Friday  29/07/2011/2011 Issue 14183

الجمعة 28 شعبان 1432  العدد  14183

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هل يوجد مجتمع مثالي على وجه الأرض؟ قرية مثالية أو مدينة مثالية؟ هل نفترض وجود مثل هذه المجتمعات؟ إذا سلّمنا باستحالة وجودها هل يمكن العثور على فرد مثالي بكل سلوكياته وأفكاره؟ المثالية التي أعنيها ليست مثالية المظاهر أو التطبيق الحرفي للعادات والتقاليد والتمسك بالقشور والالتزام بتعاليم بعض الوعاظ, المثالية التي أقصدها هي الالتزام بالقيم الأصيلة النابعة من جوهر الدين لا من اجتهادات البشر.

أذكر أن هناك من فكّر ببناء حي كامل معزول تماماً عن البيئات المحيطة في حي صغير يسمى «الخبيبية» في أطراف مدينة بريدة في منطقة القصيم وكافح لتطبيق هذا النموذج رغبة في تكوين مجتمع مثالي غير ملوّث وفق فهمه ورؤيته, وأصدر قائمة ممنوعات طويلة وفرض أسلوب حياة محدد فمنع ركوب السيارات واستخدم الخيول بديلاً عنها في التنقل وأضاء المساجد والمنازل بالسرج والأتاريك وحظر على حاملي الصور والبطاقات والنقود دخول الحي وشدّد في التقشف لدرجة أن صمّم البيوت في هيئات بدائية جداً أقرب ما تكون إلى عصور ما قبل النهضة إذ تبدو الجدران عارية بدون لياسة ولا بويات وأرضيات الغرف والصالات والممرات والأحواش مفروشة بالرمل؟ طبق هذا النموذج الذي يعرفه أهل المنطقة جيداً لكنه فشل لأنه لا يتناسب مع الواقع ويتناقض مع ما يعيشه الناس إذ يقوم على أسلوب الإغلاق المحكم بعدم الاحتكاك بالمجتمعات الأخرى التي يرفضها تماماً ويعتبرها مجتمعات منفلتة تموج بالمعاصي وارتكاب الذنوب! هذا الأسلوب التربوي الصارم لأبناء الحي وبناته ولّد فئة ناقمة على المجتمعات المحيطة وغذّى بداخلها أفكاراً ضالة دفعت بعضهم إلى محرقة الإرهاب!

هناك من يفترض أننا مجتمع مثالي بمقارنتنا ببقية شعوب الأرض نتمتع بخصوصية لا نجيزها لغيرنا! لكن السؤال هل المنع والتحريم والصرامة قد صنعت تلك المثالية التي نتغنى بها؟ المفارقة أن المثالية التي ندّعيها وجعلتنا وفق رؤيتنا «شعب الله المختار» تنهار بسهولة لهشاشتها فسلوكيات بعض الأفراد خارج الوطن مخالفة لسلوكياتهم المنضبطة ظاهرياً داخل الوطن إما رياءً أو خوفاً.. وانتشار السلوكيات المنحرفة وظواهر الشذوذ الجنسي وزنا المحارم واغتصاب الأطفال والتحرش بالبنات القريبات تتزايد رغم أن مناهجنا المدرسية تركِّز في نسبة كبيرة منها على مواد التربية الإسلامية وتهذيب السلوك بقالب نظري يعتمد على الكم عدا، المخيمات الدعوية للشباب وخطب الجمعة والندوات والمحاضرات والبرامج الدينية.

وبرغم أن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسير أكبر أسطول من السيارات التي تحمل الرجال للأسواق والمولات وأماكن الاحتفالات والمهرجانات إلا أن الخلل هنا قد لا يظهر في عدد الأفراد ولا في التقنيات المستخدمة وإنما لأن جهاز الهيئة لا زال يركز على النتائج دون تغيير الأسلوب لحث الأفراد على الأخذ بأسباب الوقاية وتغيير القناعات السلبية فهو ينتظر فقط حدوث المخالفات لذلك نسمع عن القبض على مخمور أو شاذ أو متحرش أو مداهمة أوكار دعارة.. أسباب الوقاية تغيب والتركيز على تغيير قناعات الأفراد بأساليب أكثر حضارية لا زال شبه معدوم يعني سياسة امنع ثم راقب ثم عاقب.

أول قناعة تحتاج للتغيير أننا «مجتمع مثالي» فنحن لا نختلف عن غيرنا سياسات المنع والمطاردة لا تجدي فكل ممنوع مرغوب.

قد ينضبط المجتمع داخلياً لكنه ينتكس خارجياً ينفلت بمجرد ركوب الطائرة وكأنه يلهث من العطش ويتضور من الجوع يريد الحصول على ما يروي عطشه ويسكت جوعه.

shlash2010@hotmail.com
 

مسارات
المنع والمثالية الزائفة!
د. عبدالرحمن الشلاش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة