Friday  02/09/2011/2011 Issue 14218

الجمعة 04 شوال 1432  العدد  14218

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في الأندلس كانت اللغة العربية هي اللغة السائدة والثقافة العربية هي المهيمنة، وكان المسيحيون واليهود والبربر، وغيرهم من أصحاب الملل المختلفة والأجناس المتنوعة، يتحدثون ويتعاملون باللغة العربية، وكانت الأعياد ومن ضمنها عيد الفطر أعياداً للمسلمين وغير المسلمين في تلك البلاد، يحتفلون بها احتفالاً يتناسب مع أهميتها، وكان ذلك يزيد من التآلف وتجانس المجتمع الأندلسي، وكان تبادل التحية يتم باللغة العربية، كما أن القصائد تلقى في تلك المناسبة باللغة العربية، يلقيها المسلمون والمسيحيون واليهود.

كانت اللغة العبرية في ذلك الزمان لغة معابد فقط، ولم تكن لغة حية يتحدث بها الناس أو تبنى بها قصائد منذ أن اندثرت كلغة مخاطبة.

وفي عصر الطوائف كان هناك حاكم لغرناطة من أصل بربري يقال له باديس، وقد استوزر يهودياً سلمه مقاليد حكمه يقال له صاموئيل ابن النفريلة، وكان هذا الوزير عالماً فاحش الثراء بحكم مركزه، ومن أسرة يهودية عريقة، وكان محباً لبني دينه عطوفاً عليهم، حريصاً على دينه ومخططاً للرفع من شأنه، وكان في صراع فلسفي وجدل دائم مع العلامة أبو محمد علي بن حزم صاحب كتاب الملل والنحل، والمحلى، وطوق الحمامة، ورسائل عديدة، من ضمنها رسائله إلى صاموئيل ابن النفريلة، وقد ألف عددا من الكتب تربو على أربعمائة كتاب، أحرق جلها ولم يصلنا منها إلا القليل جداً، وكان الفرق بينهما في ذلك الوقت كثيرا، فابن حزم مع علمه ووزارته السابقة إلا أنه كان مغضوباً عليه من أصحاب ملته لاختلافه مع المذهب المالكي الذي كان سائداً في ذلك الزمان وما زال، سائداً في المغرب العربي، ولم يرون فيه عالم زمانهم، بينما كان صاموئيل ابن النفريلة وزيراً مسيطراً سيطرة تامة على مقاليد الحكم وقائداً للجيش المسلم وثرياً ثراءً ظاهراً.

ومن العجب أن يستطيع هذا الوزير اليهودي لدولة إسلامية المتمكن من اللغة العربية والثقافة العربية أن يحول اللغة العبرية لغة المعابد إلى لغة حية يتحدث بها الناس ويكتب بها الشعر، ولولاه بعد الله لظلت اللغة العبرية مقتصرة على الاستخدام في المعابد.

يقول ماريا روزا هينوكال في كتابه (الأندلس العربية إسلام الحضارة وثقافة التسامح): للمرة الأولى منذ آلاف السنين تخرج العبرية من المعابد، وتصبح متعددة الاستعمالات مثل العربية، اللغة الأم لليهود الأندلسيين، كان أقرب إلى المعجزة أن تتمكن العبرية من جديد من نظم شعر حي، قد نقول إنه عريق، وقد تأتى ذلك من أن العديد من اليهود الذين ازدهروا في الخلافة العربية التي كانوا يحسون أنهم ينتمون إليها، وجدوا أنفسهم الآن في عالم مختلف تماماً عن السابق، بعيداً عن خلافة قرطبة، اكتشفوا من جديد موروثهم الخاص الذي كان مستتراً منذ زمن، ورأوا أن لغة ربهم تستحق، مثل لغة المسلمين التي اشتركوا معهم فيها منذ زمن، وأن تتجاوز حدود الصلاة، كان اليهود الورعون يعشقون شعر الغزل في العربية، وهو الشعر الذي كان المسلمون المتدينون يحبون إنشاده، وإنه لمن السخرية أن نلاحظ أنه في القرن الحادي عشر، كان من الممكن إعادة اكتشاف نص توراتي، مثل نشيد الإنشاد بحمولته الايروسية القوية، وتذكروا الزمن الذي خرجت فيه العبرية من المعابد اليهودية لتغدي شعراً كان يتعارض أحياناً مع التعاليم التي كانت تنشرها هذه المعابد حين أعلن ابن النفريلة أنه (داوود الأزمنة الجديدة) لم يكن يجهل مغزى كلامه، لقد كان على رأس جيش، مسلم وكان، زيادة على هذا، بطل طائفته وزعيمها، وجائزاً عنده أن يعود إلى دياره الإسلامية ويروي مغامرته شعراً، لم يقتصر على المعارك والقتال، ونظم من بين ما نظم، قصائد غزلية بلغة داوود الأزمنة القديمة.

قاد صاموئيل جيوشه وألهم الشعراء بقوة شخصيته، غير أن الثروة الشعرية للعبرية، التي كان هو محركها، لم تكن حالة معزولة بل العكس من ذلك، ولم يكن صاموئيل ابن النفريلة مخالفاً لما هو عليه الحال في عالم الطوائف القرن الحادي عشر، وبالفعل كان أحد المؤثرين في الشعر الطليعي الحديث، الذي تم تبنيه في ذلك الوقت في لغات شفوية، أي ما نسميه اللغات المحلية.

وقد هزت عالمه اضطرابات وتمردات وفتن، وتتواجه فيها عشرات المدن المتناحرة، وكأن اللغات المحلية، التي سميت شعرياً أيضاً (اللغة المشتركة) تردد الصدى على المناوشات المستمرة بين الطوائف المتناحرة، فتتمرد على الهيمنة التي مارستها منذ أمد بعيد التقاليد المكتوبة على الأدب والشعر قبل الإسلام.

لقد كانت اللغة العربية لغة حية، وظلت كذلك بعد الإسلام، وزادها إشراقاً، بينما ترنحت الكثير من اللغات.

 

نوازع
العربية والعبرية
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة