Saturday  28/05/2011/2011 Issue 14121

السبت 25 جمادى الآخرة 1432  العدد  14121

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

عندما شرعتُ في كتابة هذه المفارقة تذكرتُ قول الشاعر: (كل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تجيب لهم نداء).

القانون الدستوري يُعرِّف الديمقراطية بأنها حُكْم الشعب، ويُعرّف الديكتاتورية بأنها حُكْم الفرد المستبد، ولا يوجد في العالَم حاكم يُقِرّ بأن حكمه ديكتاتوري مستبد، ويجادل بديمقراطيته؛ حيث نجح كل حكام العالم باستعارة أدوات ديمقراطية كالاستفتاء والانتخاب، وأضافوا بها صبغة الديمقراطية على أنظمتهم الاستبدادية.

هذا النوع من الأنظمة الديكتاتورية في عصر الديمقراطية نشأ من الفكر الماركسي الشيوعي؛ حيث استبدل حكم الفرد المستبد بحكم الحزب المستبد، وانتشر في الاتحاد السوفييتي (سابقاً) والصين ودول أوروبا الشرقية، وتبعتها بعض الأنظمة في العالم شيوعية واشتراكية وديمقراطية مهجنة أو مدجنة على اختلاف تسمياتها.

بالدبلوماسية الناعمة أو بالحروب الدموية حاصر الديمقراطيون والاستبداديون كل منهما الآخر؛ لمنعه من التمدد في حدائق كل منهما الخلفية؛ فتكوَّن المعسكر الشيوعي في مواجهة المعسكر الرأسمالي.

انتهى المعسكر الأول بسقوط الاتحاد السوفييتي وتحوُّل دول أوروبا الشرقية إلى دول رأسمالية، وتوحَّدت ألمانيا، ولم يبقَ من معسكره سوى دول محددة كالصين الشعبية وكوبا وفيتنام وكوريا الشمالية مع تعديل في النظام الاقتصادي يقترب من النظام الاقتصادي الرأسمالي، وأصبحنا نسمع بدولة شيوعية ذات اقتصادَيْن (اشتراكي ورأسمالي).

نجح المعسكر الرأسمالي في تقليص دول المعسكر الشيوعي برفع شعار الديمقراطية وتعدد الأحزاب وتداول السلطة في مواجهة ديكتاتورية الحزب الواحد؛ فانجذبت إليه دول عدم الانحياز والدول المنحازة للمعسكر الاشتراكي.

صدق مَنْ أطلق على العملية الديمقراطية وصف (اللعبة الديمقراطية)؛ فالدول التي تعمل وتنادي بنشر الديمقراطية لا تقوم بأكثر من الغمز في مواجهة الدول الكبرى كالصين، لكنها تتدرج في محاولاتها لنشر الديمقراطية من دعم المعارضين للديكتاتورية بالمال والإعلام إلى تدبير الثورات والانقلابات العسكرية، أو ركوب موجتها إن حصلت دون علمها، ليس حباً في الشعوب الثائرة بقدر ما هو وسيلة لحماية مصالحها عن طريق استيلاد أنظمة موالية لها أو مسيطرة عليها. وتغيظك هذه اللعبة عندما ترى دولاً استبدادية قد دخلت في نادي اللاعبين بالديمقراطية؛ فرئيسها يُنتخب من الشعب بناء على ترشيح من الحزب الواحد، وبعضها يكتفي بالاستفتاء الشعبي المفبرك، وتقيم مجالس نيابية لتمثيل المواطنين كسلطة تشريعية تضع في البداية شروطاً للترشيح لا تتوافر إلا فيمن ترغب هي في وصولهم إلى كرسي النيابة، ثم تدعو المواطنين لانتخاب من وافقت السلطة على انتخابهم، وحتى عندما تسمح بتعدد الأحزاب فإن الحزب الحاكم يستخدم أجهزة الدولة لتهميش وعرقلة وصول الأحزاب الأخرى إلى المجلس النيابي. لنتذكر أنه كان في مصر 24 حزباً مرخَّصاً أو مسكوتاً عنه أثناء حُكْم حسني مبارك، وكان حزب الرئيس يحصل على الأغلبية المطلقة في مجلس الشعب المصري طوال حكمه. هل أكون مجانباً للصواب متجنياً إذا قلت بأنه لا توجد في عالم اليوم دولة ديمقراطية حقيقية يحكمها شعبها، وأن الكم الهائل من الأنظمة التي تدعي الديمقراطية ليست أكثر من ديكتاتوريات من حيث المضمون تدعي الوصل بالديمقراطية كادعاء عشاق ليلى.

لقد كتبت هذه المفارقة قبل أن يُلقي الرئيس أوباما كلمته عن الربيع العربي، ولم أجد في خطابه ما يستدعي إعادة النظر فيما كتبت، لكن ما لفت نظري في خطابه هو أن حماية المصالح الأمريكية في المنطقة لن تتم في المستقبل عن طريق دعم الحكومات الديكتاتورية وإنما بدعم الشعوب لإقامة حكومات ديمقراطية على النسق الأمريكي. ولعلي أتناول هذا التوجه الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية في مفارقة قادمة.

info@almullalaw.com
 

مفارقات لوجستية
ليلى الديمقراطية
د. حسن عيسى الملا

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة