Friday  20/05/2011/2011 Issue 14113

الجمعة 17 جمادى الآخرة 1432  العدد  14113

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

الشهادة العسكرية أمرٌ كنت قد ذقت مرارة الظلم فيه من جامعاتنا السعودية ثم رميته وراء ظهري ونسيته حتى أثاره وأحياه زميلنا الأستاذ سعد الدوسري في مقاله مؤخراً بعنوان «جامعاتنا» شكا فيه ظلم الجامعات السعودية لحملة البكالوريوس العسكري بعدم اعترافها به في الدراسات العليا.

والخلل ليس في شهادات العسكريين بل في النظرة الأكاديمية إلى العسكريين. ففي أمريكا لم أجد أي عائق في أي جامعة قدمت إليها - سواء قُبلت أم لم أقبل - تعترض على كوني حاصل على بكالوريوس عسكري، بل إن دراستي العسكرية وخدمتي الواقعية في السلم والحرب كانت عاملاً إيجابياً في كثير من الجامعات قُدمت على غيري فقُبلت من أجلها. فهم يحترمون العسكريين، والميدانيين وقدماء المحاربين منهم خاصة. وكيف لا؟ وستة وثلاثون رئيساً أمريكياً من أصل أربعة وأربعين كانوا عسكريين بل ومحاربين خاض معظمهم حروباً شرسة. ثمانية فقط من الرؤساء الأمريكيين لم يكونوا عسكريين، من أشهرهم أوباما وكلينتون. وأما البقية فكانوا ضباطاً عسكريين. فبوش الابن كان أصغر طيار أمريكي حربي، وأبوه طيار محارب في الحرب العالمية الثانية، وريجان نقيب وكندي ملازم في البحرية خاض الحرب العالمية الثانية وأيزنهاور (الذي أتى لمقابلة المؤسس الأول -رحمه الله- على ظهر البارجة الأمريكية) متخرج من الأكاديمية العسكرية الشهيرة - وست بوينت -، وهكذا.

الجامعات السعودية - ومن باب التقليد المحض لبعض التطبيقات في بعض الدول - لا تعترف بالبكالوريوس العسكري كونه يُتحصل عليه في ثلاث سنين فقط، فلا أدري أهي الصورة أم المضمون هو المعيار في تحصيل العلوم. فقد يتحصل طالب مجتهد على البكالوريوس بأقل من أربع سنين. والماجستير تختلف برامج الجامعات فيه من ثلاث إلى سنة واحدة وكذلك الدكتوراه. إذن فالمدة الزمنية ليست هي المقياس بل مقدار ونوعية العلوم التي تدرس في البرامج التعليمية وجديتها، ومدى تحصيل الطالب واختبار مستوى ذكائه العام. وبحسب خبرتي في المجالين العسكري والأكاديمي، فإن البرامج العسكرية تتميز بالكثافة والتركيز. فما تحصلنا عليه في دورة قادة المدفعية المتقدمة في ستة أشهر في أمريكا أكثر ساعات تعليمية وأعظم منهجاً وأغزر علماً مما تحصلنا عليه في عامين أثناء دراستي في الدبلوم الشرعي في جامعة أم القرى أو في ماجستير إدارة الأعمال في أمريكا. فالدورة العسكرية من الفجر إلى غروب الشمس والواجبات والمشاريع تلحق الليل بالنهار، وتلغي إجازة آخر الأسبوع فلا مجال خلالها للترويح والرحلات. بينما الدراسة الجامعية ساعات معدودة في الأسبوع. والتدريب الميداني في الكليات العسكرية لا يُوضع له وزن في الشهادة أكثر من 10 ساعات مثله مثل طلبة الجامعات في تدريب ما قبل التخرج، اللهم أن العسكريين يأخذونه حقاً بينما الجامعيون قد يأخذونه صورة أحياناً.

وباعتبار النسبة والتناسب، - ففي اعتقادي - أننا لو سبرنا العسكريين ممن أتتهم الفرصة فأكملوا دراستهم في الخارج (أمريكا خاصة) لوجدنا أن نسبة النابغين منهم أكبر من نسبة من نبغوا من المبتعثين الجامعيين للدراسات العليا، فهي العقول تأخذ من العلوم على قدرها، سواء أكان جامعياً أو عسكرياً.

العسكرية كغيرها من المهن الأخرى كالطب والهندسة، من يقضي حياته فيها ينحصر فكره داخلها. فكونك أن تجد عسكرياً ذا رتبة عالية وهو ليس بذاك في أمور خارج تخصصه فلا يعيبه هذا، وهو من أمضى حياته يسبر حدود الوطن ويحميها متنقلاً من ظهر مدرعة إلى ظهر دبابة، مثله مثل أن تجد بروفيسور طبيب أو مهندس لا يفقه شيئاً خارج تخصصه بل وتعجب كيف أنَّ هذا حصل على هذه الدرجات العلمية وهذا منطقه وفكره. فلم الظلم بتخصيص العسكريين دون غيرهم في النظر إليهم بأن شهاداتهم وعلمهم وخبرتهم لا يُستفاد منها في المجتمع. بل على العكس فإن مما سكت عنه أن الدراسة العسكرية والخبرة القتالية والحربية فيها من الخبرات الإنسانية ما لا تستطيع جامعات العالم مجتمعة تدريسه، فإذا وجدت الرغبة في العسكري بإكمال دراسته العليا فإنه من الظلم على مستوى الفرد ومستوى المجتمع ومستوى الوطن أن ترفضه جامعاتنا، فليس مسمى الشهادات هو المحك في تقييم القبول بل فيمن يحمل الشهادة «وهل نافع لولا الأكفّ القنا السمر».

hamzaalsalem@gmail.com
 

المسكوت عنه
الضعف في شهادات العسكريين أم في النظرة الأكاديمية إلى العسكريين
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة