Saturday  11/06/2011/2011 Issue 14135

السبت 09 رجب 1432  العدد  14135

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

-تحكمنا «الشخصنة» في كثير من مواقفنا الثقافية، وبخاصةٍ حين يتصل الأمر بكتابة السيرة الذاتية أو عند التجاذبات الخلافية؛ فليس أيسرَ من تعظيم «الأنا» وتقزيم «الآخر».

- وإذ تجد كتبُ السير والمذكرات إقبالا قرائيًا فإن نطاق ضعفها مبالغتُها في حجم الإنجازات الذاتية والنأيُ عن الاسترسال في ذكر تجارب الإخفاق وما يتصل به من مساءلاتٍ تتعلق بضمير العمل وشرف العامل، وكنا سنتعلم أكثر لو حكينا عن الوهاد والحفر قبل النِّجاد والقمم.

- تَلَذُّ لكثيرين فينا متابعةُ ما يصدر من كتابات الشخوص الرسمية والشعبية عن حياتهم خاصِّها وعامِّها، ثم نصدم حين لا نتعلمُ شيئًا؛ فالصفحات مسودةٌ بالعصاميةِ والنبوغِ والنزاهةِ، وربما صدق كاتبها وربما جفاه الحق.

- والسؤالُ الأهم هنا: لما لا تقنعنا بشريتنا الناقصةُ الخاطئة بروايةِ مثالبنا المتكررة في المنزل والعمل، وفي الشارع ومع الأصدقاء، وفي الزوايا المختفية بما فيها من مقايضاتٍ وأثمان وسعيٍ للارتقاء وميلٍ للارتماء، ولا أظننا من البراءةِ بمثل هذه المكانة العُلوية.

- الأمثلة كثيرة؛ فلا يكاد كتاب مذكرات سياسيةٍ أو سيرة ثقافية أو تأريخٍ اجتماعي ينجو من النرجسية، ولعلها باتت خصلةً عربية؛ فكما الزعيم الأوحد والقائد الملهَم يجيء الإنسان الناجح الذي يتحدى ويتخطى فيبدو بطلًا ويُظهر سواه طبولا.

- المفارقةُ أن المعادِلَ المقابِلَ لهذه الممارسة حضورُ الشخصنة مرةً أخرى في جاهزيةٍ متوفزة لاتهام من يشك أو ينتقد أو يقلل من إنجاز رمزٍ أو مسؤولٍ بوجود دوافع شخصيةٍ تأخذه نحو مسارب التشويش، وكأن المراد هو التصفيق والتلميع.

- ممارسةٌ قد تقودُ إلى الفراغ حين معالجةِ همٍّ أو قضيةٍ؛ فمن المؤلم للكاتب اليقظ أن يظل عازفًا على وترٍ ما إذا وجدَ أن سهام المدافعين سترميهِ بتهم المقاصدِ الشخصية، مطلقةً عناوينَ عريضةً من مثل: ما الذي يريده من إصراره على هذا العزف المنفرد المتجهِ نحو معالي المسؤول كما مسؤولية المعالي، ويحبطُ القلَمُ الصادقُ إذ يبصرُ نفسه وحيدًا يغرد بالشجن الوطني والقومي فلا يرتد إليه الصدى.

- لا عجب بعدُ إن صمتت ألسنةٌ وأغلقت أقلام إذ لا تحتملُ وضع نفسها مدارًا في جدلِ الشارعِ والنخب حين لا يطفو منها سوى مجموعاتِ المدحِ للمنتقَدِ والردحِ للناقد، ولا يحل الأمر بوسطيةٍ توفيقيةٍ أو تلفيقية بل بقراءات شفافةٍ موضوعيةٍ يشترك فيها ذوو الدرايةِ عبر المنابر المفتوحة ذات الحضور الشعبي.

- هنا يحصحص الحق ويميز الإنجاز؛ فلدينا في الأمة قامات وهامات مثلما لدينا أقزام وأزلام، و في الفريقين مستفيدون وانتهازيون يحيلون العظيم إلى الأعظم والوضيع إلى الأفهم والأحكم، وقد جاءت الثورات العربية لتكشف كيف تتغير الصور وتتبدل الأحكام وتنشر قوائم بأسماء كتابٍ ومفكرين «كبار» تلونوا حين تبدل الفارس والميدان.

- والسؤال: ما موقفنا من أولاء المتقلبين؛ من تسكنُ كتبهم عقولنا قبل رفوفِ مكتباتنا؛ فهل سنكون قادرين على استدعاءِ سيرهم واستعادة مؤلفاتهم بعدما تمرغت مواقفهم في وحل النفاقِ والتُّقيةِ والدَجلِ والتناقض؟، والظن أنهم لن يكونوا جديرين برمزيةِ القيمةِ التي بلغوها، وهو ما يعني أن الكُتَّابَ والمثقفين والإعلاميين بحاجةٍ إلى رصدِ سجلاتهم قبل أن ترصد عليهم.

- البهلوانيةُ سقوط.

ibrturkia@gmail.com
 

الزوايا العكسية
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة