Sunday  24/07/2011/2011 Issue 14178

الأحد 23 شعبان 1432  العدد  14178

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

من أمتع القصص التي يمكن قراءتها هي قصص الشجاعة في تاريخ المسلمين، وهي خصلة كريمة حثّ عليها الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثٍ صحيح «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير»، ولنا اليوم وقفتان مع اثنين من شجعان العرب، أولهما هو عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وهو فارس من فرسان الجاهلية، وله مواقف مذكورة ومواطن مشهورة، وأسلم ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام وشهد حروب الفرس، وكان له فيها أفعال عظيمة وأحوال جسيمة، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رآه قال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمراً. يُنقل عنه أنه نزل يوم القادسية على النهر فقال لأصحابه إنني عابر على هذا الجسر قال فإن أسرعتم مقدار جزر الجزور (أي وقت الذي يستغرقه ذبح ناقة)، وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل به تلقاء وجهي، وقد عرفني القوم أنا قائم بينهم، وإن بطأتم وجدتموني قتيلاً بينهم. ثم انغمس فحمل على القوم، فقال بعضهم لبعض: يا بني زبيد علام تدعون صاحبكم؟ والله ما نظن أنكم تدركونه حياً! فحلوه فانتبهوا إليه وقد أسقِط عن فرسه وقد أخذ برِجل فَرَس رجل من العجم فأمسكها، والفارس يضرب فرسه فلم تقدر أن تتحرك (و عمرو شيخٌ كبير في السن)، فلما رآنا أدركناه رمى المجوسي نفسه وخلى فرسه، فركبه عمرو وقال: أنا أبو ثور، كدتم والله تفقدونني. فقالوا: أين فرسك؟ فقال: رُمى بسهم فثار وهرب وصرعني. وقُتل عمرو بنهاوند في وقعة الفرس بعد أن عمّر حتى ضعف، رضي الله عنه وأرضاه.

وأما الثاني فهو جحدر بن ربيعة العكلي، وكان بطلاً شجاعاً فاتكاً مغيراً شاعراً، قهر أهل اليمامة وأبادهم، فبلغ ذلك الحجاج بن يوسف، فكتب إلى عامله (واليه) يوبِّخه بتغلُّب جحدر عليه، ويأمر بالتجرّد له حتى يقتله أو يحمله إليه أسيراً، فوجّه العامل إليه بعض الفتية وجعل لهم جعلاً عظيماً إنْ هم قتلوا جحدراً أو أتوا به أسيراً، فتوجّه الفتية في طلبه حتى إذا كانوا قريباً منه أرسلوا يقولون له إنهم يريدون الارتفاق به، فوثق بذلك منهم، فبينما هو معهم يوماً إذ وثبوا عليه فشدّوه وثاقاً وقدموا به على العامل فوجّه به إلى الحجاج معهم، فلما قدموا به عليه ومثل بين يديه قال له: أنت جحدر؟ قال: نعم أصلح الله الأمير. قال: ما جرّأك على ما بلغني عنك؟ قال: أصلح الله الأمير، كَلَب الزمان وجفوة السلطان وجرأة الجنان. قال: وما بلغ من أمرك؟ قال: لو ابتلاني الأمير وجعلني مع الفرسان لرأى مني ما يعجبه. قال فتعجّب الحجاج من ثبات عقله ومنطقه، ثم قال: يا جحدر إني قاذف بك في حاجر فيه أسد عظيم فإنْ قتلك كفانا مؤنتك (أي شأنك)، وإنْ قتلته عفونا عنك. قال: أصلح الله الأمير قرب الفرج إن شاء الله تعالى. فأمر به فصفدوه بالحديد ثم كتب إلى عامله أن يجد له أسداً، فتحيل العامل حتى وجد له أسداً كاسراً فأرسله، فلما قدموا به على الحجاج أمر به فألقي في الحاجر (مكان مغلق) ولم يطعم شيئاً ثلاثة أيام حتى جاع، ثم أمر بجحدر أن ينزلوه إليه فأعطوه سيفاً وأنزلوه إليه مقيّداً وأشرف الحجاج والناس حوله ينظرون إلى الأسد ما هو صانع بجحدر، فلما نظر الأسد إلى جحدر نهض وزأر زئيراً دويت منه الجبال وارتاعت منه أهل الأرض، فأقبل عليه عليه جحدر وهو ينشد:

ليث وليث في مجال ضنك

كلاهما ذو قوة وسفكِ

وصولة وبطشة وفتك

إن يكشف الله قناع الشكِ

فأنت لي في قبضتي وملكي

ثم دنا منه وضربه بسيفه ففلق رأسه، فكبّر الناس وأعجب الحجاج ذلك، وقال: لله درّك ما أنجبك! ثم أمر به فأُخرج من الحاجر وفك عنه قيوده، وقال له: اختر، إما أن تقيم معنا فنكرمك ونقرب من منزلتك، وإما أن نأذن لك فتلحق ببلادك وأهلك، على أن تضمن لنا أن لا تحدث بها حدثاً ولا تؤذي بها أحداً. قال: بل اختار صحبتك أيها الأمير. فجعله من سماره وخواصه، ثم لم يلبث أن ولاّه على اليمامة.

 

الحديقة
من مكارم العرب: الشجاعة
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة