Friday  12/08/2011/2011 Issue 14197

الجمعة 12 رمضان 1432  العدد  14197

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

مع الصيام

 

 

 

 

 

 

 

 

رجوع

 

رمضان دورة إيمانية مكثفة يتقلب المسلم فيها بين أنواع من العبادات.. وكتاب د. سلمان العودة الجديد «مع الصيام» يقدم للقارئ في رمضان وجبة دسمة تحفل بالكثير من المعلومات والفوائد.. ويقول الدكتور العودة: لقد كان شهر رمضان وعاء لحوادث عظيمة، ومناسبات مباركة في تاريخنا المجيد ومن أعظمها نزول القرآن الكريم فهو شهر الذكريات العظيمة والعميقة الأثر في حياة الأمة كما هو شهر العمل والفتح والإنجاز.

وذلك يستوجب حفاوة خاصة بمقدمه وأن أقوى البواعث على ذلك: التفقه في معاني هذه العبادة وإدراك فضائل هذا الشهر.

ويقول الدكتور العودة في الفصل الثاني من الكتاب: «كُتب عليكم الصيام» عبادة ربانية، وشريعة نبوية، وامتحان إيماني، يتجلى في هذا الشهر الكريم، كما قال مصطفى حمام:

هو للناس قاهر دون قهر

وهو سلطانهم بلا سلطان

قال: جوعوا نهاركم، فأطاعوا

خُشّعاً يلهجون بالشكران

إنّ أيامك الثلاثين تمضي

كلذيذِ الأحلام للوسنان

كلما سرّني قدومك أشجا

ني نذير الفراق والهجران

وستأتي بعد النَّوى ثم تأتي

يا تُرى هل لنا لقاء ثان؟!

قال تعالى في محكم التنزيل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ): هذا خطاب للمؤمنين. وغير المؤمن بحاجة إلى خطاب آخر؛ فيخاطب بالإيمان بالله وبالرسل وبالقرآن، فإن آمن أُمر بتكاليف هذا الخطاب، ولذا غالباً ما ورد خطاب: (يا أيها الناس) في العهد المكي، وخطاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) في العهد المدني، وإن كان يرد أحياناً هذا وهذا.

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ): هذا اللفظ من إعجاز القرآن، فمن سماع أول كلمة في الخطاب، وهي (كُتب) يُعلم أن الصيام فرض على هذه الأمة، ثم يُعلم أنه فرض على الأمم السابقة من أهل الكتاب وأتباع المرسلين، ورغم أن الله عزَّ وجلَّ كتب عليهم الصيام، إلا أنك لا ترى ذلك في كتبهم بصيغة الإلزام والأمر، إنما هو مدح وثناء فقط له ولأهله، ولعل ذلك مما حُرِّف في التوراة والإنجيل.

والصيام والصوم مصدران يدلان على الإمساك والتوقف؛ قال تعالى: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} (26) سورة مريم، وهو هنا: الإمساك عن الكلام.

والصوم: هو الإمساك عن المفطرات، في وقت محدود معلوم، ممن يتوجه له الحكم، مع النيّة.

وكان الصوم بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب معروفاً عند العرب في الجاهلية؛ فقد كانوا يصومون يوم عاشوراء، وفي «الصحيح» عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان، كان رمضان الفريضة، وتُرك عاشوراء، فكان من شاء صامه، ومن شاء لم يصمه».

ولا يسمى صياماً إذا امتنع عن بعض الأطمعة أو الأشربة أو عن النساء فقط، كما كان موجوداً عند العرب، أو كما يفعله من يسمَّون بالنباتيين، أو أصحاب الحِمْيَة، أو كما هو الحال عند بعض أهل الكتاب.

وقوله تعالى: {عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: يصح أن يشمل ظاهر الآية كل من سبقنا من آدم إلى عيسى عليهما السلام، وليس اليهود والنصارى فحسب، وعليه فكل من سبقنا كانوا يصومون؛ لكن لا يلزم أن يكون صومهم هو نفس الصوم الشرعي الإسلامي، بمعنى الإمساك عن شيء مخصوص في وقت مخصوص، ولا أن يكون فرض عليهم شهر رمضان، وإنما المقصود فرض عليهم أصل الصيام لا صفته.

وقوله عزَّ وجلَّ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ): التقوى تبدأ بالإيمان والإسلام، فمن آمن وأسلم فقد اتقى الكفر واتقى عذاب الله، فإذا صام فقد حقق ركناً من أركان الإسلام، وحقق قدراً من التقوى، ولو كان في صومه بعض التخريق والخلل، كما في «الصحيح»: «الصيام جُنَّةٌ». وفي بعض رواياته عند النسائي، وغيره: «ما لم يخرقها».

وفي الآية فوائد:

الأولى: (كتب عليكم الصيام)، أي: فرض، فهي أصل في وجوب صيام رمضان، وقد أجمع أهل العلم كافة على أنه يجب على المسلم المكلَّف القادر أن يصوم شهر رمضان.

والأصل في وجوبه: الكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب: فهذه الآية الكريمة، وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «بُنيَ الإسلامُ على خمس...». وذكر منها: «صوم رمضان»، والإجماع على وجوب صيامه إجماع قطعي، منذ قيام الرسالة وعبر العصور كافة.

الثانية: أن من أسرار الصيام وآثاره: التربية على التقوى؛ فإن الله عزَّ وجلَّ لم يشرع العبادة لنتعذب بها، أو يصيبنا منها الحرج والمشقة بالامتناع عما نشتهي، ولكن لحكمة التربية على مراقبة الله عزَّ وجلَّ في السر والعلن والصبر على ذلك، وأن نترك الشيء لأجله سبحانه، حتى لو كان محبوباً مشتهى في النفوس.

فالتربية على الأخلاق الحميدة لا تخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة، ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبر عليه، حتى تصير مكارم الأخلاق مَلكة لَمن راضَ نفسَه عليها.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة