Sunday  22/05/2011/2011 Issue 14115

الأحد 19 جمادى الآخرة 1432  العدد  14115

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

«ليتني لم أفعل» قلتها مخاطباً نفسي بعد أنْ أوقفني جهاز تغيير القنوات على قناةٍ من القنوات الفضائية التي تقتات من أعراض الصحابة رضي الله عنهم، وتستمتع بأكل لحومهم، وتتفنَّن في سبِّهم وشتمهم - عياناً بياناً - وكأنها تعزف لأصحابها وضيوفها وأتباعها أجمل الألحان!

وقفت مشدوهاً أمام رجلٍ سمعت المذيع يخاطبه بقوله: نعود إليك يا سماحة الشيخ حسن فرحان المالكي وأنت ضيف البرنامج من الرياض. ماذا سيقول سماحته؟ كنت أتوقع أنني سأسمع كلاماً معقولاً عن الصحابي الجليل «معاوية بن أبي سفيان» يغسل به «سماحته» بعض ما قاله ضيف البرنامج الآخر الذي كان في الاستديو؛ فقد سبَّ معاوية، ووصفه بأقذع الأوصاف، وأنْتَن العبارات، مستمداً من ابتسامات المذيع المشجِّعة له وقوداً زاد من قوة اشتعال حقده وبغضائه وعباراته الخارجة عن الآداب التي تعارف عليها البشر «حتى في مخاطبة الخصوم».

يا له من توقُّع ساذج، عاتبتُ عليه نفسي عتاباً شديداً فيما بعد.

ماذا قال حسن بن فرحان؟

من الصعب أن أسرد هنا كلَّ ما قال؛ لسوء الأدب فيه من جانب، ولأن سرده للقارئ الكريم سيُمِضُّه كما أمضَّني، ويزعجه كما أزعجني، وهذا ما لا أريده له، مع أن معظم ما يجري في عصرنا هذا، وفي مرحلتنا الزمنية هذه، مما يُزعج ويُمضُّ ويؤلم.

نعم شطحات هذا الرجل التاريخية كثيرة، ونظرته السوداوية لتاريخ الصحابة - رضي الله عنهم جميعاً - تتحكم في كل ما يقول تقريباً، وأنا ممن أعرض عن تجاوزاته إعراضاً كاملاً حرصاً على شغل النفس بما يفيد من قراءات تغذِّي الروح بغذاءٍ صحي سليم، واكتفاءً بمن تصدى له ولأفكاره في هذا المجال ممن هم أكثر دراية بما يهذي به منذ أن ركب هذا المركب الصعب، ولولا هذا التوقف الذي ابتُليت به عند تلك القناة المسكونة بالحقد، ورؤيتي له متحدِّثاً أسوأ الحديث عن معاوية - رضي الله عنه - لما خرجتُ عن دائرة إعراضي عنه.

وأقول هنا ناصحاً لحسن بن فرحان: أتذكر زيارتك لي في مكتبي الصغير في مكتبة الأديب في الرياض، ذلك المكتب المختزل في زاوية من زوايا المكان؟ أتذكر ما دار بيننا من حديثٍ مختصر بعد أن ذكرت لي رغبتك في الكتابة عن بعض القضايا التاريخية في بعض الصحف المحلية؟ أتذكر ما قلت لك محسناً بك الظن من وجوب تقوى الله فيما نقول وما نكتب، ومن أهمية إصابة الحقِّ فيما نتبنى من الأفكار، وعدم النظر إلى الكتابة بمنظار المصلحة العاجلة، والرغبة في الشهرة من أجل الشهرة؟ لعلك تذكر ذلك اللقاء، وكأني به قد كان قبل عشرين عاماً أو ما قاربها زيادةً أو نقصاً.

لم ألْتقِ بك بعدها إلا من خلال قراءات متقطعة لبعض ما نشرته عن تراثنا وتاريخنا الإسلامي، وكنت أشعر بالانزعاج مما تكتب، وبالحزن عليك وقد سلكت هذا الطريق المغمور بوحول الوهم والحقد، وفقدان البصيرة، وبالدعاء لك بالهداية والرجوع إلى الحق.

أمَّا وقد سمعتك تجرِّم معاوية، وتنال منه بتلك العبارات، فقد زاد -والله - حزني عليك، وانزعاجي من هذا الانحدار الذي أوصلتك القراءات المضطربة الممزوجة بسوء الظن إليه.

ماذا أقول لك؟

لن أيأس من حالتك بالرغم من أن المشوار الذي قطعته في بيداء الباطل مشوار طويل - كما بدا لي من كلامك - لن أيأس من أنْ أقول لك: اتق الله يا ابن فرحان، وعُدْ إلى الحقِّ الأبلج، واخرج من هذه الدائرة السوداء القاتمة التي ألقيت بنفسك في غياهبها، اخرج من نفق الشتم والسبِّ الذي لا فائدة منه، ولا يدل على عقل سليم، وأظنُّك لو رأيت رجلاً واقفاً في مكايد ما ينهال بالشتم والسب لشخصٍ ما، ثم سألته عن المشتوم ما مشكلته وهل ظلمه أو ضربه أو أساء إليه، ثم فوجئت به يقول: إني أشتم رجلاً مات منذ زمن لأنه كان عدوَّاً لجدي، أظنَّك ستتهمه بالجنون، وخِفة العقل؛ لأنه يشتم مَنْ لا يفيد شتمه، حتى لو كان محقاً فيما قال؟!

قِسْ نفسك بهذا المقياس يا حسن، وعُد إلى رشدك، واعلَم أنَّ المهْلكَةَ التي ألقيت بنفسك فيها ماقحة ساحقة تقضي على آخرة الرجل قبل دنياه.

والله، لقد رأيتك في تلك القناة صغيراً جداً، وشعرت بأنَّ مخاطبة المذيع لك بكلمة «سماحة» سخرية لاذعة بك، لعلَّك لم تشعر بها، وهل يوصف بالسماحة مَنْ يقع في أعراض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! إني أنصحك بأن تعود إلى خطيرة الحقِّ قبل فوات الأوان.

إشارة:

كلُّ الذين تطاولوا وتنافسوا

في الأرض باتوا يسكنون قبورا

 

دفق قلم
حسن المالكي وشتم معاوية - رضي الله عنه -
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة