Monday  01/08/2011/2011 Issue 14186

الأثنين 01 رمضان 1432  العدد  14186

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ها هو ذا شهر رمضان الكريم.. شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. تنتشر أعلامه مرفرفة في الكون، فتبتهج نفوس المؤمنين من أمتنا المسلمة في كل مكان. هنيئاً للجميع بأن بلغهم الله إياه، والدعوة إليه - تقدست أسماؤه وجلت صفاته - مخلصة أن يوفقهم للقيام بكل عمل صالح يرضاه، وأن يكشف عنهم بلطفه وكرمه ما بهم من ضر وكرب ومصائب متعددة الوجوه.

أما بعد:

ففي شهر رمضان تعتمل في نفوس المؤمنين من أمتنا مشاعر فياضة مختلفة منها ما يحملهم إلى ماضي هذه الأمة المجيد حين كان المؤمنون فيها حقاً كالبنيان المرصوص متيقنين بنصر الله لهم لأنهم كانوا آخذين بأسباب هذا النصر، جديرين بتحققه وتحقيقه. ومن هذه المشاعر ما يخنق المؤمن لأنه يعيش حاضر أمته البئيس الذليل بكل أبعاد البؤس والمذلة، مقترفاً ارتكاب ما يقود إلى ذلك البؤس وهذه المذلة.في مقدمة ما يحمل المؤمنين من أمتنا إلى ماضيها المجيد، مرتبطاً بشهر رمضان الكريم، معركة بدر الكبرى التي وقعت في السابع عشر من هذا الشهر، في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي المعركة التي سماها الله في كتابه العزيز يوم الفرقان حين نصر الله الفئة القليلة العدد، بقيادة خير خلقه، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، على جمع الكفار كثير العدد، صناديد قريش وكبرائهم. ومما يبهج المؤمنين من أمتنا، مرتبطاً بشهر رمضان، الحرب التي وقعت بين الكيان الصهيوني وبين العرب على الجبهتين السورية والمصرية، عام 1393هـ - 1973م.ففي بداية تلك الحرب أثبت المقاتل العربي كفاءته، مهارة وبسالة، مما بعث لدى الأمة شيئاً من الأمل، ودرجة من الثقة بالله ثم بالنفس على مقدرتها متى توافرت الإرادة.على أن نهاية حرب رمضان عام 1393هـ، ثم ما تلاها من انتكاسات في المواقف العربية تجاه الكيان الصهيوني بالذات، تدخل ضمن المشاعر الخانقة للمؤمنين في حاضرهم البئيس الذليل. وهذا ما يدفع كاتب هذه السطور إلى الإشارة إلى شيء مما سبق أن أشار إليه في مقالات سابقة كثيرة، وذكره بصورة واضحة كتاب آخرون. وهذه الإشارة تنسجم مع كلمات بيت قاله شاعر عربي قبل أكثر من ألف وأربع مئة عام:

ما أرانا نقول إلا معارا

أو معاداً من قولنا مكرورا

قبل سبعين عاماً كان بين زعماء العرب قادة يجسدون عظمة القيادة بكل أبعادها. وفي طليعة أولئك الزعماء الملك عبد العزيز، رحمه الله، الذي قال لممثل بريطانيا في جدة عام 1356هـ - 1937م (لا يوجد عربي صادق يوافق على التقسيم)، أي تقسيم فلسطين بين العرب أصحاب الحق فيها واليهود المتدفقين على أرضها من كل مكان. وفي عام 1364هـ - 1945م قال لممثل الولايات المتحدة: (لن يقبل العرب أبداً دولة يهودية في بلادهم).ثم خلف من بعد أولئك الزعماء خلف ظل بعضهم يحملون صفات القيادة العظيمة التي عبر عنها بمواقف صلبة تجاه القضية الفلسطينية. وكانت لاءات مؤتمر الخرطوم عام 1967م، علامة من علامات صلابتهم المشرفة. ومن نتائج الموقف في ذلك المؤتمر دعم قادة عرب للصمود على الجبهة مع العدو الصهيوني، وقيام القيادة في مصر بالذات بحرب استنزاف كان من أدلة روح الفداء والبطولة فيها استشهاد رئيس أركان الجيش، عبدالمنعم رياض، رحمه الله رحمة واسعة.ثم خلف من بعد أولئك الخلف زعماء عرب بينهم من انقلب على تلك المواقف الصلبة المشرفة تجاه القضية الفلسطينية، وغيَّرها إلى مواقف مختلفة. وقد حدث التمهيد لذلك التغيير في المواقف مع انتهاء حرب 1973م، التي عبرت عنه ضمن أبيات من قصيدة عنوانها: «الأساطير» قائلاً:

غير أني

بعد ما سطرت في التاريخ أنباء صمودي

وبدت في غُرّة الكون تباشير انتصاري

أوقفوني

غرسوا في الظهر خنجر

وأتوني بمشاريع كيسنجر

بدأوا يحكون عن سلم وعن حل وسط

حقي الواضح بالزيف اختلط

فإذا الباطل بالأمس يعود اليوم حقا

وإذا الكاذب بالأمس يقول اليوم صدقا

أمس قالوا:

لا سلام

مع أعداء العروبة

وأنا اليوم أغني وأُزمِّر

لاقتراحات السلام

أمس قالوا..

أمس قالوا..

كل شيء قيل بالأمس تغير

كل ما قيل أساطير تُكرَّر

وكانت الطامة الكبرى لهذا التغير، أو التغيير، الذي اتصف به بعض خلف الخلف من القادة العرب اتفاقية كامب ديفيد عام 1979م، التي أخرجت مصر العظيمة بكل إمكانياتها من ميدان المواجهة مع الكيان الصهيوني؛ وهي الاتفاقية التي وصفها أحد زعماء ذلك الكيان - كما قلت في مقالة الأسبوع الماضي - بأن أهميتها - بالنسبة لهم - لا تقل عن نجاحهم في إقامة دولتهم على أرض فلسطين عام 1948م. وإذ انهدَّ أعظم ركن من أركان القوة العربية - وهو مصر - فلا غرابة أن بدأت بقية الأركان تتساقط؛ واحداً بعد الآخر. ولا غرابة أن أصبحت سياسة عموم خلف الخلف من زعماء العرب هي أن خيارهم الاستراتيجي هو السلام مع الصهاينة المحتلين لفلسطين. هل يؤمن الصهاينة المحتلون لفلسطين المهوِّدون لأرضها يوماً بعد يوم بالسلام مع العرب؛ فلسطينيين وغير فلسطينيين؟ ما الذي أبقوه من الأرض الفلسطينية ليكون موضوعاً لمفاوضات؟ أعظم مكان في هذه الأرض هو القدس بما فيها المسجد الأقصى. وهذا ما يرفض الصهاينة أي مفاوضات حوله. على أن كاتب هذه السطور يقول في الختام مع من سبق أن قال: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! وما حدث من هبَّات في أقطار عربية أطاحت بمحكمين - وفي طريقها إلى الإطاحة بمن لم تتم الإطاحة بهم بعد - نسمة من نسمات الأمل الذي يرجو المخلصون من الله سبحانه أن يجعل نتائجه خيراً لأمتنا.

 

رمضان وفيض من المشاعر
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة