Sunday  19/06/2011/2011 Issue 14143

الأحد 17 رجب 1432  العدد  14143

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

معذرة عزيزي القارئ عن هذا العنوان «المقرف»، الذي ربما أثار استغــــــرابك واشمئــــزازك، والقشعـــريرة في بدنك، بل قد يتسبب في عزوفك عن تناول الطعام طوال هذا اليوم، لكن لا بد من التنويه إلى هذا الموضوع. لقد ترددتُ كثيراً في مدى مناسبة الحديث عن حشرة «القمل»؛ لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها مظنة أن القمل صار من ذكريات الماضي، وأن زمنه قد ولى، واندثرت ذكرياته، ثم إن الحديث عنه يحوم الكبد، ويُثير اشمئزاز النفوس ولوعتها، وأنه مضى أكثر من أربعة عقود على تلك الأيام التي كانت رؤية أحدهم يحك رأسه وآباطه؛ نظراً إلى تفشي القمل وانتشاره بين الناس، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، حينها كان الكل يعرف القمل، والكل يتذمر منه، بل بلغت إحاطتهم بخصائصه، ومعرفتهم بسماته وأحواله وطبائعه، أن القملة كانت مضرب المثل لأولئك الذين يتسمون بالكسل والتقاعس عن أداء المهمات والأعمال، حيث يقال: (فلان أعجز من قملة التركاة).

كانت تلك الأيام حافلة بالعديد من الذكريات المؤلمة، الآن قلة هم أولئك الذين عايشوا الأيام التي كان القمل فيها يُعَدُّ ظاهرة معروفة مشاهَدَة؛ حيث لا يكاد يخلو رأس أو إبط من شرِّه وآلامه، ثم انقطعت أخبار هذه الحشرة الكسولة البغيضة، بعد أن تيسرت سبل النظافة وتنوعت، ونالت الرعاية الصحية مبلغ الاهتمام والأولوية، وغلب على الظن أنه بات في حُكْم المؤكد أن القمل مات واندثرت آثاره وأخباره وإلى الأبد، وأنها غدت أثراً بعد عين.

لكن الذي لا يمكن تصديقه مهما كانت درجة الثقة في الراوي والرائي أن أخبار تفشي القمل بدأت تتواتر، وأن أعداده بدأت تتكاثر، وأن دوائر انتشاره تتسع، وملامح ظهوره أوضح وأبين من أن يُشار إليها ويُدلَّل عليها، وأضحى الحديث عن هذه الحشرة الكريهة ملء السمع من كثرة الإخبار عنها، وملء البصر من كثرة تواتر رؤيتها تدبي في رؤوس الشباب عامة، والشابات على وجه الخصوص.

ومما يثير القلق أن الحديث عن القمل في المجتمع المدرسي لم يعد سراً؛ فقد تواترت الروايات على أن القمل عاود الظهور بين الطلاب والطالبات، وأن انتشاره يكثر في رؤوس الطالبات على وجه التحديد؛ حيث بدت رؤيته ملحوظة جداً بين طالبات الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية، ثم يتناقص بصفة تدريجية في باقي المراحل الدراسية، ويُفهَم من هذا أنه لا تكاد تخلو منه مرحلة من المراحل، الاختلاف بين المراحل في الكم، وسرعة الانتشار؛ فهو أكثر توالداً وأسرع انتشاراً بين طالبات المرحلة الابتدائية منه بين عموم المراحل.

وأمام تواتر الشكوى من القمل، والخوف من اتساع دائرته، أصدرت إحدى إدارات التربية والتعليم للبنات تعميماً توعوياً عن مخاطر القمل وسُبُل الوقاية منه. إن الأسباب التي أدت إلى تفشي القمل - خاصة بين الطالبات - تثير الصدمة والدهشة؛ فقد ذكرت إحدى مديرات المدارس أنها استدعت والدة إحدى الطالبات اللاتي رُئي القمل يدبي في رأسها، وكانت المديرة مترددة ومتهيبة من ردة فعل الأم عندما تعلم بهذا الخبر المخجل، وكان العجب والاستغراب الذي لا يمكن تصوره وتوقعه؛ فبدلاً من أن تنزعج الأم أو على الأقل تبدي أسفها وخجلها من حالة ابنتها أطلقت العنان للسانها تلوم مديرة المدرسة وتعتب عليها، وقالت لها بمنتهى الصفاقة: «أمن أجل هذا تستدعينني؟ أنا أعرف أن في رأس بنتي قملاً، وش تبيني أسوي لها، الشغالة هي السبب». سألتها مديرة المدرسة «ما علاقة الشغالة؟» قالت الأم: «بنتي تنام عندها كل ليلة، حسبي الله على هالشغالة، الله يغربلها، ولا يبارك في الساعة اللي جتنا فيها». تساءلت مديرة المدرسة «كنت أظن أنك ما تدرين، وهذه مصيبة عظمى، لكن كونك تعرفين وساكتة على هذا الوضع فالمصيبة أعظم».

من المؤكد أن هذه الأم وأمثالها هن السبب الرئيس في توالد القمل؛ بسبب إهمالهن وعدم مبالاتهن واعتمادهن واتكالهن الكامل على الخادمات. وحيث إن هذا الأسبوع هو الأخير في هذا العام الدراسي؛ وبالتالي سوف يبتعد الطلاب والطالبات عن بعضهم؛ لذا فعلى الآباء والأمهات المبادرة في مراجعة العيادات الطبية المتخصصة، والمسارعة في معالجة هذه الحشرة «المقرفة»، وأخذ كل الأسباب التي تمنع توالدها وانتشارها، وعلى وزارة التربية والتعليم وضع برنامج توعوي مُحْكم لمواجهة هذه الحشرة وسُبُل الوقاية منها، وتنظيم حملة في كل فصل دراسي للتوعية بمظاهر هذه الحشرة وسُبُل الوقاية منها، تمهيداً للقضاء عليها.

ab.moa@hotmail.com
 

أما بعد
القمل ما زال حيًّا!
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة