Friday  01/07/2011/2011 Issue 14155

الجمعة 29 رجب 1432  العدد  14155

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ويح قلبي... كأني ببلقيس تذرف الدمع في قبرها حزناً على انهيار عرشها... ويح قلبي على أطلال ذي يزن في أرض اليمن تشكو غدر الزمن.. اليمن بقمم جباله التي تعانق السحاب.. وجذور تاريخه التي تضرب في عمق التراب، وصحرائه المحرقة، وشواطئه الثائرة تزداد التهاباً.. اليمن أرض التاريخ والأساطير، وأسطورة الجمال.. ورائحة البخور.. والقهوة السمراء المدللة تئن وتتوجع.. آثار اليمن التي قهر الزمن أهلها فولوا عنها أو بادوا وبقيت أطلالها لعشاق التاريخ والحضارات غشاها سواد دخان الحروب، والصراعات..

وبلقيس التي مرت عبر بوابة تاريخ اليمن وبنت مملكتها العظيمة.. مملكة سبأ.. لونت دماء الحروب آثار مرورها... اليمن ذات التاريخ المتجذر في أعماق الزمن.. اليمن هذه الأرض التي جمعت في أعماقها كنوز التاريخ، وبديع التراث.. ونامت في أحضانها حضارات عاد وثمود.. وربت وترعرعت في أكنافها إمبراطورية سبأ وحمير.. ونُقشت في قلاعها وعلى جدران حصونها طلاسم من نقوش أثرية في أحرفها كنوز.. وبين تعاريجها أسرار عميقة حيرت الأزمنة!! باتت تنادي.. أرضي تشتعل!! فكيف..؟ ولماذا..؟ وهل..؟ وإلى متى..؟ تساؤلات إجاباتها حائرة.. غامضة.. فاليمن تلك الدولة الفقيرة والتي يقطنها أكثر من عشرين مليون شخص ظلت غارقة في حروب أهلية وصراعات داخلية منذ منتصف التسعينات.. لقد شهدت اليمن عبر تاريخها القديم والحديث صراعات دامية حرمتها من نعمة الاستقرار والتنمية والتطور، وهذه الصراعات تركزت أساساً على السلطة والثروة رغم محدودية الإمكانيات في هذا البلد، ولكن ظل العنف الداخلي على مدى تاريخ اليمن هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى مركز السلطة أو الاستحواذ على الثروة.. وبذلك انعدم الاستقرار، وتفشى الفقر، وزادت نسبة البطالة، وساءت أحوال البلد نتيجة التردي الخطير في الوضع الاقتصادي والأمني، فتضاعفت معاناة الشعب اليمني.. وبدأ يبحث عن أقصر الطرق لإنقاذ نفسه ووطنه وحمايته من التمزق والتفرق.. لذلك نمت الإرادة الشعبية وثارت لتشكل ضغطاً قوياً على الإرادة السياسية. إن ما يحدث على أرض اليمن ما هو إلا مأساة شعب يدرك الحقيقة بكامل وأدق تفاصيلها لكنه أجبر على التعايش معها ردحاً من الزمن.. وفي لحظة الغفوة استفاق ليعلن أن الوقت قد حان.. فهبت عاصفة البلد الغاضب المثخن بالجراح من ويلات الحروب.. فبعد أن نال الشمال اليمني استقلاله من الاحتلال العثماني عام 1918 ومنذ ذلك التاريخ إلى وقتنا الحاضر واليمن يعيش صراعات واضطرابات داخلية وحروباً أهلية متعددة.. ولعل أشدها ضراوة تلك التي تسمى {بحرب الصيف الأهلية أو ما تسمى بحرب عام 1994م}..ثم توالت الحروب الداخلية تباعاً واستمر الصراع فلا نكاد نسمع دولة اليمن إلا وهو مقترن بحرب أهلية، أو صراع داخلي، أو تناحر قبلي... لكن صمود الشعب اليمني في ظل التحديات والحروب والصراعات كصمود قلاع اليمن وبيوت صنعاء القديمة قدم الزمن. أحداث ومتغيرات دراماتيكية توالت على هذه الأرض.. فبعد أن انتهت دولة الجنوب بالوحدة وتشعبت اطرق برفاق تعاهدوا ثم تباينوا عادت مآسي الحروب..!!حروب القبائل اليمنية فيما بينها.. فمن المعروف أن اليمن مجتمع قبلي.. قبائل متعددة ومختلفة ومتباينة التوزيع في أرض جغرافية تضاريسها صعبة المسالك، وعرة الطرق، هذا المجتمع هيمنت عليه نزعة وثقافة السلاح، والأخذ بالثأر.. فالتناحر بين القبائل يتحول إلى ساحات مواجهة مزمنة ودامية.. ثم أن هذه الأرض بمناطقها المتفرقة والمتباعدة عن بعضها حيث تفصل بينها سلاسل من الجبال والمنحدرات تحتضن قلاعاً وحصوناً يرجع عمرها إلى آلاف السنين، وتلك الأخاديد العميقة المظلمة.. جعلت من هذه الأرض وكراً وملجأً آمناً لجماعات الحوثيين، والقاعدة يختبئون فيها بعيداً عن أعين المراقبة، وبالتالي تحولت أرض اليمن إلى أرض خصبة للصراعات، والحروب الأهلية، والتناحر القبلي. حقيقةً إن ما تشهده الساحة اليمنية يثير قلقاً متزايداً في الساحة السياسية.. فالملف اليمني بُهت لونه لكثرة تعاقب تداوله بين صناع القرار، وأقطاب المعادلة السياسية في الحكم والمعارضة داخل اليمن غارقون في دوامة الخلافات، والمبادرة الخليجية أخذت تراوح مكانها بين الرفض والموافقة وقد تكون أقرب إلى الفشل والإخفاق.. ومع هذا المشهد من زيادة وتيرة الاحتجاجات.. وتفاقم الاضطرابات، وربما إنذار باشتعال الفتيل لحرب أهلية.. فإن فرصة ثمينة ستكون أمام تنظيم القاعدة ومجموعات انفصالية أخرى لتبدأ حراكها.. وتعزز قواعدها مستغلة بذلك حالة الفوضى وارتفاع وتيرة العنف التي تشهدها البلاد.

نظرة تأملية لأبعاد اليمن المستقبلية تنبئ بأن اليمن قد يواجه خطر الإنزلاق في حرب أهلية يصعب تطويقها ووقف نزيفها.. وبالتالي ستزداد رقعة تردي الأوضاع وخاصة الأوضاع الاقتصادية والأمنية. جرح اليمن لن يندمل إلا بإطفاء ثورة شباب سئموا حياة الحروب والصراعات..سئموا الفرقة وزرع الشقاق.. شباب يأمل في مستقبل آمن ووطن مستقر.. شباب أسقط من قاموسه ورقة الخوف والجبن لأنه يريد أن يحيا حياة كريمة آمنة. نتمنى أن تنهض بلاد اليمن من كبوتها.. فتاريخها العظيم، وإرثها الحضاري العريق، وكنوز التاريخ من آثار تبع، وسد مأرب، ومملكة سبأ وعرش بلقيس تأبى إلا أن يكون اليمن هو اليمن الذي يحكي أسطورة حضارة الأمجاد الغابرة التي قامت على أرضها.. ومن لم يقرأ أبجديات التاريخ.. فليقرأ تاريخ اليمن.

 

عود على بدء
{ألومُ صنعاءَ يابلقيسَ أم عدنا أم أمةً ضَيعت في أمسِها يزنا}
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة