Wednesday  17/08/2011/2011 Issue 14202

الاربعاء 17 رمضان 1432  العدد  14202

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الريـاضيـة

      

لم يكن الشيخ عبدالرحمن بن سعد بن سعيد الذي توفي أمس رقماً عادياً ضمن سكان المملكة البالغ عددهم أكثر من ثمانية عشر مليون نسمة، ولا يمكن لمنصف إلا أن يصنفه بوصفه أحد المشاهير في مجتمعه نسبة لإنجازه الرياضي غير المسبوق، وتفكيره المبكر في جعل ممارسة الرياضة في عاصمة المملكة جزءاً من اهتمام الناس بحكم تفاعلهم معها، بل وباعتبارها التسلية الأولى التي لا غنى لهم عنها.

كان غالبية أفراد المجتمع في نجد بعمومها يتهيبون من كل جديد، ويخشى هذا المجتمع إن شجع الرياضة - على سبيل المثال- وكأنه يدفع بمحبيها إلى اللهو والانشغال عما اعتبر حينها أهم من الرياضة ممارسة وتشجيعاً، غير أن عبدالرحمن بن سعيد كان له رأي آخر، فقد اعتبر أن من يمارسها أو يتابع نشاطاتها كمن يريد أن ينصرف عن أضرار الفراغ، ويتوجه نحو ما هو مفيد منها دون أن يتخلى عن الفوائد الأخرى في غيرها.

وعبدالرحمن بن سعيد الذي استحق لقب «شيخ الرياضيين» لم يكن ليطلق عليه ذلك لولا أنه -بشهادة الجميع- كان محارباً كبيراً في سبيل إقناع الناس في زمن مبكر للغاية بما توفره الرياضة لهم من فوائد قد لا يجدونها من دون أن تكون هناك رياضة تنظم لها المسابقات والمهرجانات، وتوضع لها الأنظمة والقوانين، وتؤسس من أجلها الأندية والاتحادات.

تذكروا أن عبدالرحمن بن سعيد قاد مجموعة من الشباب لتأسيس نادي الشباب -شباب الرياض سابقاً- ثم أسس نادي الهلال -الأولمبي سابقاً- فضلاً عن ترؤسه لمجلس إدارة النادي الأهلي بجدة - الثغر سابقاً- وكل هذا كان قبل أكثر من ستين عاماً، وقد تطلب منه ذلك إنفاقاً مالياً ودعماً معنوياً، واستقطاباً لشخصيات تدعم هذا التوجه الجميل في سبيل أن تكون لدينا رياضة تتجاوز فعالياتها والتنافس حولها من المحلية إلى الدولية.

ولو لم يكن لعبدالرحمن بن سعيد من حسنة ومن عمل وطني مشهود إلا تأسيسه نادي الهلال، حيث تمكن بعد أربع سنوات من تأسيسه تحقيق أول كأس يحمل اسم كأس الملك في عهد الملك سعود يرحمه الله، لتتوالى بعد ذلك مسابقات الكؤوس والدروع ويتوالى فوز الهلال بها محلياً وخليجياً وعربياً وآسيوياً، ما مكَّنه من أن يكون نادي القرن والأكثر شعبية والأكثر بطولات بين أندية المملكة.

وفقيدنا هو أول من طبق نظام الاحتراف وتنقلات اللاعبين بين الأندية منذ أكثر من خمسين عاماً، فقد كان يخطب ود نجوم أندية المنطقتين الغربية والشرقية للالتحاق بالهلال ويغريهم للانضمام إلى الهلال دون أن يكون له منافس آنذاك، حيث كان يغريهم بالمال والشفاعة للوظيفة أو للدراسة، فضلاً عن المعاملة الكريمة التي كانوا يتمتعون بها بانضمامهم للنادي الذي أسسه عبدالرحمن بن سعيد.

حتى المنافسة بين الأندية، كان هو من أذكاها ووفر لها مناخها المناسب، معتمداً على صبره وحكمته وحلمه، والقاعدة الكبيرة من المشجعين لناديه، والتفوق الواضح في عناصر فريقه، دون أن يستسلم أو ينهزم أو يشعر أن هناك من هو أقوى منه في مثل هذه المعارك الرياضية التي شكلت وتشكل جزءاً مهماً في تطور الحركة الرياضية.

وقد لا يعرف الكثيرون أن الفقيد عمل مدرباً ولاعباً وحكماً لتمارين فريقه، وأنه ظل ملتصقاً وعاشقاً ومحباً لنادي الهلال حتى في سنوات ابتعاده عن مجلس الإدارة وحين أقعده المرض، كما قد لا يعرف البعض أنه كان كاتباً مثيراً للجدل ومؤرخاً بامتياز وصاحب ذاكرة قوية تحتفظ بأدق التفاصيل عن تاريخ الرياضة بالمملكة وليس في الرياض فقط، ولديه في ذلك سجلات بكل مراحل تطور الحركة الرياضية في البلاد، لكنه مات دون أن ينقل هذا الرصيد التاريخي الذي كان لديه إلى كتاب أو مجموعة كتب تراجع وتدقق في حياته لرصد وتمكين الجميع من الاطلاع على المعلومات الغنية التي يضمها مثل هذا الكتاب.

لكل هذا، فإن الفقيد يستحق أن يطلق اسمه على واحد من شوارع الرياض تكريماً لعطاءاته وبذله، ولعل سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي يعرف عنه أكثر مما نعرف، ويدرك دوره في إنشاء وتأسيس الحركة الرياضية الأهلية في عاصمة الرياض، يوجه بذلك مثلما عودنا دائماً، فإن مثل هذا التكريم لفقيد كبير لا يعرف عنه إلا الولاء والإخلاص لدينه ومليكه ووطنه، سوف يحفز الجميع على العمل وخدمة البلاد، وسوف يذكر كل مواطن بأن ما يقدمه كل واحد منهم من خدمات مفيدة ومن مبادرات كبيرة لن يطويها النسيان، وإنما هي في مكانها ومكانتها من التقدير.

رحم الله الشيخ عبدالرحمن بن سعيد، فقد كان مضيافاً لكل الرياضيين، وسخياً بماله وشفاعته، ومتسامحاً مع من أساء إليه، وصاحب موقف ومبدأ لا يحيد عنهما، وهو إيضاح وجهة نظره عبر وسائل الإعلام وليس غيرها مع كل من يختلفون معه في موقف أو وجهة نظر، لقناعته بأن الرياضة لا تخلو من تباين في وجهات النظر، بل إن تطورها يعتمد أولاً وأخيراً على هذا النوع من الرأي والرأي الآخر.

 

في وداع شيخ الرياضيين
خالد بن حمد المالك

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة