Thursday  04/08/2011/2011 Issue 14189

الخميس 04 رمضان 1432  العدد  14189

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

مرّ عام منذ رحيل فقيد الإدارة والفكر والقلم، معالي الدكتور غازي القصيبي إلى الفردوس الأعلى بإذن الله، ورغم ذلك يبقى ملء السمع والبصر والفؤاد حاضراً وغائباً، ولن أنسَى ما حييت شموخَ الإيمان ونبوغَ الإنسَان وقوةَ الإرادةِ في شخصيته رحمه الله عبْر آخر لقاءٍ لي معه مساء الثاني من شهر رمضان المبارك من العام الماضي 1431هـ (2010م)، وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام تقريباً، وكان يشْغلُ غرفةً ضيقةً في عنبر العناية المركزة بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض.

وتمهيداً لذلك، طلبت من الصديق - هزاع العاصمي أن يمكَّنَني من رُؤْيته لحظاتٍ، فإن عزّ ذلك، فلن أطمعَ في أكثر من وقفةٍ قَصيرةٍ أمامَ بابَ غُرفتِه المغلق داعياً له ومسْتْغِفراً، وقد تمَّ لي أكثر مما تمنيَّتُ، وخلال لحظاتٍ كنت أقفُ أمامَه معقودَ اللسان زائغَ البصَر، وقد راعني في مشْهدِه ما راعَني : ضُمُوراً في الوجه، وذُبُولاً في العيْنيْن، وسكينةً في اللسان خِلْتُها في تلك اللحظة تلّخِصَ لي الآثارَ المريرةَ لسَكَراتِ المرضِ الخبيث !

لم أستطعْ أمامَ ذلك المشهد المهيبِ أن أعْصِمَ لساني عن الكلام تعليقاً على ما رأيتُ، فقلت له بتلقائيةٍ وجدانيةٍ حزينة لم أُعِدّ لها من قبل أو أحسب حساباً، فيما كنت أشد يده إلى صدري وأقبلها حرقةً وألماً :(لا تستحق يا غازي كل هذا)!

لم يدعني رحمه الله أكمل البوحَ الحزينَ له بمشاعري، فقاطعني أبو يارا بما يشبه زمجرةَ الأسد الجريح قائلاً بصوته الحنون المعهود (لا يحقّ لك يا عبدالرحمن أن تقول ما قلت، فما حلّ بي هو أمر قد قدره الله رب العالمين، ولا راد لما أراده سبحانه) فقلت وقد ألجمتني عبارته

(الوداعية) وأسرتني شجاعته وإيمانه وشدة بأسه: (ونعْم بالله)! ثم دعوت له طويلاً فيما كان بصري يجول تائهاً في الفضاء المحيط بي مروراً به بدْءاً ونهاية، أما عيناه فما انفكتا تحدقان في وجهي المرزوء حزناً إلى جانب سريره، وقد أخذ مني الذهول كل مأخذ !

(ودعت) غازي مستأذناً بالانصراف وأنا مشدوه بما سمعت ورأيت، وردّ لي التحية بمثلها وهو يعتصر ابتسَامة عنيدةً بين شفتيه، وغادرت المكان وقد تلبسني أحساسٌ غريب اهتزت له قواعد قلبي موحياً لي بأن ذلك اللقاء ربما كان الأخير مع (مجموعة الإنسان) غازي القصيبي !

« بعد ثلاثة أيام تلت ذلك اللقاء الحزين، كنت في مقر عملي بجدة حين تلقيت أتصالاً هاتفياً من صديق مشترك نقل لي من خلاله النبأ الصاعق برحيل غازي إلى الفردوس الأعلى، وكان ذلك يوم الأحد الخامس من رمضان المبارك 1431هـ الموافق 15 أغسطس 2010م، وزادني ألماً أنه كان يتعذرّ عليّ الشخوصُ إلى الرياض في ذلك اليوم لأدرك صلاة الظهر عليه والمشاركة في تشييع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير، وقد شعرت في تلك الوقفة المهيبة في حياتي أن صفحة مشرقة من تاريخ بلادي قد طويت برحيله إلى دنيا الخلود، ليلحق بركب الصالحين في روض من رياض الجنة بإذن الله.

رحمه الله وتجاوز عنه وأكرم مثواه.

آخر الدعاء:

هنيئاً لبلادي، قيادةً وشعباً، بحلول موسم الخير والغفران رمضان المبارك، ودعاء إلى المولى القدير أن يحفظنا جميعاً من كل سوء، وأن يصد عنا شر من ينوي لنا شراً.

 

اللقاء الأخير مع (مجموعة الإنسان) غازي القصيبي !
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة