Wednesday  29/06/2011/2011 Issue 14153

الاربعاء 27 رجب 1432  العدد  14153

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قضى الأمر الملكي برقم 1-121 وتاريخ 2-7-1432هـ بالموافقة على الخطة التي تعالج تزايد أعداد الخريجين من الجامعات المعدّين للتدريس وحملة الدبلومات الصحية والتي حددت كيفية استيعاب أولئك الخريجين والخريجات. إن الهدف من القرار واضح،وهو تهيئة فرص التوظيف لعشرات الآلاف من الشباب المتخرجين، مع تحديد الجهات المسئولة عن تحقيق هذا الهدف.

وفي رأيي أنه لا يجب أن ينظر إلى الأمر الملكي فقط على أنه حلقة -وإن كانت قوية- من سلسلة الأوامر التي صدرت لمعالجة قضية التوظيف والتغلب على شبح البطالة. بل هو ينطلق من مفاهيم ذات بعد استراتيجي اقتطف منها ما يلي:

أولاً: حملة الدبلوم الصحي:

نفهم من الخطة أنها تبنت الشكوى المرة التي أعلنتها جميع الجهات الصحية منذ أكثر من ثماني سنوات من رداءة المستوى والمحتوى لدى كثير من المعاهد الصحية الأهلية، مما ترتب عليه تخريج دارسين قليلي القدرة والمهارة والمعرفة في ممارسة المهن الصحية. إلا أن ذلك ليس حكماً عاماً، فإن نصف الخريجين الذين لم يعينوا حتى الآن (أي ما يقارب 14000 خريج) كانوا قد اجتازوا امتحان تصنيف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وقد أوجدت الخطة للنصف الآخر فرصة إضافية عن طريق التأهيل في المعاهد التي تخرجوا منها.

وخلال فترة التأهيل وما بعدها لم يتركوا لمصيرهم بل هم يتقاضون في أثناء التأهيل مكافأة شهرية مقدارها ألف ريال، وبعد التأهيل يتم توظيف من يجتاز التصنيف في القطاع الخاص، ومن لا يجتازه يعين في وظيفة إدارية مناسبة في القطاع الخاص أيضاً. هذا التنظيم الجيد راعى عدة أمور هي:

1- أن حق الخريج في الحصول على فرصة عمل يجب أن لا يعلو على حق المريض وحساسية المسئولية الصحية. لذلك اشترط إعادة التأهيل واجتياز التصنيف.

2- أن نسبة السعودة في القطاع الصحي الخاص متدنية للغاية (4% للتمريض و18% للفنيين الصحيين في حين أن النسبة بوزارة الصحة 46% للتمريض و78% للفنيين !)فليس كثيراً إذن أن يتحمل القطاع الخاص عبء توظيف نسبة كبيرة من الخريجين (70%) تقريباً. ومن المؤكد أن الدولة سوف توفر حوافز للقطاع الخاص تتماشى مع نسبة السعودة. علماً أن الدولة قدمت من قبل تشجيعاً سخياً لهذا القطاع عندما رفعت مقدار قرض الإنشاء من خمسين إلى مائتي مليون ريال.

3- أن حملة الدبلوم الصحي الذين على قوائم التوظيف والذين سيتخرجون حتى خمس سنوات قادمة -قبل الانتهاء من قفل المعاهد الصحية تدريجياً- ربما يتجاوز عددهم الستين ألفاً يضافون إلى القائمين حالياً على رأس العمل في القطاعات الصحية المختلفة وعددهم لا يقل عن خمسة وخمسين ألفاً معظمهم في عمر الشباب. ولا يمكن أن يوصد باب العمل في وجوه الخريجين الجدد لمجرد أنهم حملة دبلوم. والخيارات أمامهم وأمام جهات التوظيف (الحكومية والأهلية) واسعة. وقد تضمنت الخطة بعضها. فإلى جانب توجيههم لوظائف إدارية لمن لا يجتاز التصنيف بعد إعادة التأهيل هناك إمكانية تطبيق نظام التجسير (أي الرفع إلى مستوى البكالوريوس) وهذا قد لا يستوعب إلا نسبة محدودة. ثم هناك التأهيل لتعلّم مهارات تقنية محددة. أما النسبة الأكبر منهم فيتم استيعابهم في الوظائف الصحية التي لا تتطلب مستوى عالياً من التأهيل -وما أكثرها- بينما يتفرغ حملة المؤهلات الأعلى للوظائف ذات المتطلبات والمسئوليات الأكثر تعقيداً. وهذا في حد ذاته يؤكد دورهم في الخدمات الصحية -إذا ما أحسن توجيههم. والقطاع الصحي بأكمله (الحكومي والخاص) قادر- خلال الاثني عشر عاماً القادمة - على استيعاب ما يقارب مائة وستين ألفاً من حملة الدبلوم (ممرضين وفنيين صحيين)!

ثانياً: توظيف النساء:

الأبواب التي شرعها المقام السامي أمام الراغبات في العمل لم تكن مجرد استجابة آنية لظرف طارئ، بل تمثل انسجاماً مع منطق التطور الاجتماعي الطبيعي.منذ عصور سحيقة كانت المرأة جزءاً أساسياً في قوة العمل إلى جانب دورها الطبيعي في الأسرة. كانت تشارك في الرعي والفلاحة والبيع خارج البيت، وكانت تقوم بالطحن والخياطة وصناعة بعض أنواع الأثاث من الخوص وتربية الدواجن داخل البيت. لم تكن المرأة متعلمة، لكن مثل هذه الوظائف لم تكن تتطلب تعليماً، إلا أنها كانت مصدراً هاماً من مصادر الرزق. وقد انسلخت تلك العصور وأعقبها عصرنا هذا الذي لم تعد تمارس فيه تلك المهن داخل البيوت. وقد تعلمت المرأة حتى واكبت الرجل في سباق التعليم، وصار عدد الطالبات في المدارس والجامعات يقارب عدد الطلاب، وعدد المعلمات يساوي عدد المعلمين أو يزيد عنه. وحملت المرأة أعلى الشهادات وأثبتت قدرتها على الإدارة والقيادة وعلى ممارسة مهن معقدة مثل الطب وغيره.

فهل ينسجم مع منطق التطور أن تظل المرأة -بعد أن صارت تشكل قوة اجتماعية ضاغطة- أضعف شأناً وأهون من جدّتها في زمن مضى؟ وأن تضيّق عليها مسالك الرزق المشروعة الواسعة التي تسمح لها بالمشاركة في عبء الإنفاق على أسرتها - خاصة عندما تحتم ذلك ظروف معيشية صعبة؟

لذا يمكن القول إن ما تضمنه الأمر الملكي من ترتيبات تتعلق بالتوظيف النسوي مثل التوظيف على أساس النصاب الجزئي وتفعيل إنشاء الإدارات النسوية وقصر العمل في محلات المستلزمات النسائية على المرأة السعودية وتأنيث وسعودة الوظائف الصناعية المناسبة للمرأة - كل ذاك يعني وضع الأمور في نصابها وإعادة الحق إلى أصحابه (أو صاحباته بوضوح أكثر!). ومثل هذا الإجراء كان يتطلب قراراً حاسماً من ولي الأمر يزيل الخوف عند أولئك الذين ترتعد فرائصهم أمام كل تطور جديد.

ثالثاً: منهج إعادة التأهيل:

تضمن الأمر الملكي في أكثر من موقع التوجيه بإعادة التأهيل:

- إعادة تأهيل الذين لا يجتازون امتحان التصنيف من حملة الدبلوم الصحي لدى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.

- حصر الوظائف الشاغرة في القطاع الخاص لشغلها بسعوديين سواء عن طريق التوظيف المباشر أو بعد إعادة التأهيل والتدريب.

- برنامج إعادة التأهيل الذي يتكون من الخطوات التالية:

1- حصر مؤسسات التأهيل (الحكومية والخاصة) للتعرف على إمكانياتها.

2- تصميم برامج التأهيل التي تقدم المهارات اللازمة لإعادة التأهيل.

3- قيام المؤسسة العامة للتدريب التقني والفني بمهام التأهيل من خلال إنشاء معاهد متخصصة بالتعاون مع الشركات ويتحمل تكاليف تشغيلها كل من صندوق تنمية الموارد البشرية وشركات القطاع الخاص.

4- التنسيق بين الجهات الحكومية التي تنفذ مشاريع توفر فرصاً وظيفية ووزارة العمل لغرض إعداد الكوادر الوطنية اللازمة لشغل هذه الفرص.

وفي رأيي أن الخطوات السابقة تكتمل ويكتب لبرامج إعادة التأهيل النجاح إذا قامت بالتنفيذ (أو شاركت) الجهة المحتاجة لشغل وظائفها فهي الأدرى بتوصيف وظائفها ومستويات التأهيل اللازمة لها. وهي التي تملك أيضاً مواقع العمل اللازمة لإعادة التأهيل. ذلك أن برامج إعادة التأهيل لا ينبغي لها أن تكون مجرد فصول تعليمية، بل هي معامل لتحضير الموظف (أو المتدرب) وتأهيله عملياً لممارسة الوظيفة. ومهما بلغ حجم الأموال اللازم رصدها لصالح هذه البرامج فإن قيمة نتائجها تتفوق على عبء تكاليفها، لأنها بالفعل قادرة على سد الفجوة بين تخصصات الخريجين ومتطلبات سوق العمل ومن ثم توطين الوظائف وتشغيل الخريجين والمساهمة الفعالة في كسب سباق التطور.

 

ماذا نفهم من خطة استيعاب الخريجين؟
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة