Sunday  05/06/2011/2011 Issue 14129

الأحد 03 رجب 1432  العدد  14129

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يُعتبر تسبيب الأحكام القضائية من خلال أحكام، وقواعد الشريعة الإسلامية، ومبادئ القضاء في المملكة العربية السعودية، مرتكزاً للحكم القضائي والتي يُشترط توافرها فيه، سواء ببيان مبناها على الأسس الشرعية السليمة الموضوعية أو الإجرائية أو الواقعية.

إن موضوع تسبيب الأحكام القضائية يكتسب أهمية لا جدال فيها، بل لا يُمكن أن نتصور حكم القاضي دون تسبيب؛ فهو السبيل إلى الوصول إلى أحكام قضائية صائبة، والعمل على تلمس الأحكام الموافقة للقواعد والمبادئ الشرعية الحاكمة لها، كما أنها توضح حكم القاضي بما لا يدع مجالا للتأويل أو الريبة.

وقد ذكر عضو هيئة كبار العلماء - الشيخ - عبد الله بن محمد بن خنين أن التسبيب القضائي قسمان: أحدهما: التسبيب الشرعي: وهو بيان الحكم الكلي الشرعي في الواقعة ودليله من الكتاب والسنة، والإجماع وأقوال أهل العلم، ووجه الدلالة منه، وتفسيره عند الاقتضاء.

والآخر: التسبيب الواقعي: وهو بيان الواقعة المؤثرة في الحكم القضائي، وكيف ثبت بإقرار، أو بشاهد ويمين.. إلخ، وكيف جرى تطبيق اًلنص الشرعي عليها؟.

في المقابل، فإن عدم تسبيب الأحكام القضائية، سيترتب عليه ضعف في صياغة الأحكام، وعدم إعطاء الخصوم الفرصة في المناقشة، والاعتراض، ومعرفة أسباب صدور الحكم. إذ هو وسيلة ؛ للتحقق من عدالة الأحكام التي تصدر في حقهم. والنتائج إذا لم تكن صحيحة للواقع، فإن المقدمات - أيضا - لن تكون كذلك، وبالتالي ستشوب الأحكام القضائية نتائج غير مرضية، تستوجب العمل على التخلص منها، والقضاء عليها، - لاسيما - وأن الواقع يشهد مع الأسف، أن معظم الأحكام القضائية لا تحتوي على تسبيب.

صحيح، أن أهل العلم اختلفوا في حكم تسبيب الأحكام القضائية على قولين مشهورين، أحدهما: وجوب تسبيب الأحكام، وهو قول لجماعة في المذاهب المتعددة الأربعة، وقول في مذهب الظاهرية، وقول لابن تيمية في بعض الروايات، وذهب إليه مفتي الديار السعودية سابقاً - الشيخ - محمد بن إبراهيم آل الشيخ. والآخر: ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، ومنهم: الشافعي، وأحمد، وابن تيمية، وابن القيم، بأنه سنة. وقد أوضح - القاضي - ناصر آل داوود، أن من قال: بسنية التسبيب، لعله يريد الأحكام الظاهرة، التي لا يخفى علمها على ذوي الفطر السليمة؛ كمن ادعى على أحد بدين في ذمته، وجب أداؤه، وأقر المدعى عليه بالدين، وحلوله، وملاءته، فاقتصر الحاكم على الحكم عليه بلزوم السداد، دون تسبيب للحكم ؛ اكتفاء بما جاء في الدعوى، والجواب. وأما الغالبية العظمى من الأحكام، فلابد من الاهتمام بذكر الأسباب، التي بنى عليها القاضي حكمه، وإلا كان مفرطا في واجب، قد يأتي على الحكم بالإبطال، أو بوقف التنفيذ، أو بتعطيله زمنا، ولا قيمة لحكم لا نفاذ له.

أما من الناحية النظامية، فقد نص نظام المرافعات واللوائح التنفيذية على وجوب تسبيب الأحكام القضائية. ونص على ذلك - أيضا - نظام القضاء في مادته «35»، والذي ينص على أنه: «يجب أن تشمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها، وعلى بيان مسند الحكم». كما نص نظام القضاء، ولائحة تمييز الأحكام القضائية الثالثة - لعام - 1410هـ، ونظام الإجراءات وقواعد الترافع أمام ديوان المظالم، على تسبب الأحكام ؛ لأنه يُبين صحة الحكم من عدمه، ومفيد للتدقيق، والاستئناف.

إن اشتمال الحكم القضائي على عرض مجمل لوقائع الدعوى، وطلبات الخصوم، وخلاصة موجزة لدفوعهم، ودفاعهم الجوهري، وأسباب الحكم ومنطوقه، وصياغة ذلك بأسلوب يعبر عن المضمون الحقيقي هو في الحقيقة تحقيق لمبدأ علانية الأحكام المكفول بموجب نص المادة « 61 « من نظام المرافعات الشرعية، والذي يكفل حسن الأداء، ويؤكد نزاهة وحيدة القضاء، ويبث الثقة والطمأنينة في نفوس المتقاضين.

بقي أن أشير إلى أن الحاجة إلى معرفة تسبيب الأحكام القضائية، وصفة تقريرها، وكافة أحكامها سيمهد الطريق إلى إصدار مدونة أحكام قضائية، والمساهمة في تأصيل التطبيق السليم للشريعة الإسلامية بغية تقريب الاجتهاد في الوقائع المتماثلة، وسيساعد المهتمين بإيصال الوقائع القضائية إليهم، وسيعينهم على تلمس الأحكام الموافقة للقواعد الشرعية. وقد أخرجت وزارة العدل مشكورة، كتابا تحت عنوان: «مدونة الأحكام القضائية» بإصداراته الثلاثة، نشرت من خلاله الأحكام القضائية وعرضتها على المتلقين، وإن اتسمت بعض الأحكام الواردة في المدونة بالقصور في تسبيب الأحكام القضائية، ولم تذكر تفصيل حيثيات الحكم التي تجعل منطوقه، من حيث نتيجته، موافقاً لأصوله الشرعية.

وإني لأرجو بعد ذلك أن تجد تطلعات وزارة العدل وهي تنظم أعمال الملتقى القضائي المتعلق بتسبيب الأحكام القضائية أصداءً إيجابية. وذلك بمشاركة كوكبة من قضاة محاكم الدرجة الأولى والاستئناف، والمحكمة العليا، وخبراء قانونيين؛ فالقضاء فريضة محكمة، وتسبيب الأحكام القضائية سيوفر القناعة والاطمئنان لدى أطراف العلاقة في الحكم الصادر بحقهم. وسيوفر معياراً قطعياً على مدى إمكانية تقييم كفاءة، وأداء القضاة وبيان قدرتهم على ربط الأسباب بمسبباتها والنتائج بحيثياتها.

drsasq@gmail.com
 

تسبيب الأحكام القضائية.. روح العدالة!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة