Saturday  27/08/2011/2011 Issue 14212

السبت 27 رمضان 1432  العدد  14212

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

إبراهيم أحمد الموافي

180 صفحة من القطع المتوسط

من فينا من لا يسهو «السهو نسيان» وما سُميِّ الإنسان إلا لنسيه.. سعداء هم أولئك الذين ينسون أثقال حياتهم. أو حتى يتناسون ماأحلك ذلك الركام من هموم حياتهم.. يَجُبُّ يومهم ما أتى عليهم أمسهم تأسيا بمقولة عمر الخيام:

لا تشغل البال بماضي الزمان

ولا بآتي العيش قبل الأوان

واغنم من الحاضر لذاته

فليس في طبع الليالي الأمان

ولكن من يقدر.. هذا هو السؤال.. شاعرنا الموافي يوافينا بما سقط منه سهواً... لندعه يتكلم:

دعني أقص نبوءة الفجر الذي ما خامرته

هواجس العشاق يوما.. أو أناخ به الضباب

ينثل مثل الرمل بين أصابعي حلماً

وتحمله الرياح من الغياب إلى الغياب

لا أحد يقف في وجه شاعرنا:

دعني أسافر فوق جفن الليل

انتشق الهوى العفوي فوق مروءة العشاق

بدأ البوح.. صوت الجرح لا شيء يعلو عليه انه مكمن أسراره

أنا أيها الموبوء في وجعي تراودني القصائد

دعني أفاتحك النهار البكر

أحمل في دمي وجعي.. وتحمل أنت أوسمة العتاب

يتساءل وهو يحاول امتطاء جفن الليل لماذا الليل يرخي ستاره.. والسحاب مشرد تنهره الرياح.. وهو وأنت وذلك الراعي يغنون للربيع دون عشب.. ظلام. وجراح:

قل للعذارى المسدلات ثيابهن البيض

إن وئدن كلاب الحي أو تاه الجناح مع النباح؟!

من للسنامى المترفين السادرين. الراقصين بمسرح الاخلال؟

إن يبست عناقيد الكروم، وأدمن الوتر النواح؟

لا أحد فينا يقدر على مواجهة ما لا يملك ولا يستطيع.. الحياة بطيئة وطبيعتها هي تملك الإجابة على أسئلتك. فلا النهار سابق الليل. ولا الليل سابق النهار.. لا خريف دائماً.. ولا ربيع دائماً.. الوجع لا تبرؤه أوسمة عتاب لأنه الأقوى.

في سوق عكاظ أكثر من «لو» واحدة..

لو أنهم نثروا رماد الشمع في وجه الرمال

الحاصبات على تجاعيد السراب

أو صفصفوا عقد النجوم وأطلقوا للريح أسرجة السحاب

أو أنهم رقموا الجبال. وقوضوا للأفق ترحال الغياب

أو لونوا زمن العروبة أخضرا

واستحدثوا للنار زيتا من ضباب

وما ورَّث الوجع الخرافي العصور خيانة يوما

ولا خدشته رياح البحر إجلال التراب

شاعرنا أشهر سلاح (لو) ومفردة لو تعني التمني.. والتمني سلاح عجز لا يبني بيتا.. ولا حتى عشة.. ولا حتى حلماً.

في مقطوعته «ما انتحل الرواة من شعر أبي فراس الحمداني» يقول:

أخفت عويل الريح صوت الماء يفرقنا

أخفت عويل الريح. كل الرياح عاصفة

وذاك سراجه الليلي يرمقها كنسيج العنكبوت

يا أيها الموؤود في دمنا المخضب بالردى العفوي

يستل الرقاب.. أشعل سراج الكبر

لا نامت بحضن الموت راجفة. ولا غاص التراب

قالها بيتك الأخير.. ولا مزيد أكثر من أن السراج الباهت لا يكشف في عتمة الدجنة مسلكاً يؤدي إلى سلامة الهدف..

«نقوش مجهولة فوق حصن عمورية»:

يا سيد السيف الذي أغمدته بالغمد بتاراً بأعناق الطريق

هل للنداء.. هوية أخرى؟

وهل للنار يعلوها ساحب الشح يمطر للحريق؟

دوامة أخرى. وهل في البحر من كفن إذا جن الشهيد؟

ذبلت جفون الليل. وانتثرت عقود النجم والوادي سحيق؟

يا سيد السيف الذي أقرأته الأفلاك في الحصن العتيق

الغامض الكوني. خطوط الأرض الصهباء فوق السور تنخر بالبريق.

ولا حتى سيف الدولة الحمداني يقدر على الجواب.. لم تبق على الحياة شيئا. لا ماء. نار.. البحر كفن.. الليل دون جفون.. إنه عالم جنون!

هذه المرة رسالة منه لم تكتب من سيف الدولة وأبي الطيب المتنبي:

يا أنت يا حقل البطولات التي يبست على شفتي وعاث بها الضياع

عد شهقة أخرى زماناً راق فيه الشعر وانداحت عناقيد الإباء

تصب كأس الشوق مبتلا بألوان الصراع

خذ ما تشاء من المسارات التي تضوي بأقمار...

وخذ وميض السيف.. طوّس ما تشاء من الحروف

وروض التاريخ مرتعدا. وعدَّ سفر النزاع..

شاعرنا الموافي أعطى كل شيء لغيره حتى ولو كان في عداد الراحلين. وأبقى لنفسه الشكوى ومرارة البلوى دون أن يسهم ولو بطلقة حل من أجل عيون التاريخ المرتعد.. الشهقات.. والأمنيات.. وتوجيه الرسائل عفى عليها الزمن.. لا مكان للأقوال وإنما للأفعال.. الحياة صنيعة القادرين على العطاء والإنجاز..

«يا أيها الآتي.... إذا تأتي.. يخاطب على أمل أن يأتي من باب سبق السيف العذل:

يا أيها الآتي على جمل له لون الصحارى الهاربات

لأول المدن الحزينة؟

ماذا انتويت لقلبي المدفون في هذي المدينة؟

ذاب الشتاء. ولا أزال أشب ناري حول خيمتنا الأمينة

متوحشاً قلقي. تركت الريح تزحف بالرمال البكر

نحو شواطئ هدرت لسارية السفينة

يا أيها الآتي جمعت لك الحداة البائسين

تلفحوا بالصمت. واعتسفوا السكينة.!

وكما اشتكى لغيره قدم نفس الشكاية له.. فلا مطر يزيل الحر عن جسده ويغرق ما يشاء من الهضاب.. شاعرنا كان سخياً لذلك الآتي.. العيون الغامضات. وعن ذوابات الجفون في عملية مقايضة متبادلة بوهج الشباب والاقتصاص من جرحه الذي ينمو على قلق الرمال وفوق أصفاد البحار. وعبر مهمة العذاب.. من حقه أن يسأل. وأن يتساءل.!

وما اختلسه الحائك من خيوط خيمة العامرين عنوان له مفهوم اللصوصية.. سوف أختلس من شعره بعض الدلالات لتلك السرقة:

ألا أيها المستباح الخيال..

تحدق بالعامرية ليل. نهار تجدفك الريح أنى شاءت

ويمطرك الشوق ماء. ونار

ربيعاً لعينيك للذاهلين حيال انكسارك

للقارضين روايات عهد التدثر.

بالجب خلف الستار

جُننتَ. وما مارس الحب إلا الجنون

وما أظلم الليل إلا فراق النهار

أبيات موحية بصورها.. وجماليات سردها ترسم صورة للغلبة والاستلاب.. واليأس.. والشكوى..

«السفر عبر خارطة الشمس» عنوان مثير.. ماذا بشأن التفاصيل؟

كأن الثرى دمعة الأرض

والخيل كانت بكاء القفار

وكنت كمن لاقح القمح بالتوت

تنقر منه العصافير حتى

تموت. وتذوي الثمار

شاعرنا لشدة حزنه ترهل منه الحلم وسافر فوق تجاعيده.. الشيب اعشوشب على راحته حتى المدى.. وراح يتساءل متى خلق الموج في منتهاه؟ ومتى إشراقة الشمس على كل درب.. ومتى ينسج الصبح خيوط ضوئه.. استفهامات لها ما يبررها في رحلة سفر تبحث عن ضوء وعن بوصلة..

الموافي أمسك بقلمه.. حرك ريشته كي يطرح من خلالها مشاعره على صفحة الماء! أخيلة الشعراء تصنع المستحيل..

لأسمائنا كلما شهقتها المسافات

بيني وبينك للعابثين بأوراقنا الباليات

وللمطرقين لرجع الصدى أعود

لأسكب في الماء لوني ولونك

طفلان كانا يجوبان صدر الماء

يخافان حتى هسيس المدى إذا صرت وحدي

ويأخذه الشد والجذب مع عروسة أحلامه يعود إليها تارة ويطالبها أن تعود إليه.. وبين مفاصل الكلمات ورقابة عمه كانت عيونه تقض الغطاء.. ليتها غنت النجوم. وانبلج الصبح.. وعند الصباح يحمد القوم السرى..

قصائد شاعرنا كشقائق النعمان لا تكاد تفرد الواحدة منها عن الأخرى. يجمعها هم واحد.. وشكوى واحدة.. وتساؤلات تطرح هو نفسه يجيب عليها بين الحين والحين.. سأكتفي من كل عنوان ببضعة أبيات تتحدث عن المضمون.. في مقطوعته بعنوان:

«النوم في عيون الصقر» أورد بعضاً من أبياتها:

لندخل بصوتك. اسبر في ساعديك

اللذين استحثا جنوني

دبيب العزيمة بين العروق وفوق الشفاه

نحنط أنفاسنا الهاربات من الحزن..

ما بعد تحنيط الأنفاس إلا النهاية يا عزيزي.

ومن «أنشودة العراق. والسياب والمطر أجتزئ هذه الأبيات

ها أنت ترقد فوق حد السيف في صدر الفجيعة

قبرك المذعور حقل الجرح عاث به المطر

وأنا أطارحك البكاء اسبح من دمعي

على كفيك غائثين يثمر فيهما

نخل العراق مجدد الاعطاف مذعور الثمر

لا يلام النخل يا شاعرنا.. وأنت أيضا وأنت تخاطب السياب وأنت الموجع على مشهد العراق وقد اعشوشب على أرض الضجر.. والخوف: وصديد الجرح. وأوجاع البشر.

«هوامش شبابية أغفلتها الطباعة» عنوان.. يذكرنا بأبي القاسم الشابي:

إذا عالق الحرف برد الثنايا

فهبت عليه من البحر ريحا

ملوحتها غرغرت في لهاتي

إلى أن ظمئت وفي الحلق ماء

لا أكتمك القول لقد وجدت الري في أبياتك.. أنستني ظمأ الوحدة الشاقة التي كابدتها أنت

إذا الشعب يوما أراد..

ويحفر في حلقك الموت قبرا

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

سيدخلك البحر يوحل في ملحه

وأخيراً يختتم أبياته المعبرة بهذا البيت:

هنا الشعب موتا أضاع الحياة

فكيف إذا يستجيب القدر!!

فارس رحلتنا بعث بطاقة معايدة شعرية لأبي الطيب المتنبي كتب فيها:

لمن تكتب الشعر يا سيد الشعر والسادرون استراحوا؟!

ولم يحرثوا الأرض حتى نناغي السماء بكاء بكاء

فهب ماء عينيك. أو لون صوتك. أو هب لنا ما تشاء

لتسرق من وجنة الشمس وهج الرحيل

ومن عربات الثواني الزمان

ومن طعم حزنك زاد الغياب

وكن آخر الراجلين إلى الموت

أو أول النازفين الحياة

ويتساءل وقد ضخ في رحلة الاستراحة دم حياة جديدة متوهجة بمفرداتها. وأدواتها.. وحياتها

متى كان يا سيد الشعر للمجد عهد؟

وللشعراء قصور. وللشعر باب؟

لنسرق من دجنة الشمس ما سوف نخفيه بعد الغروب

وما سوف نبذره للريح في رحم هذا السحاب

واختتم رائعة ديوانه وهو يحاكي شاعر العربية المتنبي:

لزفرة بين أضلاعي تزفر مني

وميت في دمي بالموت محسود

أظل أدلج بالأحزان قافيتي

فيشرق الشعر لا فخر. ولا عيد

شعر شاعرنا شرق بريقه بعد أن جفت كلماته.. وتناثرت على صخرة القنوط.. فلا نبراته أسمعت.. ولا عبراته أوجعت.

أتجاوز بعضا من مقطوعات ديوانه «سقط سهوا» لأن المساحة المتاحة للاستراحة محدودة.

مقطع قبل أخير من قصيدته «ما نسيت جدتي من حكاية بنت النعمان».. ماذا نسيت؟

أنا هند يا جدتي فاذكريني

متى ذاب كفك في الرمل

أو غوَّرت مقلتيك الرياح

أنفتُ التوحل بالموت

حتى استقامت يداي. وغص الجباة ببالي

أخيراً مع شاعرنا الممتع حول بما لم يحفظه الرواة من شعر «عنترة العبسي»:

يا أنت يا عبلُ المتعجلة

يا طعنة العم التي تنمو على قلبي كنوار القفاز

كل الذين وهجتهم كفي عبيداً للديار

كل المسارات التي نامت بإحضاني ستأتي بالنهار

يا أنت يا عبل.. أين السراج يضي هذا الليل؟

أين الراقصون على شفاه الموت؟

بل أين الدليلة؟

إني أرى في الأفق أعناق الرجال

والصبر الأنواء في شفتيك تمطرني

يا عصار الوسيلة..

نهاية جميلة يا شاعرنا أحمد الموافي.. ورحلة أجمل وقد أخذتنا معك في تجلياتك الشعرية حداثة وأصالة. كنت فيها الفارس. والشاكي.. والمحاور اللذيذ الذي أعاد إلى الذاكرة بعض رموز شعرية خالدة حسن بنا أن نتأسى بها إطاراً ومحتوى لأنها القدوة.

الرياض ص. ب 231185

الرمز 11321

فاكس 2053338

 

استراحة داخل صومعة الفكر
سقط سهوا
سعد البواردي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة