسبة للتداول في ترقية هذا التعاون من مجلس كونفدرالي إلى اتحاد فدرالي يصون ويحمي ويوحد ويستجيب لتطلعات شعوب دول الخليج لا باعتبار ذلك ترفاً بل ضرورة توجبها الأحداث والتاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد.

وسيكون ذلك إن حصل إحياء لذكرى المغفور لهما بإذن الله الشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان صاحب فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وعملاً يحسب لقادة دول مجلس التعاون الخليجي الحاليين ويخلد ذكراهم على مر العصور.

info@almullalaw.com
 

مفارقات لوجستية
هل سيرتقي مجلس التعاون الخليجي في ذكرى تأسيسه الثلاثين من مجلس كونفدرالي إلى اتحاد فدرالي؟
د. حسن عيسى الملا

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة