Sunday  07/08/2011/2011 Issue 14192

الأحد 07 رمضان 1432  العدد  14192

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يواجه عالمنا العربي منذ مطلع هذا العام عدداً من الثورات العربية التي بدأت تنتشر انتشار النار بالهشيم وتنتقل كالبكتيريا من جسد عربي لآخر، فبعد انطلاقتها في تونس عمت الثورة مصر فاليمن وليبيا والآن نعيش أسوأ ربما ثورة عربية في سوريا من حيث أعداد

من ضحوا بحياتهم في سبيل تلك الثورات.

أتساءل دوماً عن مدى استعداد أولئك الثائرين لمرحلة ما بعد الثورة ويتملكني هاجس مستمر يحوم حول إمكانية تحقيقهم لمبتغاهم إن كانت غاياتهم واضحة لهم وإن كانوا أصلاً يحملون خطاباً مغايراً لما يرددونه باستمرار من شعارات تتمحور حول أمر واحد وهو إزاحة الحاكم ورفض محاولات الحوار. فمن خلال الحوارات التي تجريها بعض المحطات الفضائية بحسن أو سوء نية مع بعض قياديي تلك الحشود المتظاهرة تجد أن جُل ما يتحدثون عنه هو ضرورة إزاحة الحاكم والتخلص منه ومن حكومته وكيل التهم لهم من فساد واستعباد وغيرها دون أن يكون هناك تطرق لمرحلة ما بعد إزاحته إن هم نجحوا في ذلك، أي أن الخواء في الخطاب والخلاء في المشهد المتثمل في حراكهم السياسي هو الشاهد على رغبتهم معايشة الحدث فقط دون أن يكون هناك منهج واضح أساس لمرحلة ما بعد تحقيقهم لما ينشدون.

أعتقد أن ثمة من يُحرك تلك الثورات في الشارع العربي لعدد من الأسباب، أسباب لا علاقة لها بالثورات ودوافعها بل في فقدان المنهج والخطاب فيها واندفاع الشباب خصوصاً من الطبقات الفقيرة وبعض المتوسطة التي وجد فيهم أولئك المحركون وقوداً جاهزاً للاشتعال لحاجاتهم التي لم يستطع النظام الحاكم أن يشبعها فتم توجيه الخطب الرنانة لهم وحثهم وشحذ هممهم للنزول للشارع لأنهم في الأساس ربما كانوا في الشارع لا عمل لديهم من واقع طبيعة حياتهم اليومية إضافة لاستغلال أولئك في مراحل أخرى لمن أطلق عليهم البلطجية لممارسة العمل الإجرامي الذي اعتادوا عليه ويفتقده برغم وجود الدافع العديد من المواطنين في الطبقات الفقيرة والوسطى، دون أن يُقدم أحدهم لمعرفة ماهية الغاية والهدف سوى إزاحة الحاكم ربما لقناعة لديهم أن من سيأتي سيكون لا محالة أفضل من الموجود، هذا ما أجزم أنه اعتقاد الأغلبية دون أن يكون لأحدهم نظرة واقعية لما سيئول إليه الحال بعد انتصارهم وكيف ستكون الأمور في حضرة حاكم جديد.

أحاول تجاوز القوالب النمطية (الإيديولوجية) السابقة التي اعتدنا على أن نحشر المستعمر أوالمنتدب ومحاولة طرده وتحقيق الاستقلال، بغية الوصول لمأرب أولئك المطالبين بتغيير أنظمة الحكم في البلاد العربية، أحاول من خلال عقل المواطن العادي الذي أخذ من الأماكن العامة مسرحاً لممارسة احتجاجه على نظامه الحاكم دون أن يكون لديه أدنى تصور عن النتائج والمستقبل، ربما كان دافعه محاولة تجاوز الطابع السلطوي لحياته، فلا أظن أن جميع المواطنين في تلك الدول التي تعيش حالة البراكين الهائجة تفهم لغة التنظيمات اليسارية واليمينية، وليس لديها أيضا فهم نخبوي يحلل معاني الديمقراطية، وإلا ببساطة لما احتشدت وتوحدت صفوف أولئك المحتجين على أنظمتهم، فالثورات الراهنة في تلك البلاد هي نفسها غير نمطية، خارج الصورة النمطية المعروفة للثورة في كل تصورات القوى اليسارية المختلفة، وخارج تصورات اليمين أيضاً حيث إن أحداً منهما لا يعترف بمفهوم الثورة فاليمين بما فيه الليبرالي والإسلامي يبقى متمسكا بشدة برفض جذري وقاطع لفكرة الثورة نفسها، فالليبرالية تبحث عن معادلة مستقرة لحياة سياسية تتمحور حول نخبة سياسية اجتماعية تحتكر «بشكل شرعي» امتياز ملكية وسائل الإنتاج وممارسة «حكم رشيد» لا يقوم الاجتماع الإنساني إلا به بحيث تدير العلاقات داخلها «بطريقة تنافسية»، والإسلاميون ما زالوا حتى اللحظة يصرون على إرث السلطة الإسلامية وأن الحاكم سيبقى حتى إشعار آخر حاكما مطلقا يحكم بالإسلام ولا يجوز الخروج عليه، فلا أحزاب العلمانية والليبرالية في تلك الدول عارضت تلك الثورات ولا الحركات الإسلامية كالإخوان مانعت قيامها. صحيح أن الثورات قامت في ظل إفقار غير مسبوق للجماهير لكن القوة التي شكلت رأس حربة الثورة لم تأت من الجماهير الفقيرة رغم أن انضمام الأخيرة السريع للثورة ومشاركتها هذه لعبت دورا حاسماً في اتصار الثورة دون شك، لكن تحطيم حاجز الخوف ونشر فكرة الحرية بدأ من صفوف الشباب، شباب الطبقة الوسطى ودونها وربما حتى الفئات الأعلى من تلك الطبقة، كما أن اليسار ممن لا يزال بعض أتباعه اليوم الذين يؤمنون بمفاهيم الأحزاب الستالينية لم تكن لهم كلمتهم أيضاً بل وقفوا مؤيدين محفزين، إذن فالمد الثوري الحالي يأخذ طابعاً غير نمطي. لكن تبقى النتيجة واحدة، فماذا استفاد المصريون من تحركهم وإسقاط نظامهم وماذا حدث مع التونسيين ثم ماذا ينتظر اليمنيون حدوثهإن سقط نظامهم والسؤال مطروح أمام رجل الشارع السوري الذي يهتف بطلباته وإن سألته عن مطالبه قال مجاوباً « فليسقط النظام الآن ولكل حادث حديث» وهذا دليل لا يقبل التشكيك على خواء فكر الثورات العربية وسوء إدارتها.

ماذا يضر الشعوب العربية أن تطالب بالإصلاحات التي ترغب بها دون أن يكون رأس الإصلاح هو إزاحة الحاكم وإسقاط حكومته، فالثورات العربية التي نجحت لم يثبت أن أحداً منها قد تحقق لها ما أرادت بل أدت تلك الثورات لإهدار المال العام وقيام الفوضى وإزهاق الأرواح وإضعاف البلاد في بناها التحتية وقبل ذلك كله إضحاك العالم من حولنا علينا.

لست مع إبقاء الحاكم الفاسد إطلاقاً لكنني ضد إسقاط الحاكم الذي يسعى لتحقيق تطلعات شعبه وضد قيام ثورة في البلاد وإزهاق الأرواح لمجرد التغيير. إلى لقاء قادم إن كتب الله.

 

ماذا بعد الثورات العربية
د.عبدالله بن سعد العبيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة