Friday  24/06/2011/2011 Issue 14148

الجمعة 22 رجب 1432  العدد  14148

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قبل أيام، اتجهت الأنظار إلى السماء؛ لمتابعة خسوف القمر، باعتباره أول خسوف قمري، لم يُرصد مثله هذا العام. وكانت بدايته في تمام الساعة 8.24 مساءً، عندما وصل القمر منطقة الظل. وانتهى الخسوف الكلي عند الساعة 2.00 صباحاً. فيما يُعتبر من الحالات نادرة الحدوث، حيث تميز بطول مدته.

لقد ظلت دراسة ظاهرة «الخسوف والكسوف»، محل اهتمام المسلمين منذ العهد الأول، وذلك وفق قانون الكون في حركة الشمس، والقمر، والكواكب، والنجوم. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف بزماننا هذا، الذي أكرم الله الإنسان بنعمة العلم، وأسبغ عليه نعمة العقل. فاستطاع الإنسان غزو الفضاء، والتجول داخل المجموعات الشمسية، بعد أن وصل علم الفلك إلى تطور هائل، خدم فيه البشرية خدمة عظيمة.

وقد حدثني المشرف على المركز الوطني للفلك بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، -الأستاذ- صالح الصعب: أن توقع حدوث مثل هذه الظواهر، ليس من المعارف الحديثة، أو النجاحات المعاصرة للعلم الحديث، كما يظن كثير من الناس، فقد تمكن عدد من علماء الفلك المسلمين - منذ مئات السنين -، من توقع حدوث الخسوف، أو الكسوف قبل حدوثه بمدة طويلة، وعلى سبيل المثال: فقد كان - العالم المسلم - «ابن البناء»، الذي عاش في المغرب العربي، قادراَ بفضل الله على توقع مثل هذه الأحداث، بل وتوقع النوع الذي سيكون عليه كلياَ، أو جزئياَ، أو غير ذلك.

بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، ذكر مسألة في الفتاوى، وهي في قول أهل التقاويم في: «أن الرابع عشر من هذا الشهر يخسف القمر، وفي التاسع والعشرين تكسف الشمس»، فهل يصدقون في ذلك؟. فأجاب - رحمه الله -: «الحمد لله، الخسوف والكسوف، لهما أوقات مقدرة، كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف، فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام، التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه».

وقد نبه - الشيخ - عبد الرحمن بن قاسم - رحمه الله -، وهو من أخص تلاميذ - الشيخ - محمد بن إبراهيم - رحمه الله -، على أن: «معرفة الخسوف والكسوف، ليس من التنجيم المذموم، وقال غير واحد: معرفة الكسوف، لا يختص بالمنجمين، بل هو مما إذا حسبه الحاسب عرفه».

ولسماحة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله -، فتوى في هذا الباب حيث يقول: «والناس في هذا ثلاثة أقسام: مفرط في إثبات الشرع، يأخذ بما يظهر له منه، وينكر الأسباب القدرية، فيقول: إن الكسوف ليس له سبب حسي، ولا يمكن أن يدرك بالحساب، وربما يكفرون، أو يضللون من يقول بذلك. والثاني: مفرط في إثبات القدر، فيقول: إن للكسوف أسباباً حسية تدرك بالحساب، وينكرون ما سواها، ويضللون من يعتقد سواها مما جاء به الشرع. وكلا القسمين مصيب من وجه، مخطئ من وجه. والصواب مع القسم الثالث، الذين يأخذون بهذا وهذا، فيؤمنون بما شهد به الحس، وبما جاء به الشرع، ولا يرون بينهما تنافياً؛ فإن الله - تعالى - يقدر الكسوف بأسباب حسية، لكن تقديره لهذه الأسباب له حكمة، وغاية اقتضته، وهي تخويف الله تعالى لعباده، كما أن الصواعق، والعواصف، والزلازل المدمرة، لها أسباب حسية معلومة عند أهل الخبرة، والله تعالى يرسلها؛ ليخوف بها العباد».

وما دام أن الحساب الفلكي يُعمل به، ويُؤخذ بنتائجه في معرفة «الخسوف والكسوف»، والتي تحدث في المكان، والزمان المحدد، بفارق أقل من الثانية، وفي تحديد مواقيت الصلاة، فلماذا لا يُعمل به في مسألة الأهلة، وفي تحديد بدايات الأهلة القمرية؟. - لا سيما - وقد حصل التطور الكبير في معطيات علم الفلك. وفي أقل الأحوال، لماذا لا يُؤخذ بقول علماء الفلك، في نفي رؤية الهلال عند استحالة ذلك فلكيا، ومنافاته للواقع؟.

وأذكر جيداً، أن - العلامة - أحمد محمد شاكر - رحمه الله - له رسالة في: «أوائل الشهور العربية: هل يجوز إثباتها شرعًا بالحساب الفلكي؟». وفتواه فيها نقول قيمة، وأفكار نيرة. كما نقل هذا المذهب عن - الشيخ - محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر الشهير في وقته. ومن المنادين بذلك - الفقيه الكبير العلامة - مصطفى الزرقا - رحمه الله -. وقال بذلك - أيضاً - المفكر المعروف - الشيخ - رشيد رضا - رحمه الله - في مجلة المنار، وفي تفسيره لآيات الصيام. ومن القائلين بذلك، محدث الشام - الشيخ السلفي - عبد القادر الأرناؤوط - رحمه الله -.

بل ذهب - الشيخ - محمد بن عثيمين - رحمه الله -، في شرحه لزاد المستقنع: «إلى رد شهادة رؤية الهلال، بقول أهل المرصد من الفلكيين العاملين بالحساب، إذا قرروا عدم إمكانية رؤيته. وإلى ذلك ذهب - الشيخ - محمد بن عبد الرازق المراكشي، صاحب العذب الزلال، وهو من الكبار في تخصصه الفلكي». وبه قال - الشيخ - عبدالله بن منيع منيع - عضو هيئة كبار العلماء -: «وأما حكم العمل بالحساب الفلكي من حيث النفي، فيجب الأخذ بذلك؛ لأن الرؤية شهادة، ومن أسباب رد الشهادة، أن تكون مرتبطة بما يكذبها».

وسأختم هذا البحث اليسير، بالإشارة إلى ندوة: «الأهلَّة والمواقيت والتقنيات الفلكية»، التي عُقدت في دولة الكويت، خلال الفترة من 21 إلى 23 رجب 1409 هـ، وشارك فيها عدد من فقهاء الشريعة، وعلماء الفلك في الدول العربية التالية: الأردن، الإمارات، الجزائر، السعودية، السودان، عُمان، فلسطين، قطر، الكويت، مصر، المغرب، اليمن. كما حضرها مندوبون عن مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والاتحاد العربي لنوادي العلوم، وقد أصدرت الندوة توصيات علمية، منها: يؤخذ بالحسابات المعتمدة في حالة النفي، أي: القطع باستحالة رؤية الهلال، وتكون الحسابات الفلكية معتمدة إذا قامت على التحقيق الدقيق، لا التقريب، وكانت مبنية على قواعد فلكية مسلمة، وصدرت عن جمع من الفلكيين الحاسبين الثقات، بحيث يؤمن وقوع الخلل فيها. فإذا شهد الشهود برؤية الهلال في الحالات التي يتعذر فلكيًا رؤيته فيها، ترد الشهادة؛ لمناقضتها للواقع، ودخول الريبة فيها.

إن الحرص على التحقق من أداء العبادات، ومنها: التحقق من دخول شهر رمضان، وخروجه، وتحديد يوم عرفة، ويوم عاشوراء، هو الغاية من كتابة هذا المقال. فالمناظير الفلكية تستطيع تحديد، وتتبع الهلال بدقة متناهية، وتحديد ارتفاعه، ومقدار إضاءته، وإعطاء بيانات دقيقة حول الهلال، وعمره. وما دام أن علم الفلك، أثبت صحة حساب موقع القمر، ووقت ولادة الهلال، بما لا يدع مجالا للشك، أو الجدل، بل أصبحت مسلمات حقيقية، وإعجازا علميا هائلا، فإن المنهج العلمي الذي يجمع بين النصوص الشرعية، والحقائق العلمية الثابتة، يقتضي الاستفادة من علم الفلك، - وبالتالي - تُشكل اللجان العلمية، وتُمحص الشهادات بما يدل عليه الواقع، وما تثبته الحسابات الفلكية الدقيقة؛ ليتم الأخذ به.

drsasq@gmail.com
 

الخسوف والكسوف.. وإرهاصات الأهلة!
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة