Thursday  30/06/2011/2011 Issue 14154

الخميس 28 رجب 1432  العدد  14154

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هبنّقه واسمه يزيد بن مروان حسب أغلب الروايات؛ هو من أشهر الحمقى في زمانه، وفي كل زمان هبنَقات وفي عصرنا صور مكررة ومتجددة متنوعة من الحماقة يمكن مشاهدتها ومعايشتها يومياً, ما عليك إلاَ أن تقرر التأمل ومراقبة حركة الحياة في أماكن وأزمنة مختلفة.. الأمر لن يعييك والمواقف المثيرة متوفرة والصور ملفتة، كلها ستجبرك على الابتسام أو الانقباض، وغالباً ستشعر بالحالتين معاً ولا تستغرب أن تتبعهما حالة الغثيان وهو ما ينتج عن شدة الاستياء، وهذا له تفسير طبي يلتقي مع المبررات النفسية التي أحاطتك في تلك الدقائق، والحماقة - في نظري - تزيد وتنقص تبعاً للوعي الفردي والجمعي والخبرات التراكمية التي يعززها الوعي والثقافة النسبية في السلوكيات وسبل التعايش مع الآخرين

يقول ابن الأعرابي (الحماقة كساد العقل والرأي) ومردها للرعونة، ويفرق كثيرون بين الحمق والتغفيل وبين الجنون؛ فالحمق هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود، بخلاف الجنون الذي يجمع بين الخلل في الوسيلة والمقصود، لذلك فإن الحمق يعد عندهم غريزة، قال أحدهم يصف الحمق بأنه كالماء في عروق الحنظل كلما زاد ارتواءً زاد مرارة، فالمعنى أن الحمق أصل في جوهر الإنسان الأحمق فهو غريزة لا ينفعها التأديب، وأنه مثلما يتفاوت الناس في العقل وجوهره فإن درجة الحمق تتفاوت بين المصابين به، وقال حكيم: يكفي الأحمق كثرة أسمائه، ومنها: الأحمق، الرقيع، الهلباجه، الخطل، الملغ، المأفون، الأهوج، الأخرق، وغيرها، وللعرب أوصاف وخصال يستدلون بها على الأحمق ودرجة حمقه، على أن بعض المتأخرين يرون أن التراكم المعرفي لدى التجمعات البشرية قد أحدث تغييراً على تلك القراءات والاستنتاجات، ويصر آخرون على أن الحمق والتغفيل ملازم للإنسان بدرجات متفاوتة مهما تلونت سبل الحياة، والدلائل متوفرة وهي المنوه عنها في الأسطر الأولى، ومما يجنّب الناس التعامل مع الأحمق لدرجة التنازل أحياناً عن حقوقهم البسيطة عنده، ما عرفوا منه من عدم النظر للعواقب وأنه لا مودة له، وأنه سطحي ساذج متقلب الأطوار.

ومما يروى عن بعضهم : أن رجلا ً تكلم عند معاوية فأكثر الكلام فضجر منه، فقال: اسكت فقال الأحمق: وهل تكلمت بعد ؟! ومما يستدل به على أن الحمق قد يلازم الإنسان منذ الصغر حكاية طفل فرًّ عصفور من بين يديه فأسرع إلى قفل باب حوش المنزل.

وأنك لتعرف أناساً اشتهروا بالعقل والحكمة ثم تصدر منهم على وجه الندرة سلوكيات لا يمكن وصف صاحبها إلا بالحمق والصفاقة، ولعل مرد ذلك علل اجتماعية مستجدة أو صحية طارئة ونحو ذلك مما يتطلب عدم الاستعجال بالحكم عليهم والتماس العذر لهم ومنحهم فرصة تلو أخرى حتى يأتي اليقين.

وبعد أن تأملنا (أنا وأنت) الآخرين، فهل ترى أنه يمكن إدراجنا في تلك القائمة بأي درجة كانت ؟! وسبحان مقلب القلوب والأبصار.

 

هبَنّقات معاصرة
علي الخزيم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة