Thursday  04/08/2011/2011 Issue 14189

الخميس 04 رمضان 1432  العدد  14189

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

تقليب الجمر بأصابع اللغة الأنيقة (5)
قراءة في ديوان: (نسيان يستيقظ) للشاعر عبد الله بن سليم الرشيد
سامي بن عبد العزيز العجلان

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

5 - حوار جريء مع غزل خجول

1-5 إضاءة:

« الهواء الذي مرّ من بين خَصْلاتِ شَعركِ

طارَ لبحرٍ بعيدٍ ليُغرق بعضَ السفُنْ !»

إبراهيم نصر الله

2-5 تنوير:

إنني لـن أكون مـــا لم تكوني حُلُماً مطبِقاً عليه جفوني

... أنتِ ليلى وإنني قيسُكِ المشغوفُ وجْداً ومرحباً بالجنونِ

نسيان يستيقظ-105

3-5 بيان:

قصيدةٌ غزلية واحدة هي كل ما تستطيع أن تظفر به من بين قصائد هذا الديوان التي تربو على الخمسين، وأكثر من هذا: فمِن بين ما يزيد على مائة وستين قصيدة ومقطّعة تمثِّل مجموع ما نشره الشاعر في دواوينه الأربعة ليس هناك سوى ثمان قصائد فقط تتخذ من المرأة موضوعاً لها؛ وبحساب سريع يتبيّن أن حجم هذه القصائد من مجموع شعر الشاعر لا يتجاوز نسبة 5 %. وكادت هذه المفارقة الكمّية في شعر الشاعر أن تكون أكثر إغراباً لولا شيء من التوازن الذي أحدثه ديوانه الهامس الجميل: أوراد العشب النبيل، فقد تضمّن وحده أربع قصائد في هذا المجال. وقد يغترّ القارئ المتعجِّل بقصائد كثيرة في دواوين الشاعر تبدو في ظاهرها خطاباً للأنثى وحديثاً عنها؛ ولكنّ شيئاً من التمحيص يجعله يُدرك أن الأنثى المقصودة فيها هي: القصيدة، وليس المرأة.

والجانب الأهم من الحسابات الكمية السابقة هو كيفية التناول الفني من الشاعر لهذا الموضوع، فقد غلب على هذا التناول الأسلوبُ التقليدي المعتاد القائم على الخطاب المباشر للمرأة لبثّ رسائل الهوى والوجْد، والشكوى من اللوعة والفقْد. والمرأة في هذا الخطاب تستحيل إلى مجرّد موضوع عامّ للغزل أو محرِّض مثير له؛ باعتبارها قسيماً نوعياً هُلاميَّ الملامح ونِسْويَّ الصفات، وليست ذاتاً خاصّة بملامح إنسانية محدّدة وغير مكرّرة بين بنات جنسها. فهي باختصار: ليلى، وهو قيسها كما عبّر الشاعر؛ بكلّ ما يحمله هذا التعبير من عمومٍ وتكرارٍ وإهدارٍ للملامح الشخصية الخاصّة.

ونتيجةً لهذا التعبير الإنشائي العامّ عن هذه العاطفة بالغة الخصوصية يغلب على هذا الخطاب الحديثُ «إلى» المرأة، وتتضاءل فيه مساحة الحديث «عنها» ، أو الحديث «معها» ، ومِن أوضح الشواهد على هذا المنحى عند الشاعر قوله من قصيدة: إليها في ديوانه: خاتمة البروق:

هل تذكرين أناشيدَ الهوى بفميوالشعرُ من خاطري الملتاعِ يندفقُوهل سمـعتِ أنينَ الرملِ تحملهلكِ الصَّبا والهوى في بُردها عبِقُ

رِفقاً بقـلبِ فتَى بالوجْــدِ متّقِدٍيكاد في زحمةِ الأشواقِ يختنِقُ

ما أنتِ إلاَّ سرابٌ كلّمــا اقتربتْمنه الخُطا يمتطي طرفي وينطلقُ

هواكِ أشعلَ في الأضـلاعِ جمرتَهُفأحرق الصبرَ ثم انسلَّ يحترِقُ

وعلى هذا النهج الإنشائي العامّ الذي يُخاطب المرأة بما يصلح أن يكون خطاباً لأيّ امرأة يقول الشاعر في قصيدة: أنتِ..؟! أنتِ من ديوانه: أوراد العشب النبيل:

بدِّلي مــا شئتِ تبقـــين امرأهْونهاراً ضاحكاً ما أضْوأهْ

كلّ شيءٍ فيــــكِ أضحى واشياًبتفاصيلِ الزوايــــا المطْفَأهْ

ســـوف تبقين كتاباً ماتِعـــاًْليس فينا أحدٌ ما قرَأهْ

روضةً سـاحرةً ضاحيةًعذبـةًصـــــافيةـً مُســـــــتمْرَأهْ

أنتِ ســـرٌّ أزليٌّ رائعٌعبقريٌّ لم يُغـــــــــــادِرْ مخْبأهْ

والنغمة ذاتها المغرِقة في إنشائيتها والمفتقِرة إلى خصوصية التجربة تتكرّر في أحد أبياته المفْردة من ديوانه: خاتمة البروق، يقول:

لا تقولي: صُغْ في عيونيَ شعراًسِحرُ عينيكِ زيَّفَ الأشعارا

والكلام السابق لا يعني أنّ مخاطبة المرأة في الشعر هي مكمن المشكلة هنا، فما يزال الشعراء المحدَثون بجميع اتجاهاتهم يخاطبون المرأة في أشعارهم، ويبدع بعضهم في استغلال الإمكانات الفنية لهذا الخطاب؛ ولكنّ الإخفاق الفني في هذه الحالة يحدث عندما يقع الشاعر في أسْر العبارات الجاهزة والصوَر النمطية المكرّرة التي تُفرغ التجربة الشعرية من دلالتها الذاتية المتفرِّدة ومن سخونة تعبيرها الحيّ عن العاطفة المتّقِدة؛ ذلك لأنّ هذا الأسلوب القائم على توجيه الحديث مباشرةً إلى المرأة مهْيعٌ مطروقٌ لكثير من الخطابات الشعرية ذات النبرة الإنشائية العالية التي لا تعكس تجربة شعرية حقيقية، ولا تعبِّر عن « حالة « إنسانية خاصّة ومفعَمة بالحياة في كلّ تفاصيلها.

وهذا الاحتراس الأخير سيقودنا إلى استثناء قصيدتين من قصائد الشاعر التي انتهجتْ أسلوب مخاطبة المرأة من حكمنا السابق، وهما قصيدتا: نرجسة القلب، و: على عتبات الأربعين، وكلتاهما في ديونه: أوراد العشب النبيل. ويكفي هنا الاستشهاد بالقصيدة الأُولى التي تُصوِّر تجربة وداع حقيقية نابضة بالحياة وبوقائع الأشواق، يقول:

ودّعتُ طَرفيَ حينمـــا ودّعتِنيووقفتُ في وجهِ الظلامِ حزينا

مُتلعثِمَ النبضـاتِ يعصر مُقلتيوهجُ الليالي الغابراتِ حنينا

لهفي عليـكِ وكلُّ ما لكِ في يديأضحى بقلبي نادراً وثمينا

عطريّةَ الأشــــواق أيّ خميلةٍفارقتِها فاضتْ أسى وأنينا

خلّفــتِ إيقاعَ الدقــائق فاتِراًوتركتِ مُنداحَ الفضاءِ سجينا

ومع هذا فإنّ هذه القصيدة المفضَّلة بين أخواتها لا تُقارب مطلقاً المستوى الفني الرفيع الذي وصلتْ إليه قصائد الشاعر في موضوعات شعرية أخرى؛ ولا سيّما قصائده المجلِّية في وصف التجربة الشعرية.

على أنّ هذا الملحظ النقديّ المتمثِّل في ضعف قصائد الغزل وانكماش مساحة التعبير الواقعي فيها عن المرأة وشجونها لصالح التعبيرات الإنشائية الفضفاضة هو ملحظ لا يخصّ شاعرَنا وحده؛ إذْ يكاد أن يكون ظاهرة عامّة في الشعر السعودي المعاصر؛ ولا سيّما في الشعر التناظري منه، ولأمرٍ ما فإنّ شاعرنا لم يكتب في المرأة أيّ قصيدة من الشعر التفعيلي؛ تُرى أكان ذلك لأن الشعر التفعيلي أقرب إلى البَوح الذاتي الهامس وأحرى بأن يشِفّ عن مشاعر الشاعر الحقيقية نحوها؟ لعلّنا بهذا التساؤل نضع أيدينا على أول الأسباب التي قد تكون وراء تراجع المستوى الفني لقصائد الغزل عند الشاعر، وهو توجّس الشاعر من تجاوز المقدار « المعقول « في البوح والإفضاء، والشاعر نفسه يقول في قصيدة: الجمر واحتمالات الريح من ديوانه: أوراد العشب النبيل:

لم تزلْ عندنـــــا بقايا تَصَابٍيُخجِل العمرَ أن تفيضَ جهارا

كلُّنا أودعَ الصبــــابةَ في القلْبِووارَى أشـــــواقَه وتَوَارى

كلُّنــا مُولَـــــعٌ ولكنْ نُداريفي حميمِ الحياةِ ما لا يُدارَى

وهذه « المُداراة « تصل إلى حدّ إخفاء الوجد وسجن الأشواق في صندوق محكَم خلف أسوار القلب، يقول الشاعر في قصيدة: تجليات شوق من ديوانه: خاتمة البروق:

لُبــــانةٌ لم تزلْ تزداد تشويقاأودعتُها من ضِرام الحبّ صندوقا

وجْدٌ خفيٌّ وأشـــــواق مبرِّحةٌولم أزلْ مُمعِناً فيهنّ تحديقا

والسبب الثاني لانخفاض المستوى الفني لقصائد الغزل عند الشاعر يعود إلى أنه شاعرُ موقف، وهو لهذا مهمومٌ في شعره بمآسي أمته وقضايا وطنه إلى الدرجة التي تجعله يرى الإيغال في هذا الموضوع الشعري أو التفرّغ له ضرباً من العبث الذي لا يجوز في وقت الجِدّ، وهذه مسألة دندن حولها الشاعر منذ نغماته المبكِّرة في ديوانه الأول: خاتمة البروق، يقول في قصيدة: تدفّق في الشرايين:

يا ابنةَ القومِ مزِّقي دفترَالحبِّ وأوراقَه وذِكْرى صِبـــــانا

فالفتى ذاكَ قد طوى صفحــةَاللهْوِ مُجِدّاً ولم يعُدْ أُلْعُبانا

كبُرتْ في دمِ الصــــبيِّ همومٌفمضى في زِحــــامِها حيرانا

أمَّا ثالث هذه الأسباب وأبعدها أثراً في شعر الشاعر فهو: غياب التجارب الواقعية المحرِّضة للرؤى الشعرية في هذا المجال، وهذا في الحقيقة سبب موضوعيٌّ عامّ يشترك فيه كثير من الشعراء السعوديين الذين يعيشون في بيئة محافظة على الأخلاق.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة