Sunday  07/08/2011/2011 Issue 14192

الأحد 07 رمضان 1432  العدد  14192

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أصبح التسابق بين التيارات الفكرية والدينية على تقديم الفهم الأفضل والأصوب لمسار النهوض والارتقاء بالمجتمعات الإسلامية ونظمها وكأنه تصارع بين العلم الديني والفكر الفلسفي، في تخندق بين تيارات إسلامية وليبرالية وعلمانية، في حين بقت الغالبية خارج النخب أسيرة لسطوة السائد أو متحررة دون هدى.

وقد اطلعت على مذكرة للشيخ صالح آل الشيخ في موقع الألوكة (المجلس العلمي) يستخدم مصطلح العلم بدلا من اليقين بعنوان «الفرق بين العلم والفكر» فوضع خمسة فروق مهمة، منها أن العلم الأصل فيه المدح والأصل في أهله المدح وأما الفكر فهو الرأي والرأي الأصل فيه الذم ومنها أيضا أن العلم حاكم على الفكر حاكم على الأفكار والرأي والفكر محكوم عليه (انتهى) وفي اعتقادي أن لا وسيلة ولا يقين للعلم دون فكر وأن تعريف الشيخ صالح للفرق بين الاثنين جاء من خلفية ثقافيه بسطت حكمها بمنظورها وحصرته في التحليل والتحريم دون النهج وقد بين ذلك في قوله (أنّ ما ذكر نريد منه الوصول إلى نتيجة مهمة ألا وهي أنّ العلماء في دين الأمة وفي مواقفها هم القادة هم الذين يُبَيِّنون للناس ما يحل ويحرم ) بينما عرّف التنويريون «الفكر» على أنه حشد لقوة العقل من أجل إصلاح المجتمع وتحقيق معرفة مسبقة به لتحل بديلا عن التقديس المتوارث وسلطته على المجتمع، وكان هذا في حقب القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر من الميلاد على يد الفيلسوف باروخ سيبونزا وجون لوك وغيرهما من الفلاسفة والمفكرين، وبنظرة تتوخى ألحياديه، أجد أن كلا الجانبين قد أعطى صدقه فيما يرى ولكن من منظوره الخاص الذي حكم رؤيته وشكلها، وفي ظني لو أن سيبونزا أو لوك اطلعا على القرآن الكريم لربما أسلما وأثريا الأمة الإسلامية بسعة الفكر، ولو أن عالما دينيا تعمق في فهم الفلسفة التنويرية دون توجس لوجد أن الإنسان يبحث عن الله بفكره وعقله، وأن الفاصل بين العلم والفكر أو اليقين والعقل ليس إلا فروق في ما ترسب في الوجدان الإنساني حسب مناخه التاريخي ثقافة وتراث، باعتبار أن الحقيقة واحدة وأن من طبيعة المنطق اختلاف الرؤية لهذه الحقيقة.

ولأن المناخ التاريخي بثقافته وتراثه ومعطياته هو المشكل للوجدان الإنساني المنتج للفكر فإن دورة هذا التاريخ وتبدل مواقع التأثير فيه من مناخ إلى آخر تظهر أن أوربيين تأثروا بالثقافة الإسلامية وأسلموا وتظهر أيضا أن مسلمين تأثروا بثقافة المادة والفكر في عصرنا الحاضر فتغربوا ولم يتنصروا بل اختاروا الليبرالية كفكر أو منهج لتنظيم المجتمعات، وعذرهم في ذلك عجز الإسلاميين في إقناع الآخرين بواقع ملموس ومعاش نظراً لتشبثهم بحسم المنهج التنظيمي للمجتمعات بموجب ما بحوزتهم من علم شرعي دون أن يثبتوا على الواقع بما يشير أو يظهر صحّة فهمهم في ذلك، فحال العالم الإسلامي اليوم بين الأمم لا يسر ونظم المجتمعات الإسلامية أبعد ما تكون عن العدل وتساوي الحقوق وضمان الحريات، ومن هنا يظهر الصراع بين الفكر والعلم في مجتمعنا الإسلامي باعتباره بين تنويريين وتقليديين، فالعلم الديني يحتاج إلى فكر للانفتاح على العصر ومعطياته ليتواءم معه وينسجم والفكر الحداثي أو التغريبي يحتاج إلى علم يقيني لا يستشعر النقص فيقصر عن الإضافة والتطوير الفلسفي بالارتداد إلى داخله الوجداني ويؤذيه بالانبهار والذوبان في عمق الآخر.

ولقد كان الإمام أبو حامد الغزالي أول عالم جمع بين الفكر والعلم (حسب اعتقادي) في القرن الحادي عشر الميلادي، فهو الذي درس الفلسفة وعلم الكلام والمنطق وتنقل بين مختلف المذاهب بحثا عن الحقيقة حتى رست به رحلته العلمية في مدينة طوس أو مشهد الإيرانية بجغرافية اليوم ودفن فيها وكانت وصيته الإخلاص... الإخلاص، فهذا الإمام الجليل رحمه الله هو أول من انتهج الوسطية ضد العصبية الدينية والأفكار التكفيرية وقرأ وكتب في الفلسفة والمنطق وكان بمثابة المفكر الذي أسس عهد النهضة الإسلامية في نهايات العهد العباسي المتهاوي لتنشأ الدولة الأيوبيه، وكانت كلمة السر في تنقلاته بين المدارس والمذاهب والأفكار هي الإخلاص للحقيقة، والتي بموجبها فقط يمكن الخروج من حالة التصادم بين العقل واليقين لنجد أن الليبرالية بعمق وجداني إسلامي هي في الأساس تنشد ما جاء به الإسلام وأن الإسلام هو الدين المحرر للعقول والأفكار والداعي لحرية الفرد واستقلاله، لكن محاور الانطلاق أو دوائر التحليق هي التي تحبس الرؤية وتقيد التفاعل بين الطرفين وتفصل بينهما وتجعلهما ضدين وما ذلك إلا لضعف الإمكانات والقدرات في البحث عن الحقيقة.

hassam-alyemni@hotmail.com
 

البحث عن الحقيقة بين العقل واليقين
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة