Friday  22/07/2011/2011 Issue 14176

الجمعة 21 شعبان 1432  العدد  14176

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الريـاضيـة

 

المؤرِّخ الرياضي الكبير الدكتور أمين ساعاتي يكتب لـ«الجزيرة»
(ابن سعيد) وسبعين عاماً من تأسيس وبناء الأندية العريقة

رجوع

 

قبيل أيام قلائل اتصلت بالرياض - المدينة - وسألت كعادتي عن الصديق الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد، فقيل لي إنه ينام قرير العين في العناية المركزة، وطبعاً استفزني الخبر، ومكثت أفكر في كل شيء حتى غبت في مشاغلي الخاصة.

وحينما استيقظت صباح الأمس وكنت لا أزال أضع جسدي المكدود على المرتبة، لاحت في ذهني صورة أخي الصديق الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد، فرفعت حواجبي إلى أعلى وجالت عيناي في سماء الدنيا الرحيبة، وأخذت أدعو الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليه بالصحة والعافية، ويبقيه في قلوب محبيه وعارفيه - وهم ُكثْر ولله الحمد - ثم أكملت دعاء المحبة، ورجوت الله عز وجل بأن يكلأه بعين رعايته وعنايته ويلبسه ثوب الرحمة والعافية.

وحينما أكملت الدعاء استعرضت شريط هذا الأستاذ المربى الفاضل الذي خدم الرياضة في بلادنا خدمة جليلة وارفة الظلال.

ومن خلال مزاملتي للصديق العزيز، تأكد لي أن هناك علاقة ذهبية بين ابن سعيد ومدينته الفاضلة الرياض، فالمدن العريقة تخرج شباباً عباقرة يسهمون في بناء مرافقها وجواذبها، وعبقرية المكان جزء لا يتجزأ من عبقرية الإنسان.

وابن سعيد وُلد في مدينة الرياض في عام 1346هـ وشرب من لبنها ومائها وعاش بين رمالها ووهادها، وتدغدغ بحبها وحنانها، واستطاع أن يعطى هذه المدينة الباسلة صفة العراقة في الرياضة, هو مثل أعلى على نَضَارة ووجاهة الرياضي وسموه وشموخه، هو الذى قدم هذه الصورة الجميلة للرياضي، وألغى كل الصور السلبية التي كانت شائعة عن الرياضيين، كان ابن سعيد يؤمن بأن العمل الرياضي يقع في قلب التنمية الشاملة، هو جزء من شموخ هذا الوطن، ولم تكن الرياضة سقطة لا يعمل فيها إلاّ الدونيين، عبد الرحمن بن سعيد متواضع في مظهره غير مسرف في أناقته، بل غير مهتم بها أصلاً، ومع ذلك نراه دائماً في كامل أناقته وعظيم لياقته ولباقته، ليس هو بالطويل ولا بالقصير لكننا نراه عملاقاً في المجتمع، النظر في وجهه يبعث على الراحة، ومن عينيه ينطلق بريق المحبة والعطاء.

هذا الوجه السمح الواضح القسمات الذي يحتفظ بكنوز من الخبرات والتجارب.. وجه يغري بالصداقة.. حتى وإن كنت تراه لأول مرة فسيخالجك اليقين بأنك تعرفه منذ سنين وسنين.

عبد الرحمن بن سعيد مؤسس نادي الشباب ونادي الهلال، ومؤسس قوى للحركة الرياضية في الرياض، شيخ الرياضيين في المنطقة الوسطى.

هذا الرجل عظيم في كل شيء، عظيم في رؤيته وعظيم في رأيه وعظيم في مساهماته وعظيم في قناعاته وإقناعه..

رجل جمع في نفسه مميزات لا تجدها إلا في مجموعة رجال مميزين..

كنت يومياً ألتقيه في نادي الهلال وكنت أحياناً أحضر معه تمارين الهلال، وكنت غالباً أتناول معه طعام الإفطار في بيته بحارة الظهيرة البيت الشامخ القريب من مقر نادي الهلال.

كنت في تلك الأيام أمام رجل شامخ وأمام حارة شامخة وأمام شارع شامخ وأمام ناد شامخ هو الهلال.

وهذا يعني أنني كنت أتلمّس «الشموخ» في شخصية عبد الرحمن بن سعيد..

وهذه الصفة انسحبت على مخرجات عبد الرحمن بن سعيد فأسس نادياً شامخاً هو الزعيم، في وسط حارة شامخة هي الظهيرة، وفي شارع شامخ هو شارع الظهيرة.

إنها عملية التفاعل بين الجغرافيا والتاريخ، أو بين الزمان والمكان.

يومها سألت نفسي ما هي العلاقة بين هذا المؤسس وهذه المدينة المشعة، وهذا الشارع، وهذه الحارة وهذا النادي.

إن العلاقة يمكن اختصارها في عبارة واحدة هي « الشموخ «، فعبد الرحمن بن سعيد رجل يتصف بالشموخ فكان لابد أن تكون مخرجاته شامخة، ولذلك كي يبقى الهلال شامخاً يجب أن يولد في المكان الشامخ ويسكن الشارع الشامخ ويعيش في المدينة الشامخة..

وإذا كان المؤسس شامخاً والمكان شامخاً والشارع شامخاً والمدينة شامخة، فلابد أن ينعكس هذا الشموخ على الكيان، فكان هلال الشموخ زعيماً، وزعيماً يكتنز البطولات ويقف على منصات التتويج، ألم يقل أرسطو طاليس إن سكان الشمال أذكى من سكان الجنوب بفعل تأثير المكان!.

لقد ترددت على العاصمة الرياض كثيراً وأنا أكتب تاريخها الرياضي مرات عديدات، ولعبت مع نادي الشباب وكتبت بحثاً عن الفرسان الثلاثة (عبد الرحمن سعيد، محمد الصائغ، عبد الله بن أحمد)، ولم أعرف أنّ المقالة قد سكنت في قلوب الفرسان الثلاثة، حتى أصبحت لوحة خالدة يحفظها الثلاثة عن ظهر قلب.

وفي الرياض كنت أزور القيادات الرياضية في بيوتها وفي مقرات أنديتها وفي ملاعبها وأواجهها بكل ما لديّ من جديد وأطلب منها الاستزادة مما عندها من ذكريات ووقائع، كنت أسأل عن الشارع الذي يقع فيه النادي، ولماذا هذا الشارع بالذات، وأسأل عن الحي الذي كان يقع فيه النادي ولماذا هذا الحي، وكنت أقف في الشارع وأشم ترابه وأتحدث إلى ناسه وأتفحص حجارته وأعصر طينه وماءه وهبابه، أبحث عن رائحة التاريخ وليس عن التاريخ فحسب.

حينما سكنت العاصمة الرياض مبتعثاً إلى معهد الإدارة، كنت ألتقي يومياً الأخ الصديق عبد الرحمن بن سعيد والمرحوم عبد الله بن أحمد والصديق صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن سعود - رحمه الله -، والأستاذ عبد العزيز الغامدي والمرحوم محمد عبد الله الصائغ أحد مؤسسي النادي الأهلي الجداوي، وأحد مؤسسي الحركة الرياضية في الرياض، وأحد أصحاب ملعب الصائغ الشهير الذي سمي باسمه.

ومن خلال وجودي بجوار شيخ الرياضيين الرائد عبد الرحمن بن سعيد تعرفت على إنجازات وتجارب نادرة وجوهرية، ولولا وجودي في الرياض بجوار عبد الرحمن بن سعيد وزملائه، لما عرفت ما عرفت وتوصلت إلى ما توصلت وكتبت ما كتبت..

وأقول حقيقة إنّ عبد الرحمن بن سعيد كان يحب الرياضة ويعشق الرياض ويبذل من أجلها الغالي والنفيس، والرجل كان يصرف الأموال ويدفع الرواتب ويتحمل التكاليف لوحده وكان المال بالنسبة لبناء الأندية رخيصاً عند عبد الرحمن بن سعيد، يدفع ولا يسأل، يصرف ولا يتكلم، يبذل ولا يتحدث، يعطى ولا يكل، يُغدقُ ولا يشُحْ.

وعبد الرحمن بن سعيد لم يكن هلالياً فقط بل كان صاحب بصمات رياضية على كثير من أندية الرياض، ابتداءً من الشباب والهلال والنجمة والنصر، وغير ذلك من أندية الوسطى الغابرة والباقية.

كان يدعم كل الأندية ويبحث عن حركة رياضية شاملة، حتى أندية المنطقة الغربية استفادت من خبرات عبد الرحمن بن سعيد ومن أموال عبد الرحمن بن سعيد، وأخص بالذات النادي الأهلي الذي كان اسمه نادي الثغر وتولى عبد الرحمن بن سعيد رئاسة الثغر.

الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد أسس نادي الاتفاق بجدة وترأس القلعة الخضراء الأهلي بجدة، بل خدم نادي الوحدة وقدم له عدداً من نجوم الكرة آنذاك كالطيب حربي والشقيقين يوسف وعبد الوهاب مندبة وأعاد إسماعيل فلمبان إلى الوحدة، ولذلك عرضت عليه العضوية الشرفية في نادي الوحدة، أي أن عبد الرحمن بن سعيد كان عضو شرف في نادي الوحدة.

وقبل ذلك أسس نادي الشباب بالرياض وأسس نادي الهلال الزعيم وكان لاعباً فيهما، وشارك في دعم الكثير من أندية العاصمة الرياض، وأسهم في وضع أسس الحركة الرياضية في مدينة الرياض منذ التباشير الأولى.

وما زال يمارس حقوقه الرياضية من خلال نادي الهلال، ونستطيع أن نقول إن عمره في الساحات الرياضية قد تجاوز السبعين عاماً من عام 1362 هـ‍ حتى عام 1432ه‍ـ.

قبل عيد الحج اتصل بي الصديق الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد تليفونياً وجاء صوته متهدجاً ومثقلاً بالإعياء، وسألني عما إذا كان عبد الحميد مشخص مؤسساً لنادي الاتحاد أم لا؟

فقلت له لم يكن مؤسساً على الإطلاق، بل كان صديقاً لأحد المؤسسين وهو الأستاذ حمزة فتيحي، وكان مشخص مشغولاً بالشعر والأدب، وينظم شعراً عن الكرة كلما لاحت في ذهنه صور رياضية تستحق النظم..

فقال والفرحة تخالج صوته، هل أنت متأكد؟

فقلت له بنسبة 200%.

قال أنا دائماً أثق في كلامك وأرجع لك لأنك عشت مع هذه الشخصيات جنباً إلى جنب.

قلت له: ثقتك في لا تقل عن ثقتي فيك أمدّك الله بالصحة والعافية وطول العمر.

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد نشرت جريدة البلاد في عام 1421 هـ تصريحاً للشيح كامل أزهر أحد مؤسسي ورؤساء نادي الوحدة بمكة المكرمة جاء فيه: أنه لا يقر لقب شيخ الرياضيين للأستاذ عبد الرحمن بن سعيد، ويقول إن من يستحق هذا اللقب هو الأستاذ عبد الحميد مشخص، وليس الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد. وحينما قرأت هذا الخبر تذكّرت لماذا سألني أبو مساعد عن الأستاذ عبد الحميد مشخص!

وتذكّرني هذه القضية مع الفارق طبعاً بقضية مشابهة شهدتها ساحة الأدب العربي في الثلاثينيات، حينما اختلف شعراء العربية على من يستحق لقب «أمير الشعراء»، فالبعض قال بأن الشاعر العملاق أحمد شوقي يستحق لقب «أمير الشعراء» والبعض الآخر قال إن الشاعر الفصيح حافظ إبراهيم يستحق لقب «أمير الشعراء».

وعقد مؤتمر لأدباء العربية وشعرائها للاحتفال بمنح لقب «أمير الشعراء». وكانت مفاجأة المؤتمر أن حضر الشاعر المنافس حافظ إبراهيم أحد المرشحين للقب إلى المؤتمر وتقدم إلى منصة الخطابة قبل أن يبدأ أي خطيب قبله، وألقى قصيدته الشهيرة التي بايع فيها شوقي بإمارة الشعر، وجاء في مطلعها:

أمير القوافي قد أتيت مبايعاً

وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

وكم تمنيت على الأستاذ عبد الحميد مشخص أن يتقدم ويبايع ابن سعيد بلقب شيخ الرياضيين.

ولقب شيخ الرياضيين.. هو لقب تقديري يعبّر عن تقدير المجتمع الرياضي للشخصية، وليس هذا اللقب هو درجة علمية تصدر رسمياً من المؤسسات العلمية، وألقاب التقدير عند الشعوب المتحضرة مرغوبة ومحبوبة، ونحن أمة ورثنا من قادتنا تقدير الرجال الذين أسدوا لبلادهم خدمات كبيرة وجليلة.

ولكن إذا وقعت منافسة على الألقاب التقديرية بين شخصين أو أكثر، فإنّ الأرجح أن تكون هناك مبررات موضوعية لاختيار أحدهم.

طلبت من الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد أن يكتب سيرة حياته بخط يده فكتبها وأرسلها لي، ويسرني أن أنشرها ضمن هذه الدراسة.

إن قصة عبد الرحمن بن سعيد مع تاريخ كرة القدم، بدأت حينما كان واحداً من أهم الذين أسهموا في إدخال لعبة كرة القدم إلى المنطقة الوسطى وكان أحد الأعضاء في فريق الموظفين أول فريق نشأ في الرياض.. وكان يسافر بين الفينة والفينة إلى المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية.. ويمارس هذه اللعبة مع الفرق التي كانت منتشرة في مدينة جدة، ثم يعود إلى الرياض حاملاً الدعوة بإنشاء فريق الشباب، ولقد تعرّض ابن سعيد لكثير من الضغوط حتى يعدل عن تطلعاته بإنشاء الفرق الرياضية في العاصمة الرياض، إلا أن مواهبه كانت أقوى من الضغوط.. حتى تمكن من إنشاء نادي الشباب في عام 1367هـ (1947م) وكان معه حمزة جعلي ومحمد مكي وصالح ظفران وعبد الله أخضر. ولقد دار خلاف حول المؤسس الحقيقي لفريق الشباب بالرياض هل هو عبد الرحمن بن سعيد أم هو محمد مكي، ولكن المرجح أن ابن سعيد بما كان له من مال ونفوذ ولعب كان أقوى المساهمين في إنشاء الشباب، بيْد أنه في البداية كان يستبعد اسمه عن الأضواء حتى لا يكون مكان نقمة عائلته المتدينة، وأستطيع أن أؤكد أن ابن سعيد هو المؤسس الأول لنادي الشباب، وزكّى هذا الرأي عبد الحميد مشخص أمام الأستاذ حمزة فتيحي عند زيارتهما لي في بيتي بحي الروضة بمدينة جدة، ولقد استمرت مساهمات ابن سعيد في تأسيس الأندية ونشر الرياضة في المنطقة الوسطى إلى أبعد من تأسيس الشباب.. إلى استغلال الانقسام الذي نشب بين إدارة الشباب في عام 1377هـ (1957م) فأسس من الشباب فريق «الأوليمبي» الذي تغير اسمه بأمر من الملك سعود - رحمه الله - إلى الهلال.. وهو الآن الزعيم.. الزعيم النادي الأكبر الذي حصد بطولات متعددة محلية وخليجية وعربية وقارية حتى أصبح نادياً بعيداً عن دوائر المقارنة.

.....(يتبع الأسبوع القادم)

* مؤرّخ رياضي

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة