Tuesday  28/06/2011/2011 Issue 14152

الثلاثاء 26 رجب 1432  العدد  14152

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

وسائل الإعلام اليوم هي التي تشكل الوعي، وتصنع الرأي العام؛ وهي أيضاً من أقوى الأسلحة السياسية دفاعاً وهجوماً في العصر الحديث؛ فمن كان يملك الوسيلة الإعلامية الأمضى يملك السلاح الأقوى. في السابق كان بإمكان الأنظمة التحكم في مخرجات وسائل الإعلام، بالحجب تارة، أو بالسماح تارة أخرى، بالشكل الذي يخدم الأنظمة أو هكذا يظن أساطينها؛ غير أن دوام الحال من المحال، فما كان بالإمكان التحكم فيه لم يعد كذلك اليوم؛ هذه الحقيقة لم يتنبه لها كثيرٌ من الدول العربية، فاكتفت بمصادرة الحريات، والتخويف، والتنصّت على المكالمات، والتقارير الاستخباراتية التي تُجند لها جيوش من المخبرين، ومنعت وسائل الإعلام العالمية من أن تبث من أراضيها، واعتبرت أن ذلك كافياً لإحكام قبضتها على الأمن، وتحسين صورة النظام في الخارج بإخفاء ما يجري في الداخل عنه؛ وأهملت الشأن الإعلامي الداخلي، وتعاملت معه على أنه إما بوق (دعاية) فجة للنظام، أو أنه جهاز ترفيه.

الاتصالات ومعها الإعلام أصبح اليوم لا يعترف بحدود، ولا توقفه أجهزة تفتيش، ولا تستطيع جيوش من المراقبين التحكم في مجريات تدفقاته؛ فالمعلومة أصبحت كالطيور المهاجرة العابرة للقارات لا تحتاج إلى تأشيرة دخول، ولا تقف عند مراقب جمركي.

ويبدو أن تطور وسائل الاتصال الحديثة أخذت أجهزة العرب الأمنية على حين غرة، فأصبحت قلاعهم المُحصّنة ساحات مُستباحة تحت أنوارٍ كاشفة؛ فإن أرادوا أن (يقمعوا) انفضحوا، وإن أرادوا أن يكذبوا انكشفوا، وإن أرادوا أن (يُزوِّروا) القصص، كما كانوا يفعلون في الماضي، أفشل مخططاتهم طفلٌ يحمل هاتفاً جوالاً بكاميرا؛ يلتقط الصورة، ثم ينقلها إلى (اليوتيوب)، ويُعلق عليها في (الفيس بوك) أو (تويتر)، لتتلقاها القنوات الإخبارية الفضائية وتبثها، وتبدأ القصة، وتنكشف اللعبة، وتنفضح الفبركة إن كان ثمة فبركة، ويتحرك المجتمع الدولي، وتبدأ الاحتجاجات تتوالى من كل حدب وصوب.

ومن يتابع التلفزيون الليبي والسوري هذه الأيام سيكتشف أن الإعلام الإخباري، أو السياسي، في هاتين الدولتين ليس متخلفاً فحسب، وإنما في منتهى التخلف.

ويبدوا أن تلك الدولتين عندما حلت بهما الأزمة التي يمران بها الآن التفت ساستها يبحثون عن أدوات إعلامية فاعلة ومؤثرة، تساندهم في معاركهم مع الثورات، فلم يجدوا في منظوماتهم الإعلامية إلا أوعية فارغة؛ فانصرف العالم بمن فيه شعوبهم يبحثون عن المعلومة عند الآخرين؛ حتى أن التلفزيون الرسمي السوري، وكذلك الأمر بالنسبة لقناة (دنيا) الفضائية المملوكة للقطاع الخاص السوري، إذا احتاجوا إلى معلقين أو محللين للدفاع عن النظام يلجأون إلى (لبنان)، لأنهم لم يُدربوا سوريين قادرين على الدفاع عن النظام بمهنية؛ فقد كانوا لا يُظهرون داخل بلادهم إلا المطبلين، من عينة أعضاء (مجلس النواب) سيء الذكر مثلاً، والمطبل لا قيمة له في الأزمات.

أما (القذافي) فانتقى فتاوى لبعض علماء المملكة، ثم لوى أعناقها، وجعلها تَنطبقُ على وضعه مع الثوار، وبثها على فضائيته..

وهناك من يُعيد تخلف الإعلام في تلك الدولتين إلى تخلف النظام نفسه؛ فالإعلام جزء من التنمية والانفتاح، وعندما تغيب التنمية بمفهومها الواسع، ويغيب الانفتاح، وتغيب الحرية، ويخاف الناس، يتخلف بالضرورة الإعلام.

زبدة القول إن الدول التي لا تهتم بالإعلام، ولا تعبأ به، وتعتبره مجرد أداة (للدعاية)، مهمته الأولى التطبيل للأنظمة، والإشادة بمنجزاتها، وأن يسكت عما تريده أن يسكت عنه، ستكون بالضرورة دولة مستباحة إعلامياً..

الإعلام اليوم من أهم مهامه (الدفاع) عن الأنظمة؛ فمهما ملكتَ من أسلحة، وقوة، وجيوش، وأموال، وأجهزة استخبارات، وتحريات، وأجهزة دبلوماسية فاعلة في الخارج، لا يمكن أن تقف وتواجه، في الحرب أو في السلام، دون إعلام ذكي، محترف، يعرف كيف يستقطب المتلقي، وكيف يُمرر المعلومة، وكيف يُدافع بفطنة عن النظام، وقبل ذلك كله لديه (هامش) من الحرية يستطيع أن يتحرك فيه، حتى وإن خرج عن (النص) قليلاً..

إعلام الدعاية والتطبيل سقط، ولم يعد له تأثير في عالم اليوم، ولن تقوم له قائمة في المستقبل.

إلى اللقاء.

 

شيء من
الإعلام سلاح العولمة الجديد
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة