Monday  20/06/2011/2011 Issue 14144

الأثنين 18 رجب 1432  العدد  14144

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لم أستغرب على الإطلاق أن يتحول برنامج يستفتي آراء المستمعين على الهواء إلى برنامج يستضيف شيخاً يفتي على الهواء؛ فذلك قدرنا منذ عقود؛ فالناس اعتادوا أن يسألوا الشيخ عن كل شيء، لكنهم يجدون صعوبة في إبداء آرائهم عبر الأثير، وتلك مسألة عميقة الجذور في المجتمع، وتختصرها مقولة «خل بينك وبين النار مطوع»؛ فالإنسان يخاف من الكلام؛ لأنه يخاف من أن يخطئ، برغم أن الخطأ العفوي سُنّة كونية لا يُحاسب فاعلها، بل له أجر، وإن لم يُصِب..

لن أضع اللوم على مقدِّم البرنامج، الذي يبحث عن شعبية ومشاركة أكبر من المستمعين، وعن اتصالات تبرر استمرار البرنامج؛ فالعقل عند كثير من المسلمين مصاب بالذعر والخوف من التعبير عن الرأي. ولأن الإنسان في المجتمع يحكمه العقل الديني بشمولية مطلقة لا يستطيع أن يبدي رأياً باستقلال عن رأي الشيخ، كذلك تجد هذه المفارقة في الإعلام؛ إذ سرعان ما تسمع الاحتفاء الإعلامي إذا تجاوز أحد الشيوخ سقفه الديني القديم، وانتصر لقضايا المرأة على سبيل المثال؛ وذلك لأن المجتمع المحلي منغلق حول نفسه، وفي حالة انتظار طويل على أمل أن يتغير الفكر الديني؛ فهو مكبَّل لا يستطيع الانطلاق نحو المستقبل؛ وذلك لأن حراكه الثقافي والديني والاقتصادي يطوف حول ما يصدر عن رجل الدين من تعليمات.

تلك السُّلطة غير المتوجة لا تُحسب على عالم الدين، بل على المجتمع الذي فرض تقديره وتنزيله لرجل الدين إلى منزلة أعلى، واللهم لا حسد؛ فقد تضاعفت شعبية علماء الدين أضعافاً وأضعافاً عندنا، وقرروا الدخول إلى الفضائيات، فالمستمعون يجدون راحتهم في سؤال الشيخ عن كل شيء؛ ولذلك بدل المذيع العربي برنامجه الاستفتائي إلى برنامج فتاوى على الهواء؛ فالناس يميلون للرأي الذي يخرج عبر بوابة المفتي، يظهر ذلك الميل في الطب والاقتصاد والسياسة وغيرها؛ فالمواطن يثق أكثر في عالِم الدين، وأجد أن غالبية الأسئلة المفضلة لدى الجماهير تحوم حول الزواجات وموديلاته الحديثة، ويأتي الزواج المسيار في مقدمة أسئلة المستمعين..

كانت آخر حلقات البرنامج عن زواج المسيار، وكان الحوار مثيراً بين الشيخ والمتداخلين، وكنت أعجب من تلك النظرة المثالية التي يبحث عنها بعض المتداخلين، الذين أظهروا عدم رضاهم عن نفعية زواج المسيار، الذي فتح الباب على مصراعيه للزواج التجاري والمؤقت إن صحَّ التعبير، وهذه حقيقة تثبتها أعداد صفقات الزواجات المؤقتة في بعض المدن، وخصوصاً عند بعض الجاليات التي ما زالت تبحث عن إقامة شرعية لها، وتواجه بعض المعوقات الاقتصادية، وكنت أتمني أن يتم حصر تكاليف ومعدل الزواجات المؤقتة وتكاليفها في إحصاء رسمي، لكنني بمجهود بسيط وجدتُ أن لزواج المسيار عند بعض الفئات بورصة وأسعاراً حسب الجالية وجنسيتها..

ما أود الوصول إليه عبر هذه المقدمة أن الناس منذ عقود يأملون بتطابق الحلول المثالية مع تلك التي يقدمها الوعاظ في دروسهم اليومية، لكن الواقع صار يقدم شواهد وأدلة على أن بوابة العقل الديني اتسعت كثيراً لتقديم حلول نفعية من أجل تسهيل مصالح الناس، وإن كان ذلك في ذلك الرباط المقدس والمثالي، الذي كان يُقدَّم في الماضي على أنه قمة النزاهة والمصداقية، لكن خروج موديلات الزواج الحديثة من المسيار إلى المسفار والاستمتاع وغيرها شوَّه تلك الصورة، وخصوصاً عندما أجاز المشرع أن يتزوج الرجل دون علم زوجته، وفي ذلك تشويه للصورة المثالية التي يقدِّمها الوعاظ عن الدين الحنيف، وأعتقد أن كثيراً من المشاهدين يحاولون تبرير ذلك الخروج المفاجئ عن الصورة المثالية، لكن بعضهم يجد صعوبة في ذلك.

كذلك ظهر ذلك التنافر في أسلمة القروض البنكية لدرجة أنها أصبحت أكثر تكلفة من القروض التقليدية، وأسقط في يد المجتمع عندما وجد نفسه بعد سنوات من ذلك الحراك في أكبر خسارة لشعب في الاقتصاد الحديث، بعدما تهاوى سوق الأسهم إلى القاع؛ فقد ساهمت القروض المؤسلمة في تضخم السوق ثم في انهياره، وبعد انهياره اختفت رسائل الوعظ عن الأسهم الخيّرة والمطابقة للشريعة، والسبب أنها كانت الخاسر الأكبر، بينما قلّت خسائر حملة أسهم البنوك المحرَّمة.

مع ذلك ما زلت أجد متعة غير عادية في متابعة برامج الفتاوى على الهواء، وخصوصاً تلك اللزمة التي يردد فيها مقدِّم البرنامج بدون انقطاع: يا أخي اسأل الشيخ يسمع! لكن الإثارة الأكثر حسب متابعتي تكون في السماع لبرنامج تفسير الأحلام على قناة إف إم الغنائية، وحسب توقعاتي ستكون تلك الأحلام في مستقبل الأيام مادة دسمة للسينما السعودية بعد أن يجد لها العقل الديني مخرجاً خارج تلك الصورة المثالية التي يقدمها للبسطاء في وعظه اليومي..

 

بين الكلمات
فتاوى خارج الصورة المثالية
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة