Saturday  04/06/2011/2011 Issue 14128

السبت 02 رجب 1432  العدد  14128

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

في يوم الخميس ودعت «الجزيرة» ابن خميس
أبو عثمان إبراهيم بن عثمان

رجوع

 

مع قلة البضاعة في سوق المعترك الثقافي، أجدني قد تجرأت على تسويد هذه الكلمة حول أديب اليمامة ومؤرخها، ولعل الشفيع الأوحد الذي أخذ بيد الصغير ليلج به إلى نادي الكتابة عن هذا الكبير، هو الأدب النبوي الذي سنّ تعزية المسلم لأخيه، تلك التعزية التي يحرص على أدائها الكبير والصغير، والعالم والجاهل، تحريراً كانت على بعدٍ أو مشافها عن قرب، ولذا لا أملك ابتداءً سوى تقديم خالص العزاء والمواساة لذوي الفقيد وأبنائه وكافة أسرته الكريمة وكذلك لذوي المعطيات الأدبية والثقافية المتباينة فكراً وتحريراً وتطلعاً واتجاهاً.

وحيث لا يحق لمن كان مثلي التحدث عن ابن خميس الإنسان أو الجغرافي أو المؤرخ أو الصحفي الأديب، لذا وجب فسح مجلس الكتابة للشداة الذين طارحوه فكراً بفكر وعلماً بعلم وأدباً بأدب، وسيكفينا الله بأولئك الفضلاء مؤنة ذلك.

ومع المتابعة بحرص وقراءة الكثير من إنتاجه المنشور -رحمه الله- إلا أنه مما يؤسف له أن جيلنا المتأخر لم يحظ سوى بالفترات الأخيرة من عطاءاته المتوهجة، ولعل أول مناسبة ثقافية عامة أحضرها وقد شارك فيها كانت في نادي الطائف الأدبي -إن لم تخن الذاكرة- أو في أوائل سنوات مهرجان الجنادرية، الوهم مني الآن، ولم ألتق به أو أقابله عن قرب إلا في السنين المتأخرة من حياته، حيث كانت زيارتي الأولى له في منزله بمدينة الرياض، وأخذت مجلسي عن يمينه وبقيت مستمعاً لحديث دار ولم يطل مع متحدث ما لبث أن استأذن وانصرف - فشرعت بالسؤال عنه وعن صحته حيث ألفيته قد كبر وبان على محياه تعاقب السنين، ثم عجبت بالقول حول مؤلفاته التي زادت على العشرين مؤلفاً، ومنها كتابه عن معقل رأسه (الدرعية)، وحول جهوده العلمية، فأحسست بارتياحه، وإن كانت ردوده وتعليقاته مقتضبة جداً، ثم وجدتها فرصة لأبوح له -على تلك الجهود- بالشكر والتقدير الذي ليس بحاجة له من قارئ بسيط مثلي، لولا أنني رأيت ذلك من واجبات اللقاء الأول، علماً بأن له -رحمه الله- الكثير من البحوث والمقالات والمواضيع المنشورة في العديد من الصحف والمجلات والدوريات السعودية والعربية حتى صارت تلك الآثار -في مجملها- ومضات أشرقت على العديد من الزوايا في تاريخ وجغرافية وأدب هذه الجزيرة.

ثم كانت زيارتي الثانية بعد الأولى بأيام ليست كثيرة لأجده في مغرب ذلك اليوم قد أعد له مجلساً على يمين الداخل من باب السور الخارجي، وبعد رده السلام أضاف قائلاً: (حياك الله يا بن عثمان) بلكنة نجدية غمرها صدق عاطفة الأشياخ، عطف الله عليه في آخرته، ومما جاء في تلك الزيارة إخباري له بأني أسعى في تصنيف كتاب حول تاريخ المساجد القديمة وتراجم أئمتها في منطقة الوشم، وأنني لا زلت في مرحلة جمع والتقاط مادة ذلك الكتاب ومعلوماته، وأن من بين أولئك الأئمة قاضي بلدة ثرمداء وخطيب جامعها في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري الشيخ محمد بن خميس، وأن لي رغبة في الترجمة له أسوة بالآخرين من الأئمة، وقد كنت -حينها- متطلعاً إلى أن أجد لديه المعلومات المطلوبة لتلك الترجمة، نظراً لمكانته العلمية، ولقربه الأسري من الشيخ المراد الترجمة له، فأفادني -رحمه الله- بمعلومات شفهية يسيرة لا تزيد -في الغالب- على ما ذكره في كتابه ذي الأجزاء السبعة (تاريخ اليمامة)، كما أحالني على كتبه للبحث فيها، معتذراً بكبر السن وضعف الذاكرة، وبهذا الاعتذار المقبول تذكرت -بيني وبين نفسي- ما لم أبده له من قول أحدهم.

وهت عزماتك عند المشيب

وما كان من حقها أن تهي

وأنكرت نفسك لما كبرت

فلا هي أنت ولا أنت هي

ثم كانت الزيارة الثالثة التي أراد القدر -الذي اختاره- أن تكون الأخيرة، ليعمنا بهذا الاختيار المقدر مزيد الأسى، مع أني الأسيف -قبل ذلك وبعده- على أولئك الكبار الذين يستلهم الموت ويغيب بهم حيناً بعد حين، بل والأشق ما سيعز على زمن المتارف العلمية أن يجود بمثلهم والناس لا يزالون بخير -كما قيل - ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر.

وإن كان لي من إيصاء -قبل الختام- فهو أن ينبري أحد النابهين من ذوي المجاهد الموفقة لجمع المتفرقات من أبحاث الفقيد ومقالاته وتنظيمها وطباعتها خدمة للمهتمين بمثل تلك الجوانب، ثم لا بد من الإشارة إلى أن الفقيد قد تم تكريمه من قبل هيئات ولجان ومجامع ومهرجانات داخل المملكة وخارجها خلال حياته المديدة والتي زادت على التسعين عاماً، وهذا من الوفاء المشكور الذي هو حقيق به.. ولا يفوت في هذا الختام تقديم الشكر لجريدة الجزيرة على وفائها مع مؤسسها الفقيد قبل وفاته، حيث أقامت له في الأشهر القليلة الماضية ليلة احتفالية متميزة، وأصدرت عنه كتاباً تضمن آراء بعض أهل الأدب والثقافة، إضافة إلى كتاب أصدرته -مشكورة- مكتبة الملك فهد الوطنية بتلك المناسبة وقد اشتمل على (بيليوجرافية) بآثاره وما كتب عنه، كما يشكر أيضاً نادي الرياض الأدبي على مشاركته الجزيرة في تبني وإقامة الاحتفالية المذكورة، وعلى دعوته للحضور حيث عشنا ليلة من ليالي الرياض الأدبية المتشرفة برائد من الرواد الأوائل لهذه النهضة الوطنية الحديثة الذي برز في مجتمعه دون تملك الشهادات الأكاديمية واستعباد زهوها، ليبقى ذلك التكريم للمكرم -رحمه الله- رمز وفاء ورد جميل، والله المستعان.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة