Friday  26/08/2011/2011 Issue 14211

الجمعة 26 رمضان 1432  العدد  14211

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

زيمة والحرية المتحرّكة
هياء عبدالله الدكان

رجوع

 

لم تكن زيمة المطيري فتاة معاقة يقيّدها كرسي متحرّك وعجلات تدفع بمساعدة أو دون مساعدة وأقدام لا تتحرك ! لا بل كانت روحاً متّقدة بالكفاح والصبر !

كانت زيمة فتاة قرية بطموح أُمّة ! حيث كانت تسكن في إحدى قرى منطقة القصيم، شاهدتها مرة واحدة في حياتي، في الزواج الجماعي الأول تحت إشراف جمعية الإعاقة الحركية للكبار «حركية « عام 1430 هـ بالرياض، وجدت قدماي تدفعاني نحوها بشكل لا إرادي، فحديثها أبهرني وحسن منطقها جذبني وحكمتها وموهبتها المتميّزة في كتابة الشعر وإلقائه، اقتاد خطواتي طوعاً للمكوث بقربها والاستماع لها!!...

يا الله !! كم كانت كلماتها جميلة وعذبة! وألفاظها مهذّبة ومنتقاة!

ما زلت أتذكّر همسها لي بأمنية تختلج بروحها وهمّتها العالية عندما قالت لي: أتمنى أن لا أقول شعراً فقط ! بل تتوق روحي لما هو أعظم من ذلك ؟

سألتها في ذلك اللقاء العابر ما هي أمنيتك يا زيمة ؟ ردّت بكل يقين وثبات: القرآن ... نعم القرآن حفظ القرآن الكريم ! أتمنى أن أحفظ كلام ربي وأصدح به لينفعني يوم ألقاه، قلت لها وما المانع ؟ قالت أنا في قرية ليس لدينا مدرسة لتحفيظ القرآن ومثلي كيف يدخل ويخرج إذا لم يجهز لنا ممرات ومزالق خاصة حتى ندخل لأي مكان ؟!

قلت لها إنّ كلام الله يسير حفظه ولو بإمكانات بسيطة، بالهاتف مثلاً! قالت: ومن ستصبر عليّ؟ فإذا بإحدى الأخوات الفاضلات تقول: لا تقلقي يا زيمة أنت أردت خيراً وسيعينك ربي سأبحث لك عن معلمة جيدة تعلّمك وتتصل بك وتتواصل معك، وبعد أيام ردّت لها تلك الأخت وقالت لها مبشرة: يا زيمة الحمد لله لم أجد لك معلمة فقط بل وصاحبة خبرة ومشرفة في الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم... سبحان الله - وكانت هذه المشرفة كما تمنينا، تواصلت مع زيمة في قريتها، وتابعت معها حفظ كتاب الله حتى أننا انشغلنا عنها ونسينا زيمة مع أمور الدنيا وأشغالها، لكن مشرفة القرآن كانت معها وهي التي أخبرتني قبل أيام أنّ زيمة واصلت الحفظ رغم المشقة التي تصاحبها أثناء القراءة، فقد كانت تعاني من صعوبة في التنفس ومشاكل صدرية إضافة إلى أنها مقعدة... وأكملت المشرفة أنّ زيمة لم تكمل سورة البقرة لأني لم أستطع أن احتمل صوت جهدها وتعبها وانقطاع نفسها وهي تجتهد لتقرأ آيات ربها، فقد توقفنا قبل كم شهر فهي الآن في الشهر السادس من الحمل، وتقول المشرفة وفّقها الله وبارك فيها: طلبت من زيمة وأنا أتألّم كلما أسمعها والمشقة بادية على صوتها، أن نتوقّف حتى تضع مولودها بحول الله وقوّته ثم نكمل مسيرة الحفظ، وسألت الله أن يكتب أجرها... ولكن الله جل جلاله الذي لا يقدّر إلاّ خيراً، قبض روح زيمة وهي في شهرها الثامن، وأراد أن يحيا صغيرها الذي يرقد الآن في الحضانة حتى تمامه... أنعم الله عليه بالصحة والعافية والإيمان، وجعله خير خلف لخير أم تمنّت أن تراه وتمنّت أن تحفظ كتاب الله... وجعله الله قرّة عين لوالده وأهله..

نسأل الله أن نكون وإيّاك يا زيمة من أهل الله وخاصّته، وأن يثبت القرآن في قلبك وقلوبنا، ويجعلنا ممن يعملون به، ويغفر لك ويرحمك ويعوّض صغيرك خيراً، ويجعله من حفظة كتابه الصالحين البارين.. آمين يا رب العالمين.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة