Wednesday  17/08/2011/2011 Issue 14202

الاربعاء 17 رمضان 1432  العدد  14202

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لم يكن يطرأ في ذهن شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي وهو ينشد قصيدته الشهيرة راحلاً عن مصر هارباً من حاكمها كافور الإخشيدي متوجهاً إلى حلب ليحل على أميرها سيف الدولة الحمداني وليلقى مصرعه في طريقه إليه..

أن قوة وسطوة القلم الذي تحدث عنها في قصيدته الشهيرة سيكون له تداعيات في أمن وسلامة المجتمعات لم تكن في حسبان المتنبي حين قال:

الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم

بيد أن القلم الذي تحدث عنه المتنبي وهو الذي عرف وبعبقريته مدى أهميته وتأثيره في تشكيل ثقافة الفكر الجمعي لأفراد المجتمع قد تطور إلى شبكات تواصل اجتماعية (Social Networks)، والتي أضحت وبسبب سوء استخدامها عاملا رئيساً في تقويض عرى السلم الأهلي للعديد من المجتمعات في عصرنا الحديث.

تاريخياً، فقد بدأ استعمال هذه الشبكات منذ منتصف التسعينيات من القرن المنصرم وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية. ونشأت في البداية كمواقع للربط بين زملاء الدراسة كما كان الحال مع كل من موقعي Classmates.Com عام 1995م، ٍSixDegrees.Com عام 1997م. وخلال الحقبة الزمنية الواقعة بين 1999م و2001م ظهر العديد من مواقع الشبكات الاجتماعية، ولكن لم تحقق الانتشار على مستوى واسع، ولكن الأمر تغير جذرياً مع حلول عام 2005م بإطلاق موقع ماي سبيس الأمريكي الذي كان بداية لحدوث نقلة نوعية في استخدامات الشبكة العنكبوتية لأغراض التواصل بين الأفراد على نطاق واسع، وبحلول عام 2007م وبتطبيقات جديدة ظهر موقع (الفيس بوك) ليسحق كل ما سبقه من شبكات تواصل اجتماعي حيث بلغ عدد المسجلين في خدمته أكثر من خمسمائة مليون عضو على المستوى الدولي وتبعه موقع تويتر كمنافس له في خدمات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى شبكات منافسة شهيرة مثل لايف بوون وهاي فايف واوركت وجوجل بلس. وأشهر مواقع التواصل الاجتماعي العربية هي مواقع مكتوب، أخوان بوك، وشبكة مدينة. وتقدم هذه الشبكات الاجتماعية لمستخدميها إمكانية التبادل الفوري للمحادثات والرسائل الخاصة والبريد الاليكتروني والفيديو والتدوين وإرسال الملفات الخاصة، ولم تغير هذه الشبكات الطريقة التي نحصل بها على معلوماتنا وحسب بل غيرت وبشكل جذري الطريقة التي يتواصل بها الأفراد بعضهم ببعض.

وحالياً يغص الفضاء الإليكتروني (Cyberspace) بكم لا يعد ولا يحصى من مواقع التواصل الاجتماعي بلا رقابة على المحتوى كل يطرح أفكاره وأيدلوجياته التي يحرض بعضها علي العنف كطريقة لتحقيق المطالب، وبعودة مخيفة في أغلب الدول الأوربية لليمين المتطرف ورموزه النازية والفاشية والتي تحرض علي كراهية الآخرين وخصوصاً المسلمين، وما حدث مؤخراً في بريطانيا نبه وبطريقة عملية الحكومات الغربية إلى خطورة ترك الفضاء الإليكتروني مشاعاً ومنبراً بلا قوانين وآليات تنظم عمله. وكما لم يطرأ في ذهن المتنبي من ظهور آليات جديدة تظهر قوة وسطوة القلم، كما هو الحال مع آليات القلم الحديثة عبر الفضاء الإليكتروني من شبكات تواصل اجتماعي ومدونات لم يطرأ ببالنا بأن صرخة التحذير من هذه الشبكات سوف تنطلق من بريطانيا، عرين الديمقراطية الغربية، حيث تم استخدامها وبطريقة سلبية لتنسيق عمليات النهب والسلب والشغب والتي تعرضت لها العاصمة البريطانية لندن بالإضافة إلى مدينتي ليفربول وبرمنغهام. وفى خطوة غير مسبوقة في تاريخ بريطانيا الحديث بكونها راعية الديمقراطية الغربية والسباقة وبلا حدود في سن قوانين تكفل الحريات الشخصية، فلقد صرحت الحكومة البريطانية وعلى لسان رئيس وزرائها ديفيد كاميرون بأنها تفكر جدياً في تعطيل شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتوتير وكذلك خدمات البلاكبيري إذا عادت الاضطرابات مرة أخرى للمدن البريطانية. وقال ديفيد كاميرون محذراً ومنبهاً ومعلقاً على الأحداث التي شهدتها المدن البريطانية» سيصاب الجميع ممن يشاهدون تلك الأعمال المروعة بالدهشة عندما يعلمون أنه تم تنظيمها من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، يمكن أن استخدام حرية تدفق المعلومات في الخير، وكذلك يمكن أيضاَ استخدامها من قبل المختلين من أجل العنف». أحداث العنف استدعت ولحفظ النظام نشر أكثر من ستة عشر ألف شرطي بريطاني في مدينة لندن وحدها، بالإضافة إلى ستة آلاف من شرطة مكافحة الشغب، ولوحت الحكومة البريطانية ولأول مرة باستدعاء الجيش لمساندة الشرطة في جهودها في مكافحة مثيري الشغب، كذلك فلقد تم استدعاء نواب البرلمان من إجازاتهم الصيفية وهي خطوة لا تقوم بها الحكومة إلا في الضرورات القصوى. بدا المشهد البريطاني الدرامي وكأن البلاد تخوض حرباً على أراضيها بسبب القدرة الفائقة لشبكات التواصل في تجميع الناس وتحريضهم للمشاركة في أعمال الشغب، ولقد استفاد هؤلاء المرضون عن قصد أو عن غير قصد من الأطروحات الفكرية لغريزة القطيع أو غريزة الحشد (Herd Instinct)، وهي قيام مجموعة من الناس بالقيام بعمل نفس الشيء وباستجابتهم وبطريقة واحدة نحو مؤثر معين من دون إعمال للفكر، وكأن مغناطيساً يجذبها نحو ما تقوم به من أفعال، فردود أفعال المجموعة الموجهة يكون غير عقلاني ولا منطقي، فالتصرفات تتم لإرضاء المجموعة وتجعل الفرد يهتف مع الحشد ويهلل له ويدافع عنه. وحسب أطروحات غريزة القطيع أو غريزة الحشد فإن المصاب بها لديه شعور بالوحدة والعزلة والحنين إلى الأوطان وهي تدفع الفرد إلى التعاون مع غيره من أبناء مجتمعه، ويفسر الحالة البريطانية لغريزة القطيع إنها حدثت وفي كل المدن البريطانية في أحياء متشابهة من ناحية التركيبة السكانية التي يطغى عليها المهاجرون والطبقات البريطانية المهمشة، ولا بد من الإشارة هنا بأن الأوضاع المعيشية السيئة بسبب التقليصات الهائلة في الميزانية البريطانية فيما يخص البرامج الاجتماعية للمواطنين الفقراء بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في أقساط التعليم الجامعي ساعدت جميعها في تأجيج المظاهرات وأعمال الشغب ضد الحكومة، وكانت بمثابة وقود لهذه الاحتجاجات والشبكات الاجتماعية بمثابة المؤجج لنيرانها والمنظم لتحركاتها.

أكدت أحداث بريطانيا بأن الحرية المطلقة هي مفسدة مطلقة، ووضحت كذلك بأن هناك صناعتين في الغرب تعرضتا وبشكل واضح للعيان إلى سوء استخدام نتج عنه عواقب وخيمة، وهاتان الصناعتان هما الاقتصاد والمعلومات، فالاقتصاد الغربي يواجه انتكاسات متتالية منذ عدة سنوات أدت إلى تصدعات خطيرة في سوق الرهن العقاري الأمريكي، تلاه انهيار أكثر من مائة وخمسين بنكا أمريكيا وعلى رأسها بنك الإخوان ليمان الشهير، وشركات عملاقة كشركة أرنون للطاقة، تلا ذلك أزمة ديون أوربية لا يوجد لها حل في المستقبل القريب أثرت على كل من أيرلندا واليونان والبرتغال ودول أخرى من دول السوق الأوربية المشتركة في طريقها لأزمات مالية خانقة، اكتشفت أمريكا من خلال أزماتها المالية بأن السبب وراءها هو عدم وجود قوانين صارمة وفاعل تقنن عمل الأسواق وتبعد عنها جشع المضاربين، وبأن فرضية الاقتصاد الرأسمالي الحر المطلق ليست إلا مقولة خيالية أدت إلى كوارث اقتصادية، مما استدعى الحكومة الأمريكية إلى رفع حزمة من القوانين للكونجرس الأمريكي لإقرارها لتنظيم عمل المؤسسات الاقتصادية للحد من انهيار الأسواق ودخول أمريكا مرحلة كساد اقتصادي خصوصاً بعد التخفيض الائتماني للولايات المتحدة الأمريكية من قبل ستانرد آن بوز، وما نتج عن ذلك من انخفاض مستمر في الأسواق المالية الأمريكية،كذلك فصناعة المعلومات وحرية تدفقها في الفضاء الإليكتروني وبدون ضوابط أدى إلى انتشار واضح يزداد وبشكل مخيف لأفكار اليمين المتطرف في الغرب بجماعات النازية والفاشية التي تؤمن بالعنف سبيلاً في تحقيق أيدلوجياتها، وما حدث من مجزرة في النرويج يؤكد ذلك، وقد استخدم مرتكبها شبكة الانترنت للترويج لأفكاره بدون وجود قوانين تجرم نشر الكراهية ضد الآخرين علي المواقع الاليكترونية، وهناك حاجة ماسة لوجود هذه القوانين خصوصاً والتجارب المؤلمة التي تعرضت لها كل من النرويج وبريطانيا شواهد علي ضرورة ذلك.

ولقد أدركت المملكة العربية السعودية خطورة ترك الفضاء الإليكتروني بدون ضوابط تقنن العمل فيه، وفي اجتماع عقد في الرياض قبل عدة أشهر مع أصحاب ومدوني الصحف الإليكترونية تحدث وزير الثقافة والإعلام معالي الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجه إليهم بعد إقراره للائحة النشر الإليكتروني بأنه يثمن جهودهم في إثراء الحراك الثقافي والإعلامي في المملكة وبأن لائحة النشر الإليكتروني ليس المقصود منها الحد من حريتهم في طرح ما ينشر من قضايا على مواقعهم بل هي لتقنين عملهم لكونه صناعة يحتاج إلى آليات وقوانين تضبط العاملين فيه، ووجه حديثه للمجتمعيين بأنه يؤمن بالحرية المسئولة، الحرية التي تضع مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد والتي تنأى بنفسها عن نشر ما لا طائل منه من أجل الإثارة أو إشاعة ثقافة الإقصاء والكراهية والعصبية القبلية والمذهبية المقيتة. خلاصة القول فشبكات التواصل الاجتماعي خطورتها في كيفية استعمالها سلباً أو إيجاباً والقوانين المنظمة لها هي الضامن الوحيد لعدم إساءة استخدامها.

Alfal1@ hotmail.com
 

شبكات التواصل الاجتماعي وغريزة الحشد
صرخة سوء الاستعمال تنطلق مدوية من بريطانيا
د. محمد بن يحيى الفال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة