Thursday  21/07/2011/2011 Issue 14175

الخميس 20 شعبان 1432  العدد  14175

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يحكى أن طاعون الجنون نزل في نهر يسري في مدينة.. فصار كلما شرب أحد من النهر أصيب بهذا الداء العضال.. كان المجانين يجتمعون ويتحدثون بلغة لا يفهمها العقلاء.. واجه الملك الطاعون وحارب الجنون.. حتى إذا ما أتى صباح يوم، استيقظ الملك وإذا الملكة قد جنت.. وصارت مع مرور الأيام تجتمع مع ثلة من المجانين تشتكي من جنون الملك!!

نادى الملك الوزير: يا وزير الملكة جنت، أين كان الحرس؟

الوزير: قد جن الحرس يا مولاي.

الملك: إذن اطلب الطبيب فوراً.

الوزير: قد جن الطبيب يا مولاي.

الملك: ما هذا المصاب، من بقي في هذه المدينة لم يجن؟

رد الوزير: للأسف يا مولاي لم يبق في هذه المدينة لم يجن سوى أنت وأنا.

الملك: يا الله أأحكم مدينة من المجانين!!

الوزير: عذرا يا مولاي، فإن المجانين يدعون أنهم هم العقلاء ولا يوجد في هذه المدينة مجنون سوى أنت وأنا!

الملك: ما هذا الهراء! هم من شرب من النهر وبالتالي هم من أصابهم الجنون!

الوزير: الحقيقة يا مولاي أنهم يقولون إنهم شربوا من النهر لكي يتجنبوا الجنون الذي كان يلازمهم طوال حياتهم. لذا فإننا مجنونان لأننا لم نشرب. ما نحن يا مولاي إلا حبتا رمل الآن... هم الأغلبية.. هم من يملك الحق والعدل والفضيلة... هم الآن من يضعون الحد الفاصل بين العقل والجنون..

هنا قال الملك: يا وزير أغدق علي بكأس من نهر الجنون، إن الجنون أن تظل عاقلا في دنيا المجانين.

بالتأكيد الخيار صعب..عندما تنفرد بقناعة تختلف عن قناعات الآخرين..

ترى هل ستسلم للغير.. وتخضع للواقع.. وتشرب الكأس؟

وفي المقابل يأتي سؤال مهم أيضا.. هل بالضرورة الانفراد بالرأي هو التصرف الأسلم باستمرار، والأقرب للصواب، والأنجع في كل المواقف وعلى الدوام!

فتاة مثلاً تحدت أهلها وكل من حولها لتتزوج شاباً أحبته أو هكذا تصورت، تكتشف بعد سنوات إنه أسوأ زوج من الرجال!

كم تمنت أنها شربت من الكأس عندما عرض عليها حتى ارتوت!

كاتب مغمور أكثر على الناس بكتاباته الحادة حتى اعتزله الناس ليكتشف بعد سنوات أن كل كتاباته كانت ضرباً من الهراء!

كم تمنى هذا الكاتب أنه شرب من هذا الكأس حتى ابتلت عروقه!

إذن ما هو الحل في هذه الجدلية...

هل نشرب من الكأس أو لا نشرب؟

دعونا نحلل الموضوع ونشخص المشكلة بطريقة علمية مجردة

رأي فردي مقابل رأي جماعي

منطقيا الرأي الجماعي يعطينا الرأي الأكثر شعبية وليس بالضرورة الأكثر صحة.

قد تقول إذن لا أشرب الكأس.. لحظة!

في نفس الوقت نسبة الخطأ في الرأي الجماعي أقل بكثير من نسبة الخطأ في الرأي الفردي

إذن تقول نشرب الكأس.. تمهل قليلاً!

من يضمن أنه في هذه اللحظة وفي هذه القضية كانت نسبة الصواب في صالحك.

أعرف أن الأمر محير، أنت بصدق أمام إشكالية معقدة ومتداخلة..

شخصيا عرض علي الكأس مرات عديدة، أشربه أحيانا وأرفض شربه أحيانا كثيرة.

الأمر كله يعتمد على إيماني بالقضية وثقتي في نفسي وفي الآخرين من حولي، وقبل هذا وذاك توفيق الله وسداده فالخيرة خفية، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المسدد من ربه إذا قام من الليل يصلي يقول: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل. فاطر السماوات والأرض. عالم الغيب والشهادة. أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» وأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه) هذا بالنسبة إلى خبرتي الشخصية.. والآن السؤال موجه لك أنت يا من تقرأ كلماتي..

إذا عرض عليك الكأس..هل تفضل أن تكون مجنونا مع الناس! أو تكون عاقلاً وحدك!!؟؟)

شكراً للقارئ الكريم الذي بعث بهذه الرسالة الجميلة، وأعتذر للاختصار الغير المخل في نظري، وكذا التصرف في النص حتى يتلاءم والصيغة المقالية، والشكر لكم أنتم قراء الجزيرة على تواصلكم ومتابعتكم وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
أغدق علي بكأس من نهر الجنون!!
عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة