Monday  06/06/2011/2011 Issue 14130

الأثنين 04 رجب 1432  العدد  14130

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

النساء شقائق الرجال في المجتمع، والمرأة أحد ركني الأسرة الأساسيين فيه، ولكُلٍّ منهما دور يُؤدِّيه، وعلى كُلٍّ منهما مسؤولية لابُدَّ من تحمُّلها، ولا غنى لأحدهما عن الآخر في مختلف وجوه الحياة، هذه حقائق من المسلَّم بها لدى ذوي العقول السليمة.

وليس من أهداف هذه المقالة التحدُّث عنها، ولا الكلام عن تبيان الإسلام.. الدين القيِّم.. لحقوق كُلٍّ من الرجل والمرأة وواجباتهما، بل إن هذه المقالة مجرَّد خواطر يرجو كاتبها أن تؤخذ بعين الاعتبار عند النظر في أمر قيادة المرأة للسيارة، وهو الأمر الذي عاد الحديث عنه في الأيام الأخيرة بدرجة أكثر من ذي قبل، سواء كان للظروف الخارجية، التي يعرفها المتابعون للأحداث، دور في تكثيف تلك الدرجة أو لم يكن.

وفي بداية الحديث أودُّ أن أشير إلى أنني لم أتناول الموضوع من وجة نظر شرعية، ذلك أني ممن يرجون رحمة ربهم بمعرفتي قدر نفسي من حيث قلَّة بضاعتي في العلوم الشرعية. وإني لأرحم نفسي، أيضاً، فلا أحاول الانزلاق مع أولئك المنزلقين، الذين راحوا يطلقون الفتاوى في المسألة المتحدَّث عنها وبضاعتهم في العلم الشرعي لا تختلف عن بضاعتي فيه. أمور الشريعة جدير بالعقلاء، الذين ينشدون السلامة لأنفسهم، دنيا وآخرة، أن يتركوها للمؤهلين من علماء الشريعة، وبخاصة أولئك الذين اختارهم قيادة هذه البلاد - زادها الله توفيقاً وسداداً- ليكونوا الجهة التي تنظر مجتمعة في الأمور المُهمَّة للمجتمع السعودي بمختلف فئاته، وتتوصل إلى ما تراه صواباً.

ولَعلَّ مما يلحظه المتابع لتناول المسائل الاجتماعية الكبيرة في هذا الوطن - صانه الله مما يحيط به من أخطار - أن منا من يندفع في حماسته، فيصل في ذلك التناول إلى نتائج غير مبنية على حقائق علمية جديرة بأن يُركن إليها. وكثيراً ما دفعت البعض منا حماسته لفكرة معيَّنة إلى ما يشبه حَثَّ قيادة الوطن، أو تحريضها، لتتبنى تلك الفكرة. وهو - بهذا التحريض وذلك الحثّ - يطمع أن تقوم القيادة بفرض فكرته على المجتمع. ومن أمثلة ذلك أن هناك من يقول في تبنيه لفكرة المناداة بقيادة المرأة للسيارة - مثلا: إن المجتمع السعودي كان يرفض تعليم المرأة. ولولا أن قيادة الوطن الرشيدة فتحت لها المدارس - بالرغم من تلك المعارضة - لما وصلت إلى ما وصلت إليه من تعلُّم يُحمَد الله عليه في الوقت الحاضر. ما مدى انطباق هذا القول مع حقائق الواقع تاريخياً؟

كانت الفتاة تتعلم تلاوة القرآن الكريم وحفظ بعض سوره في مدارس غير حكومية. ولم يكن المجتمع في كل مناطق البلاد، على العموم، معارضاً لذك. بل كان مُؤيِّداً له. ومن لم تلتحق ابنته بالمدرسة فذلك لظروف أغلبها معيشية. وكان هناك تعليم للفتاة تعليماً عصرياً، وإن كان محدوداً، تمثل في مدارس خاصة في مدن الحجاز، وفي القسم النسوي من معهد الأنجال في الرياض. وكان في طليعة من نادى بتعليم الفتاة السعودية تعليماً مُتقدِّماً مساوياً لتعليم الفتيان الأمير مساعد بن عبدالرحمن، رحمه الله رحمة واسعة. وكان ذلك الرائد في فكره التقدُّمي أول رجل له مكانته العظيمة في الوطن ينادي بإنشاء الضمان الاجتماعي.

ثم وُفِّقت قيادة الوطن بافتتاح مدارس حكومية للبنات يتعلَّمن فيها مختلف العلوم التي يتعلمها البنون، وذلك في كل مناطق البلاد، وعُهِد بالإشراف على تلك المدارس - عند افتتاحها- إلى أعلى شخصية مقاماً في العلوم الشرعية، وهو الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، تغمده الله برحمته ورضوانه، وهذا دليل واضح على أن علماء الشريعة في هذا الوطن كانوا مُؤيِّدين لتعليم البنات التعليم الحديث لا كما يَدَّعي المُدعون لأغراض خاصة أنهم كانوا يعارضون تعليمها. فما الذي حدث؟

لقد عارض افتتاح المدارس الخاصة بالبنات ليتعلَّمن ما يتعلَّمه الفتيان فئات من المجتمع السعودي في ثلاث بلدات من بلدان نجد فقط. وكان هناك من أيدوا فتحها في تلك البلدات ذاتها. هذا هو الذي حدث. فهل من الإنصاف أن يُؤخذ موقف تلك الفئات المحصورة في بلدات ثلاث من البلدان النجدية على أنه موقف للمجتمع السعودي؟ عدم الإنصاف هذا بحق المجتمع السعودي ظلم للوطن ومواطنيه وافتراء عليهما. وهذا الافتراء وذلك الظلم كان ينبغي عدم حدوثهما. لكن ما داما قد حدثا، مع الأسف الشديد، فهلا أن الآوان أن يُوقف تردادهما؟

إن التوصل إلى حلول للقضايا الاجتماعية لا يمكن أن يتحقق بالحماسة المندفعة، التي يركن المُتصفون بها في تأييد آرائهم إلى أسس لا يُؤيِّدها التاريخ ولا تتفق مع حقائقه، وهناك أمثلة أخرى يخرجها المُتحمِّسون المندفعون إخراجهاً لا يختلف في جوهره عن إخراجهم لقضية تعليم المرأة في هذا الوطن.

أما بعد : فأنا - كما قلت سابقاً - لن أتطَّرق لمسألة قيادة المرأة للسيارة في المملكة من الناحية الشرعية، وذلك لعدم أهليتي بهذه الناحية، ولن أتطرق لها من الناحية الأخلاقية أو الأمنية، وذلك لأني سأغلِّب جانب التفاؤل على جانب التشاؤم في مسيرة المجتمع، وسأغمض عيني عما يُشاهد من مؤثرات داخلية وخارجية يدركها المتأملِّون في تلك المسرة. ولن أتطَّرق للمسألة، أيضاً، من حيث قدرات الجهات المسؤولة عن المرور وإمكاناتها المتاحة، وذلك لأني أدرك أن تلك الجهات أعلم من غيرها في قدراتها وإمكاناتها. أعانها الله على ما تواجهه من مشكلات قائمة حاضرة لا يُتوقع إلا أن تزداد تعقيداً في قادم الأيام.

من المُبررات التي يسوقها المنادون بقيادة المرأة للسيارة في المملكة أن الوطن سيوفِّر البلايين من الريالات، وذلك - حسب قولهم - أن قيادتها للسيارة ستودِّي إلى الاستغناء عن السائقين المُستقدمين من غير السعوديين. وكم يَوُدُّ المرء أن يعلم - نتيجة دراسة علمية - نسبة من سيذهبن كل صباح لإيصال أطفالهن إلى المدارس وإحضارهم منها ظهراً، ومن سيذهب إلى أماكن مُتعددة تتطلب الذهاب إليها وجوه الحياة الاجتماعية المختلفة. ما لم يُقم بتلك الدراسة العلمية فإن القول بتوفير البلايين من الريالات لو أصبحت المرأة تقود السيارة قول مبني على ظل وتخمين، لا على أساس يمكن الركون إليه أو التسليم بصحته.

على أن مما يلحظه المرء أن من أبناء الأسر، الذين تتيح لهم أعمارهم قيادة السيارة، من تكون لكل واحد منهم سيارة خاصة به. كم نسبة هؤلاء في المجتمع؟ قد يختلف في تقدير هذه النسبة، لكن وجودها أمر مشهود. فإذا أصبحت المرأة تقود السيارة فإن البنت، أيضاً، ستكون لها سيارة خاصة بها. ما الأعباء المالية التي سيثقل كاهل كل أسرة من الأسر التي تضطر للقيام بذلك؟

لا أجد في نفسي الشجاعة لأجازف بإعطاء تقدير لتلك الأعباء كما يجازف آخرون شجعان بإعطاء أرقام تُوفِّرها المملكة - حسب قولهم - نتيجة قيادة المرأة للسيارة. ذلك أن القول بالظن والتخمين لا يسهم بحلِّ المشكلات الاجتماعية حلا مُوفقا. على أن الذي أعلمه - ويعلمه غيري - أن كثيراً من أسر المجتمع السعودي مثقلة الآن بأعباء الحياة المالية، لا سيما أن الأسعار تزداد ارتفاعاً والدخل لا يرتفع بالقدر الذي ترتفع به تلك الأسعار، إضافة إلى ازدياد متطلبات الحياة الجديدة، التي تتنامى تشعباتها يوماً بعد آخر.

ذلك أمر. وأمر آخر هو أن مدينة، مثل الرياض، يعرف الجميع أن العاملات السعوديات خارج بيوتهن من ساكناتها أكثرهن مُدرسات. وليست لديَّ إحصائية بنسبة المُدرِّسات إلى غيرهن من العاملات الأخريات خارج مساكنهن. لكني أتوقَّع أن تلك النسبة تتجاوز التسعين في المئة. ولو فرض أن كل مُعلِّمة ستذهب بسيارتها إلى المدرسة التي تعمل فيها فأين ستوقف هذه السيارة؟ لا أعلم، أيضاً، كم نسبة المدارس التي يوجد عندها مواقف للسيارات. لكني أظن - نتيجة المشاهدة لبعض أحياء المدينة - أن تلك النسبة قليلة جداً. ولعلَّها لا تتجاوز الخمسة في المئة. فما الحل؟

هناك فرق واضح بين مدينة مثل الرياض، وقرية من قرى هذا الوطن. ومن المعروف أن الرقابة المجتمعية الذاتية في القرية، سواء بالنسبة للرجال أو النساء، أجلى وأوضح منها في المدينة الكبيرة، وأن التعاون بين أفراد المجتمع المحدود أكثر تجلياً منه في المجتمع غير الواسع، لكن لو استبعد هذان الأمران كلية فإن من المعروف أنه لا توجد مشكلة مواقف للسيارات في القرى كما هي الحال في المدن الكبرى. ولهذا فإني لا أرى ما يمنع قيادة المرأة للسيارة في القرية - من الناحية الاجتماعية - لوجود الأسباب السابقة فيها وعدم وجودها في المدينة الكبيرة. وأعود، في ختام هذه المقالة، لأؤكد ما سبق أن أشرت إليه في ثناياها من أن قضايا المجتمع - ومنها قيادة المرأة للسيارة - ينبغي عدم التعامل معها بأساليب طابعها الحماسة المندفعة، بل يجدر بالجميع أن يتناولوها بوعي مبني على دراسات علمية تُؤدي في نهاية المطاف إلى تبني ما هو أقرب إلى الصواب وأبعد عن الانجرار إلى مواقف ليست ما يتمناه المخلصون. وَفَّق الله كل محب لوطنه ومواطنيه إلى ما فيه السداد.

 

عند النظر في قيادة المرأة للسيارة
د. عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة