Tuesday  26/07/2011/2011 Issue 14180

الثلاثاء 25 شعبان 1432  العدد  14180

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

** لن تكون (العولمةُ) أكثرَ من شعورٍ إنسانيٍّ يَصل ولا يَفصل، ويرتُق ولا يمزق، ويجمع دون أن يَقْسم أو يضرب.. كما لن يكون الإسلامُ غير دينٍ إنسانيٍّ شاملٍ أراد الله به هدايةَ البشر كافَّة، والفرق بين المفهومَيْن: اتِّكاءُ العولميين على القوَّة، وتطويرُها من التعامل الأُفقي إلى السلطويَّة الرأسيَّة؛ ليبقى الإسلامُ نداءً إلهياً يرعى الاتِّزان، ويحقِّق التوازن، وينطلق من المساواة وينتهي إليها)) [إبراهيم التركي](1).

*** أخي الدكتور إبراهيم حرسه الله: ليس هكذا نفهم العولمة؛ لأن الواقع فكرةً وممارسةً يأبى هذا الفهم.. وليس هكذا تكون المقارنة بين المتباينين بهذا التقريب؛ فالبون بين الإسلام والعولمة هو البون بين النقيضين، وبين المُحالَين كالتقاء طرفي الخط المستقيم مع بقاء هُوِيَّة الاستقامة.

أخي الدكتور إبراهيم حرسه الله- وههنا يبدأ عَرْكُ الأذن من شُويخٍ ضعيفِ الأنامل -: إن العولمة في كلِّ طروحاتها محالة؛ لأن لله سبحانه وتعالى حتميَّةً في خلقه من جهة الفوارق في هيئة الوجود، ومن جهة الاختلاف ديانةً وتشريعاً وضعياً؛ فلو شاء الله لجعل الناس أمَّةً واحدةً.. ثم إن دعاوى وشُبَه العولمة لم تنشأْ عن حاجات الأمم والدول؛ لإحكام العناصر المشتركة بين الأمم في التعامل الخارجي، ولكنها نشأت ممارسةً إكراهاً للأمم الضعيفة، ونشأت فكراً مِن ميتافيزيقا دينٍ وضعيٍّ.. نعم إن العالم اليوم أصبح أسرةً واحدةً بتدبير ربنا بقضائه الكونيِّ الذي وُجد به علمٌ مادِّيٌّ جبَّار حصلت عنه عوامل الاتصال بين القارات الشاسعة سيراً ومُحادثةً، وهذا يحتاج إلى إحكام وشائج مشتركة عادلة يكون بها التعامل بين الدول والأمم من غير إكراهٍ لأيِّ أمَّةٍ على التنازل عن خصوصيَّتها مما لا يؤثِّر في التعامل المشترك، وما كان من سوءٍ في خصوصيَّة أيِّ أمَّةٍ فدواؤه الجانب الدعويُّ السلميُّ اللحوح بمنطقِ دينٍ صحيحٍ وعقلٍ تجريبيٍّ.. ومنذ الحربين الكونيَّتين، واقتسام الهيمنة على المعمورة من قِبل الأمم المتنفِّذة: بدأ بالتدريج تنظيمُ العلاقات الخارجية، وأُنْشئ مجلسُ الأمم ومحكمة العدل.. وكل هذا قبل وجود العولمة وطروحها -جمع طرح (2) -، وهي في الأصل تحرٍّ للعدالة والإرضاء في علاقات الدول القويَّة، والدول الدون في العدة ترضى بمبادئ العلاقات الدولية الوضعية لو مُورست كما هي على الورق، ولكنَّ الدول الدون غنيمةٌ للعلاقات الدولية وليست شريكة.. وقبل الحديث عن العولمة فكرةً وممارسةً أرجع لأحكام أخي الدكتور التركي: العولمة (شعور إنساني)!!.. يصل ولا يفصل، ويرتق ولا يمزق [الأَوْلى ولا يفتق].. إلخ.. ثم الخاتمة اتِّكاءُ العولمة على القوة!!.

قال أبو عبدالرحمن: الشعور الإنساني هو القوة في نفسه، وهو قوة تلقائيَّة لن يوجد معها ألبتَّة قوَّةٌ إكراهيَّة؛ فهل كان العالم اليوم مستسلماً للعولمة حتى يكون شعوراً إنسانياً؟!.. كلَّا.. إن من الدول القوية التي هي شريكة في مبادئ العلاقات الدولية لا غنيمة لها كدولة فرنسا وريثة الطموح الديقولي وَقَفَتْ بحزمٍ وعنفٍ ضِدَّ العولمة، والمستضعفون ما بين من يُدافع التيار بالحكمة ودبلوماسية التنازل اليسير والاستعطاف للقلوب بالحوار الهادئ.. وما بين مَن فقد مبادئ دينه وغاب عنه خِيار العقل؛ فقابل إكراهَ القوَّة الغاشمة ذات التقنية المحكمة بعمليَّاتٍ انتحاريَّةٍ وبعدَّةٍ بدائيَّةٍ، وفي منطقه غير الواعي أنَّ موت الكفاح خيرٌ من الاستسلام، وفي منطقه الواعي [بدون (غير) قبلها] أن هذه العمليات الانتحاريَّة احتجاجٌ صبيانيٌّ تُؤجِّج القوَّة الغاشمة ولا تدفعها.

وأعود للدكتور إبراهيم حول المعادلة بين العولمة والإسلام الذي أفرده بخصائص الاتِّزان والتوازن والمساواة، ومع رفضي مبدأ المعادلة؛ لتخلُّف التكافؤ: فإنني مشيرٌ إلى أن الإسلام خاتمة الأديان الصحيحة؛ فهو مصدر العدل، وفي دين أهل الكتاب أثارة، ولو أخذوا بالعناصر الثابتة بشهادة الإسلام نفسه لكانت القوة المتنفِّذة على وجه الأرض أحرى بما يُقرِّبها من رحمة الرب جل جلاله، ويدفع عنها عقوبات الكفر الغاشم والإباحية المنتنة.. ثم إن الاتزان يعني اعتدال التصرُّف الفردي، والتوازن يعني تكافؤ الحقوق والعطاء بين الأفراد (وهذا هو العدل الذي يُقيِّد مُطْلَق المساواة).. ويعني التوازنُ أيضاً المعادلةَ بين ما يُسْتَجْلب وما يُسْتَدْفع من المنافع والمضارِّ والمصالح والمفاسد فيما يعتري الأمة من إكراهٍ من الخارج لا تملكه ومن خيارٍ في أنفسها تملكه.. ويعني التوازنُ في الإسلام ما دام الحديث عن الإسلام نفسه حقوقَ المواطنة، وحقوقَ الذِّمَّة، وحقوقَ مَن أبقاه الإسلام على دينه بعد أن تبيَّن له رسالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم، وفي سورتَي النجم والأعلى أثارةٌ من صحف إبراهيم وموسى.. وكل هذه الموازنة بعد ضمان حرية تلقِّي الدعوة إلى الدين بلا إكراه، وبعد أن يكون كل اتِّزان وتوازن في ظل إمضاء حقِّ الله في حكمه للبشرية.. بيد أن مبادئَ العلاقات الدولية، ثم طروحَ العولمة الميتفافيزيقية فكرةً السالبةَ الناهيةَ ممارسةً تأبى أن يكون للدين الصحيح مجالٌ في التوازن والاتِّزان والمساواة بقيد العدالة.

* قال أبو عبدالرحمن: نشأت العولمةُ فكرةً في مصادر ضنينة قبل النفوذ الصهيوني العالمي، ومهَّد لذلك قيام البروتستانتية التي هي تحوير يهودي للمأثور المسيحي في الكاثوليكية والأرثوكسية، وهذه الفكرة في مثل كتب جورج بوش الجد وبعض معاصريه وبعض مَن هم قُبيل زمنه بعقود، وكانت واقعاً وَرَقيًّا لا عمليًّا لدى زعماء العالمين الغربيَّين الأوائل.. وقُبيل سقوط الماركسية بعقودٍ بدأت تظهر فكرة العولمة بفيوضٍ من الكتب والمقالات، وبدأت تظهر الفكرة عقيدةً وممارسةً لدى الزعماء، وأشدهم حماساً (ريغان)، وقد أسلفتُ كثيراً أن وَجْهَيْ كلِّ سياسةٍ خارجيَّةٍ هما المبادئ الأيديولوجية والأطماع النفعية.. والمبادئ الأيديولوجية عُرْفاً سياسياً تعني الدين عند ذوي الأديان، والدساتير الوضعية عند أمثال الماركسيين والبعثيين، وهكذا من جعلوا الوطنية أو القومية عقيدةً مع الحرية في السلوك إباحيَّةً والحرية في الـمُعْتَقَد كفراً (مع أن المسلمين ينالهم التضييق وخنق الحرية)؛ فكانت العولمة بأصلها الذي سيأتي بيانه إن شاء الله هي المعتقد الأيديولوجي للعالَـمَيْن الغربيَّيْن مع حرية السلوك الذي تَحُدُّ منه أديانُهم؛ وبهذا استبيحت العَلْمانيَّة ديناً وضعياً، واجتهد المضلِّلون في طمس محاربتها للأديان مفهوماً وممارسةً .. وأما أصل فكرة العولمة فهي وشائج في الأديان الثلاثة، ولا يصح منها إلا الدين الناسخ المهيمن المتميِّز بأمتن طرق التوثيق التاريخي، والبراهين الدائمة إلى يوم القيامة، ولم تقف عند البراهين الحسية في عهد مُبَلِّغ الرسالة عبدالله ورسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم .. ومن هذه الوشائج أنه يعم الفساد في الأرض، ويكثر القتل، وتكثر الأوبئة والعلل والكوارث الكونية كالخسوف والزلازل، ويُنْقِذُ الله البشريةَ بنزول عيسى بن مريم عليه السلام.. هذا مجمع عليه بين ذوي الأديان، وتميَّز الإسلام بالخبر عن فتوح وقع أولها وهو فتح القسطنطينية، وبعضها سيقع ولا بدَّ مصداقاً لما صحَّ به الخبر الشرعي، وتميُّز الإسلام بالخبر عن الغُرْبة وضمان بقاء طائفةٍ على الحق منصورة، وهذا مشاهد اليوم بدفع الله الناس بعضهم ببعض.. وتميَّز الإسلام بالخبر عن خلافةٍ راشدة تسبق نزول عيسى عليه السلام، وتميَّز بالخبر عن كونه حاكماً بشرع أخيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو من علامات قيام الساعة، وتلك العلامات الكبرى متسارعة؛ فبَطلَ أن يكون حكمُه ألفَعام كما زعم الدين الصهيوني الوضعي.. وتميَّز بالخبر عن مسيحٍ أعور كذاب -وهو المسيخ الدجَّال بالخاء المعجمة -ينضم تحت لوائه يهود وأعاجم، وأن عيسى بن مريم عليه السلام يقتله، وأن كل واحدٍ من أهل الكتاب سيؤمن بعيسى عليه السلام قبل موته، [أي موت عيسى؛ لأن الخبر عنه]، وذلك عند غَرْغَرةِ كل كتابي؛ لأن الخبر بالإيمان عام كل كتابي وإن كان كافراً بعيسى؛ لأن موت عيسى عليه السلام عند انقضاء أجله بعد نزوله.. وليس كل كتابي سيدرك عيسى عليه السلام؛ فضمير (موته) عائد إلى الكتابي، وأما من أدرك عيسى عليه السلام فسيؤمن به بنصوص ديننا من انضوى تحت رايته؛ لأن الملحمة على يهود عند نزول عيسى، ولأنه عليه السلام سيغيِّر كل ما طرأ على شريعته كقتل الخنزير.. وليس في ديننا أنه سيقيم دولةً عالميَّةً كما زعم الدين الصهيوني الوضعي؛ لأن شرار الخلق الذين ستقوم عليهم الساعة هم بُعَيْده، ولأنه سيهيض عليه يأجوج ومأجوج -وهو خبر في كل دين -؛ فيحتمي عنهم حتى يأخذهم الله بالنَّغف؛ فبلادهم إذن ليست تحت هيمنته وموطنه عليه السلام عند نزوله بلاد الشام؛ فيلتحم معه المؤمنون من الشام المباركة ومن الحجاز وممن قَرُبَ من البلدان، ولم يرد أنه يطوف أرجاء المعمورة ويقيم دولةً عالميَّةً ألف عام؛ فلما قامت البروتستانتية بريادة يهوديين للتقرُّب إلى النصارى، وَمَسْحِ العداء الشديد لهم من جرَّاء ما يعلمه النصارى وما جرَّبوه من عدائهم وعدوانهم منذ بعث الله عيسى عليه السلام، وحوَّروا دينهم تأويلاً إذْ لم يسعهم التحريف، وضلَّلوا بجعل العهد القديم هو المصدر للديانتين، وجعلوا العهد الجديد مصدراً يُستأنس به وَيَقْبَلُ التأويلَ، واحتجُّوا بأن عيسى عليه السلام بُعِثَ بالتسامح والأخلاق، ولم يأت بشرعٍ جديد، ولا بعقيدةٍ غير معروفة عند يهود.. وكذبوا وافتروا في بعض ذلك، وحملوا بعض ذلك على غير وجهه؛ فعيسى عليه السلام جاء مُصَدِّقاً بالتوراة كما أنزلها الله، نافياً عنها ما ابتدعوه من الكفر تشبيهاً وتنقُّصاً -ولكنهم أدخلوا وثنيَّتهم في الدين الجديد، وقيَّض الله الحواريين رضي الله عنهم لحفظه على النقاء إلى ما شاء الله من أَجَل -، وجاء عليه السلام بشرعٍ جديدٍ أظهر به إباحةَ الله بعضَ ما حُرِّم على يهودٍ جزاءً لهم على بغيهم وكفرهم.. ثم ردَّ اليهود معتقَدَ أهل الكتابين إلى رؤيا حزقيال وغيره في العهد القديم؛ وذلك حول أخبار آخر الزمان.. وشريعته عله السلام شريعة التسامح لا بمعنى فهم المغضوب عليه ولا الضالين: (أنه يتسامح فيما حَرَّمه الله)، بل معنى ذلك بالنسبة لشريعة مَن قبله؛ إذْ وضع الله به الأغلال والآصار التي كانت على يهود، كما أنه عليه السلام من ذوي العزم من الرسل في صبره على قومه، ولم يجعل الله له من الدولة ما يأذن له بالجهاد، بل قيَّض الله له الحواريين ناصروه بإبلاغ رسالته، ولم يستطيعوا دفع عدوان يهود عليه، بل تولَّى الله حفظَه بأن رفعه الله إليه.. ومن هذه الأوشاج التي أسلفتها وهي أثارةٌ من دينٍ صحيحٍ أعملت يهودُ حيلَ التضليل لأهل الكتاب الآخرين؛ فمن رؤيا حزقيال مثلاً -وفيه ما هو كذبٌ على الله محضٌ، وفيه ما هو قابل لتأويلاتٍ أرجح إن سلم من الوضع-: أخفوا خبر المسيح الدجال الذي أخبر عنه كلُّ رسولٍ قومَه، وأبرزوا مجيئ عيسى بن مريم عليه السلام، ولم يذكروا نزوله، ولم يذكروا أنه عيسى عليه السلام، وإنما هو ملك يحكم بدين عيسى ألف عام، ويكون العالم كله دولةً واحدةً، ويُقتل ثُلثا العالم ويبقى ثلثه في سفح جبل هرمجدون بفلسطين.. ومن أخبار فساد الناس آخر الزمان قبل نزول المسيح الذي هو الملك الداوودي في زعمهم: افتروا على الله ما يتقدَّس عنه سبحانه وتعالى من الأمر بالفساد في الأرض، بأن يسعوا في إفساد الناس بصدِّهم عن الدين وإغراقهم في الإباحية؛ لأن ذلك شرط ملكهم الداوودي.. والله سبحانه قضى بنزول عيسى بن مريم قبل عموم الفساد، وإنما يكون الفساد بعده، والله سبحانه يُجري قدره الكوني على ما اختاره المكلفون من الفساد وفق ما منحهم من قدرةٍ على الفعل والترك، ووفق ما منحهم من حرية الاختيار؛ وبهذا المبدإ الشيطانيِّ الْتَقَى أهل الكتابَيْن على أن إبعاد الناس عن الدين، وإتاحة حريَّة الإباحية: إرادةٌ شرعيَّة من ربنا من أجل تحقيق ظهور الفساد حتى تظهر الدولة العالمية الراشدة ألف عام، وأظهرت يهود لأهل الكتاب الآخرين أن ذلك دولة عيسى بن مريم عليه السلام، ومضغوا بألسنتهم في أدبيَّاتهم أن ذلك إنما هو الملك المنتظر اليهودي؛ فَتَعْلُو يهود على أنَّات العوالم، ويكون من سوى يهود (جوييم)، ولم يأخذ أهل الكتابين حساباً للوثنيين ومن لا دين له والفِرَق الضالَّة؛ لأن هؤلاء مُحقِّقون الفساد المطلوبَ الإسراعَ به، والْتَحَمَ الوئامُ بين (العَلْمانية) ومجمل (الديمقراطية)؛ فلا ديقمراطية إلا بعلمنة الدولة وفصلها عن الدين، وتكون الديمقرطية اختيارَ سلوكٍُرٍّ في ممارسة الحياة العامَّة تديُّناً أو إلحاداً أو إباحيَّة، ومع هذا يكون الضغط على المتديِّن إن تجاوز ممارسته الفردية بينما للإلحاد والإباحية دُعاةٌ لا حَجْرَ عليهم؛ وبهذا المُعْتَقَدِ الميتافيزيقي التضليلي كان التديُّنُ سلوكاً ليس له أدنى وازعٍ من دعوةٍ وترغيبٍ وترهيبٍ ووازعٍ سلطانيٍّ، بل هو سلوكٌ فرديٌّ حرٌّ، وأما السعي لما ظنَّه المُضَلَّل به محققاً مشيئة الرب سبحانه لظهور الفساد لتظهر الدولة العالمية الواحدة: فذلك أمرٌ جبريٌّ إكراهيٌّ يُسْتَغَلُّ له القوَّة المتغطرسة الطاغية التي أذن الله بقدره الكونيِّ أن تكون في يدِ من لا يرعون العدل والإحسان والرحمة، ولا تقوم الأمور إلا بالعدل كما قال تعالى: {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (سورة الرحمن/7-9)، وحريق العرب اليوم في ربيع أهل الكتابين من أعظم الظلم، وإبادةُ الشعب الفلسطيني وتشريده وهدم منازله واغتصابها ظلم ما عرفت البشرية مثله قط، وموت الضمير العالمي أمام هذا الظلم شاهدٌ على هيمنة الحلم الميتافيزقي الحزقيالي، وهو حلمٌ لا تُقِرُّه العقول الجبَّارة التي فجَّرت الذرة ونهبت المسافات بين أجزاء المعمورة بإذن الله وقدره، ولكن التضليل المحكم يغلب العقول إذا اسْتُفْرِغَتْ من هدايةٍ ربَّانيَّة.. ألا ترى أن هذا الحُلْم يقضي بمعركةٍ فاصلةٍ تكون آخر المعارك بين البشر، وتكون في سفح جبلٍ صغيرٍ جداً في قطرٍ صغير، ثم يَفْنَى على هذا السفح ثلثا البشر ويبقى الثلث؛ فأيُّ عقلٍ يقدر على تصوُّر هذا؟.. إن أخبار الدين الصحيح الذي هو آخر الأديان جاءت بما هو رحمة للمسلمين وبهجة للنصارى وذل لليهود الذين بَغَوا وعتوا واستباحوا كل ما يُغضب الله، والله أخبر في القرآن نصاً عن إفسادهم وعلوِّهم مرتين، وهذا وقع، وجاءت نصوص الشرع مُصَدِّقة لما في القرآن الكريم من إشارةٍ ثالثةٍ هي {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}[سورة الإسراء/8]، وقوله تعالى: {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ}[سورة آل عمران/112]، وسبق ذلك غضب الله عليهم بالشتات، فعيسى عليه السلام ينزل رحمةً للعالمين بعد خلافةٍ راشدة، ويحكم بشرع أخيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ويقتل الدجال وأعوانه من اليهود والفرس، ويحميه الله بإهلاك يأجوج ومأجوج.. ثم كيف لا يحكم عيسى بشرع أخيهحمد عليهما الصلاة والسلام وهو مُبَشِّرٌ به، وقد وُجِدَتْ هذه البشارةُ به في العهد القديم والعهد الجديد في النسخ الموجودة الآن، وبالرجوع لأصولها الخطيَّة وُجِد قليل من التحريف وكثير من التأويل؛ لأنها ذكرت محمداً باسمه وبلده وقومه كما بيَّنتُ ذلك في بحوثي عن الكفر والإباحية وعقوبات العدمية.

** أخي الدكتور إبراهيم فيما يتعلق بثقافة العصر ومُتغيِّراته فأنا تلميذٌ أمين لكم ولدكاترة العصر؛ فأنتم كلكم أطول باعاً، وأكثر متابعة، وما كانت متابعتي الطارئة إلا لظرفٍ زمنيٍّ مأساويٍّ؛ فأنتم كلكم أيضاً حفظكم الله جميعاً أقدر على استيعاب الإنباء والنبوءة والأدبيات التي تُحلِّل الوقائع، وستجدون ما لا يحصيه العدُّ عن نهاية التاريخ التي تبدأ بالدولة العالمية الواحدة، وستجدون ما لا يحصيه العدُّ عن صراعِ المتنفِّذين ضد المسلمين ودينهم تحت غطاء (صراع الحضارات) ولا صراع مثلاً مع حضارة الصين والهند، وستجدون ما لا يحصيه العدُّ بما هو مبيَّت للمسلمين من ظلمٍ بشريٍّ بعناوين مختلفة مثل إعادة البناء، وأمل القرن العشرين الكبير، وصدمة المستقبل (المتغيرات في عالم الغد)، والعالم الثالث غداً، وعالم محفوف بالمخاطر، والاستعداد للقرن الحادي والعشرين.. وهكذا المتغيِّرات الكوارثية فهي حقٌّ وَفْق ما جاء به الشرع عن أنواع الكوارث آخر الزمان، وحق وَفْق ما أنذر الله به من عقوبات، واحتمالٌ من جهة التعيين في نبوآت ذوي العلم المادي؛ لأنني أسلفت كثيراً أن الموانع المفاجئة والمُقتضِيات الأقوى المفاجئة ليست في علم البشر إلا بعد وقوعها.. ومعظم هذه النبوآت الكوارثية تنحاز من الجانب العلمي إلى الجانب السياسي؛ لتكون هي القوةَ الغاشمةَ المُسوِّغةَ مقولةَ: (البقاء للأصلح، والبقاء للأقوى).. كما أنها تنحاز من الجانب العلمي إلى الكهانة والتغافل عن تصرُّف الله الحكيم في هذه الأرض التي دحاها وقدَّر أقواتها، ومن تلك الكتب هل العالم الثالث في طريقٍ مسدود ، والعالم بعد مئتي عام، وأبعد من ذلك الخمسمئة عام القادمة (الحياة في الألفية القادمة).. وكل هذه الخطابات تصبُّ في مستنقع آخر معركةٍ فاصلةٍ يعيش فيها ثلث البشر فقط.. وأما خطابات ما بعد 11 سبتمبر 2001م فهي التحرك السريع لحرب الإسلام وأهله ودياره، و(الربيع العربي) بدايته.. وصاحبَ هذه الخطاباتِ فيوضٌ دعويَّةٌ تضليليَّة تكون ظِلاً للدولة العالمية؛ وذلك هو كتب العولمة بكل فروعها اقتصاداً، وسياسةً، وثقافةً.. إلخ.. وصاحبَ ذلك أيضاً الجانبُ الدعويُّ التضليليُّ الإكراهيُّ، وهو مجمل الديمقراطية؛ فالقرار الاقتصاديُّ والسياسيُّ والعسكريُّ والثقافيُّ ومقدار الخِيار الديني بيد الدولة المتنفِّذة المُشْرَبة بهمِّ المعركة الفاصلة: يُغوون المستضعفين ببريق الحرية، ويسلبون منهم خصصياتهم القومية والوطنية والدينية بالجبر على مجمل الديمقراطية إن لم ينقادوا لبريقها.

*** العوام ذوو الفطرة يسلِّمون أمرهم لربهم في الحريق العربي بقولهم (الشكوى للي يقوى)، ومأخذهم في ذلك أن الله هو القوي المتين سبحانه وتعالى، ولو قالوا: (الشكوى للقوي أهل التقوى وأهل المغفرة) لكان أسلم.

* إخواني وأحبابي يا من تبتهجون بالربيع العربي وليس أمامكم إلا الحريق والاستهزاء بأمتكم.. يا من تعشقون الربيع العربي: إن الربيع ليس لكم؛ وإنما هو لأهل الفواتير، وتسويقِ وتجريب الأسلحة، وإحكامِ الحصار لطموحاتكم.. يا أحبابي لستُ أخاطبكم من برجٍ عالٍ زاعماً أن الحقيقة منِّي وإليَّ.. كلا؛ فأنتم أهل الثقافة والفكر والمتابعة الجادة التي يعجز عنها نشاطي.. إنني أدعوكم لأستفيد وتستفيد أمتكم منكم، ولا وصاية لأحدٍ على أحدٍ إلا بما أوجبه الله من تواصي المؤمنين فيما بينهم؛ فهم أولياء بعض، رحماءُ بينهم.. ولا وصاية لأحدٍ على أحدٍ إلا بحضور العقول والمواهب على علوم المُتغيِّرات التاريخية في منطقتنا؛ فما أوجبته ضرورات العقول وضرورات العلم فهو الوصيُّ على غفلتنا وطِيبتنا وما يَغْبننا من غياب بعضِ شواهدِ العلم عنَّا؛ بسبب كَسَلِنا في المتابعة، وتبلُّدِ أذهاننا في الفهم؛ وبهذا كله أكون شريككم بجهدي المتواضع في الوصاية التي هي أمانة القلم؛ إذن أيها الأحباب اقرؤوا واقرؤوا ولا تملُّوا ما أبرمه لكم المتنفِّذون منذ سقوط الماركسية.. لستم بحاجةٍ إلى أن أُعَدِّدَ لكم ما تغصُّ به المكتبة من الكتب المعرَّبة بأقلام المتنفِّذين أنفسهم، وبأقلام خبرائهم وسدنتهم، وبالدراسات العربية من ذوي الوعي، وبالدراسات الأجنبية من محايدين.. وستعلمون بدون مُعلِّم أن المخطِّطين لما بعد سقوط الماركسية أعداءُ دينكم بتصريحهم بأن المواجهة اليوم مع الإسلام، وهم أعداء بمنطق ميتافيزيقي ديني مُبَدَّل عن مشيئة للرب سبحانه ستتحقَّق بدولةٍ واحدةٍ ألفَ عامٍ بعد قتلٍ وتخريبٍ وتضليلٍ وفسادٍ كبيرٍ يزعمون أن الله رضيه وسيلةً لغايتهم.. وهم أعداءٌ بمنطق أيديولوجيٍّ تضليليٍّ بموجِبِه فُرِضَ القانون الوضعيُّ إكراهاً بمجازرَ مُروِّعةٍ، وهو قانون يسوده مجمل الديمقراطية الذي يُنَحِّي الدين ويُشرِّع للإباحية وما يفضي إلى العدمية، ويفرض علمانية الدولة.

** سمعتُ وقرأتُ في هذا الحريق العربي مفاجآتِ أبحاثٍ إحصائيَّةٍ من مراكزَ علمية، وتصريحاتٍ ذات تداعياتٍ الله أعلم بمآلها، ومباركاتٍ للعربي المهزوم بجوانب رخوة هي إلى الاستهزاء أقرب؛ فمن الإحصاءات أن العالم الإسلامي سيصبح في أقل من عقد 27% من العالم، وهذا الإحصاء -لو سُلِّمتْ دقَّته -يشمل مَن يدَّعي الانتماء للإسلام وهو حربٌ عليه موالٍ لكل عدوٍّ له من الطائفيين والباطنيين والفرق الحديثة الصنع كالبهائية، ويشمل قطيعاً غمرتهم الخرافة والتدروش وعبادة القبور متناسين فاعلية التبشير التي غمرتهم، وتشمل شرائح مستسلمة للجهل والمرض وانعدام العدة، ومجملهم كما قال رسول الله: (غثاء كغثاء السيل).. وإنما المهم هو معرفة الغرض من هذا الإحصاء في عمق الحريق العربي بديار المسلمين، وأظهر ما في هذه المعرفة التسلُّح من قِبلهم لخطرٍ مفتعل، وهو تزايد عدد المسلمين الذين جُعلوا مِشْجَباً للإرهاب، ومهما كثر العدد السكاني لهذا العالم فهو عبءٌ على الإسلام لا قوة له ما دام على الصفة التي أسلفتها.. وأما المباركات الفضولية فهي معارض الإلهام في التراث العربي كأطعمة الشرق الأوسطي في بريطانيا مثل اللحم والسلطة والزيتون والليمون والثوم والزعتر، ومعارض الفن التشكيلي؛ فيرى السائح (غزة) يتنفَّس العربي من هوائها، ويَخْتَزِنُ شجاعة وصبر الغزي.. كأن غزة بالنسبة للعربي اليوم أثر بعد عين!!.. وكل هذه وأمثالها ثقافةٌ عربيَّةٌ إسلاميَّة، وما الطعام في ديننا إلا لقيمات يُقمن الصلب.

*** أمريكا تقسو على كيسنجر؛ فاقرؤوا هذه العبارة له، وفسروها بما شئتم:((أما أنا فقد كنت أعدُّ نفسي لرحلةٍ إلى الشرق الأوسط، وغايتُها البرهنة ليس فقط على دبلوماسيَّتنا، بل على قدرتنا وتمكُّننا من تجاوز ضغوط خصومنا في بلادنا.. وأمريكا التي أصبحت الآن عاملاً حاسماً في المعركة في سبيل سلام الشرق الأوسط هل تستطيع التحرُّر من قسوتها، وإضفاء شكلٍ جديدٍ على تنظيماتٍ قديمةٍ مضى عليها أكثر من ربع قرن؟!)) (3).

* وهذه عجيبة أخرى لجولدا مائير، وهي من صُنَّأع الصهيونية، وتزعم أنها قرأت شيئاً عن الصهيونية في وقتٍ متأخِّرٍ.. قالت: ((وهكذا بالنسبة لسؤال البعض: (وماذا عن المستقبل؟)؛ فإني أجيبهم بجوابٍ واحدٍ: أعتقد أننا سنحصل على سلامٍ مع جيراننا، ولكني متأكدةٌ أنه لا توجد دولة تستطيع أن توقِّع معاهدة سلام مع دولةٍ ضعيفة، أو بالأحرى مع إسرائيل ضعيفة [؟؟؟]؛ فإذا لم تكن إسرائيلُ قويَّةً فلن يكون هناك سلامٌ مؤكَّد.. أما نظرتي للمستقبل: أتمنَّى للدولة اليهودية أن تستمر لتجمع شمل اليهود من جميع أنحاء العالم وتستمر في إسرائيل وبنائها دولة متفقة مع جيرانها ومتعاضدة لمصلحة جميع السكان في المنطقة، ثم إنني أتمنى لإسرائيل الديمقراطية ومجتمعها الراسخ الثبات على أسس الاشتراكية والإخاء والمساواة [هي دولةٌ يهوديَّةٌ دينيَّةٌ بوفاقٍ عالميٍّ].. والآن ما زلت أحلم بأملٍ يتحقق.. ألا أترك شعوري بأني أنا المدانة لما أعطاني الزمن منذ الوهلة الأولى التي عرفت فيها شيئاً عن الصهيونية في غرفةٍ صغيرةٍ في روسيا، حتى اليوم الذي رأيت فيه أحفادي الخمسة يترعرعون يهوداً أحراراً في بلدٍ أصبحت ملكهم؟!)) (4).

* * ((كنت أعتبر اليهود مواطنين لهم مالنا وعليهم ما علينا، ولكن اختلاطي بأعداء السامية من مفكرين وساسة جعلني أشد تحفُّظاً في الحكم على أعداء اليهود، وما لبثت أن وجدتني في عداد المعنيِّين بالمسألة اليهودية بعد أن لمست بنفسي تكتُّل الإسرائيليِّين وتجمُّعهم في حيٍّ واحدٍ من أحياء فيانا، ومحافظتهم الشديدة على تقاليدهم وعاداتهم وطقوسهم، وقد زاد في اهتمامي بمسألتهم ظهور الحركة الصهيونية وانقسام يهود فيانا إلى فئتين: فئةٌ تحبِّد الحركة الجديدة وتدعو لها، وفئةٌ تشجبها، وقد أطلق خصوم الصهيونيَّة على أنفسهم اسم ((اليهود أحرار)).. إلا أن انقسامهم هذا لم يؤثِّر في التضامن القائم بينهم مما حملني على الاعتقاد أن انقسامهم مصطنعٌ وأنهم يلعبون لعبتهم، لا في النمسا فحسب، بل في العالم كله، وهي لعبة سداها ولحمتها الكذب والرياء مما يتنافى والطهارة الخلقية، طهارة الذيَّل التي يدَّعيها اليهود.. وطهارة الذيَّل هذه، وكل طهارة أخرى يدَّعيها اليهود هي ذات طابعٍ خاصٍّ؛ فبُعدهم عن النظافة البعد كله أمرٌ يصدم النظر منذ أن تقع العين على يهودي، وقد اضطررت لسدِّ أنفي في كل مرَّةٍ ألتقي أحد لابسي القفطان؛ لأن الرائحة التي تنبعث من أردانهم تنمُّ عن العداء المستحكم بينهم وبين الماء والصابون.. ولكن قذارتهم الماديَّة ليست شيئاً مذكوراً بالنسبة إلى قذارة نفوسهم، فقد اكتشفت مع الأيام أن ما من فعلٍ مغايرٍ للأخلاق وما من جريمةٍ بحقِّ المجتمع إلا ولليهود فيها يدٌ، واستطعت أن أقيس مدى تأثير الشعب المختار في تسميم أفكار الشعب وتخديره وشل حيويَّته))(5).

قال أبو عبدالرحمن: السامية هم كل نسل سام بن نوح عليه السلام، وأعْرقهم العربُ العاربة قبل موسى عليه السلام بقرون، وأفضلهم سلوكاً ذرية إسماعيل عليه السلام من حَمَلَةِ الدين وناشريه في القرون الثلاثة الأولى الممدوحة، وأفضلهم بنعم الله عليهم لا بسلوكِ أكثرهم ذريَّةُ يعقوب عليه السلام، ولا تكاد توجد الساميةُ في غير يهود الشرق العربي، وهم في الدرجة الدون في إسرائيل.

*** ((وإذا قُيِّض لليهوديِّ بإيمانه الماركسيِّ أن يتغلَّب على شعوب هذا العالم فسيكون تاجُه إكليلَ جنازةِ البشرية، وعندها يستأنف كوكبنا السيَّار طوافه في الأثير كما فعل منذ ملايين السنين، ولا يبقى بشريٌّ على سطح الأرض))(6).

* ((وهكذا كانت الدعارة تُـخْرِج من العدم أسماء أشخاصٍ لا وزن لهم، وتقدِّمهم إلى الرأي العام على أنهم أمل الأمة، وتوفر لهم شعبيَّةً لا يحلم بمثلها من يستحقها.. وإذا كانت سمعة أحدهم قد لُوِّثت في الماضي فالدعاية الصحفية لا تلقى صعوبةً في دفن هذا الماضي، أما إذا كان المقصود محاربةَ رجلٍ شريف فإن اليهود بسفالتهم المعهودة لا يتورعون عن رميه بكل نقيصةٍ جاعلين من الصحافة التي يوجهون منبراً للتحامل على الرجل، حتى إنهم يذهبون إلى حدِّ انتقاد حياته الخاصَّة ونشر فضائح أفراد عائلته إذا كان ثمة من فضائح، أما إذا لم يُوفَّقوا إلى شيئ يخدم أغراضهم (سواء في حياته العامة وحياته الخاصة) فإنهم يلجؤون إلى الافتراء ويواصلون الحملة مسخرين في ذلك عشرات الصحف على أمل أن يَعْلَق شيئ في أذهان الناس مما يفترون به [الصواب يفترونه] على الضحية.. تلك هي العصابة التي تفبرك الرأي العام، وتوجهه، ومن هذا ( الرأي العام) ينبثق البرلمانيون كما انبثقت فينوس من زبد الأمواج)) [هتلر ] (7).

قال أبو عبدالرحمن: قلم هذا الخبير بأبناء بلده شاهد لما قلته كثيراً عن فَرْض القانون الوضعي بمجازر رهيبة أسقطت السلطة الدينية للنصرانية والإسلام؛ ومن ثم يتكوَّن (الرأي العام) من الـمُلَمَّعين والمرتزقين والشهوانيين، وإلى لقاء في الأسبوع القادم إن شاء الله، والله المستعان وعليه الاتكال.

وكتبه لكم:

أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري

- عفا الله عنه -

(1) فواصل في مآزق الثقافة العربية ص84.

(2) قال أبو عبدالرحمن: مثل صرح وصروح، وفتق وفتوق، والطرح ههنا بمعنى الطروح.. أي القول الذي ألقاه قائله لسماعه ودراسته، وفي عامية مصر غلب استعمال (الطرح) للخَبَث الموجب الوضوءَ، وأظن أن عامية نجد استعارت ذلك؛ فقالوا: (أفا يالطرح)، وربما غيروها تأدباً؛ فقالوا: (الضرح)، ولا معنى لها، وذلك مثل قولهم (ابن الحراج)؛ تورعاً من الكلمة التي آخرها ميم.

(3) مذكرات كسينجر 4/ 540/ ترجمة خليل فريجات/ الطبعة الرابعة عام 1993م/ نشر دار طلاس بدمشق.

(4) جلدا مائير /الحقد/ الكتاب الثاني من سلسلة (يوميات قادة العدو) بترجمة منيرة بهجت حيدر، وسمية أبو الهيجا/ دار المسيرة ببيروت/ الطبعة الأولى عام 1979م.

(5) كفاحي لأدولف هتلر بترجمة لويس الحاج ص19/ الطبعة الثانية عام 1995م.

(6) كفاحي ص23.

(7) كفاحي ص37-38.

قال أبو عبدالرحمن: فينوس التي انبثقت من زبد الأمواج أسطورة رومانية وثنية جعلوها ربَّة الحب، وفي منعطفات حياتي تناسيتُ جانبَ العُهْر عندها واكتفيتُ برمزية الحب الطاهر، وجعلتها قناعاً وأنا في الكورنيش بقصيدة منها:

(غني ارتعاش النيل في تأوُّدِهِ.

إذا استخفه انسياب ظلك الخفاق.

غني خطور الحسن مختالاً على فينوسه.

يحنو عليه جو كرنيش فدربه تواشيح ولحن مغدق).

))

(يا فتنتي ما غاص في البحار طائر.

بحثاً عن الهواء.

الله يا فينوس لي.

حسن شهيد مستباح القبل.

غيري له مستعبِد.

قبَّله وهمي على غرة طيف خافت.

نبهني رحيقه.

الحسن قدامي منيع غير مدخر.

يا ضيعة الأعمار في قفر من الخجل.

من لي بأن أرى شتاتنا.

مستوسقاً.

بعد التمزق).

))

(الله يا فينوس لي.

في عمري المكدود.

عشرون عاماً بوركت.

عشرون عاماً علمتني أن للحروف أرواحاً.

وموسيقى وشرياناً.

وقلباً يخفق).

))

(ما لهجة القبائل.

من عامر وقيس عيلان.

إلا نعيب البوم أو فحيح ثعبان.

لكنها حديقة غناء.

إذ لونتها ريتشي).

وقد عُني الدكتور بديع محمد جمعة بتحليل بعض النماذج الفينوسية من الآداب العالمية بكتابه (أسطورة فينوس وأدونيس)، وصدر عن دار النهضة العربية ببيروت عام 1981م.

 

فواصلُ في مآزِق الربيع العربي: (4 - 10)
ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة