Thursday  08/09/2011/2011 Issue 14224

الخميس 10 شوال 1432  العدد  14224

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

التغيير سنة كونية، والتطور حتمية لا مفر من التسليم لها، والخضوع لمقتضياتها بغض النظر عن فلسفة هذا التطور ومظاهره. والمدن بوصفها محاضن للوجود الإنساني والعيش البشري والكتل المجتمعية، هي أحد وجوه ومحاضن الحياة التي يمكن تلمُس التغيير والتطور من خلالها.

* وللمدن ذاكرة ووجدان ليس بالمعنى المجازي المفرغ من الجوهر؛ وإنما بالدلالة الحقيقية التي تمثلها المدن ومكوناتها، ومجريات الفعل الإنساني فيها خلال الحقب والتواريخ المتوالية. وممارسة الإنسان وفعاليته في تكوين موجودات المدن ومحتوياتها؛ تكوينها وهندستها وإعمارها وإنمائها.

* وفي بعض مدننا تكاد تغيب أوتنطفئ ذاكرة المدن، وتنحصر أحياناً في إرادة رئيس بلدية أو أمين منطقة، وجيش من المخططين المحتشدين بنظريات هندسية وحماس للتطوير؛ أفكار مجردة، لاتضع في اعتبارها المحتوى الثقافي والمعرفي للمدن وخصائصها التاريخية، وجوهرها الإنساني، سير حياتها؛ ولادتها ونشأتها، وتحولاتها، والمبرزين من أبنائها الذين تركوا فيها آثارهم، سماتها وعلاماتها الفارقة، كينونتها المعبرة عن انتمائها لمحيطها وبيئتها الاجتماعية.

* في منطقة جدة التاريخية (القديمة) وحاراتها العتيقة حس إنساني يعبر عن الجوهر الحقيقي لهذه المنطقة؛ (تاريخيتها) مكوناتها الأصيلة، أنماط بنائها، وتشكلاتها المعمارية، ونظامها الهندسي، أزقتها وممراتها، برحاتها، وأتاريكها، ومقاهيها وحوانيتها، ورواشيها، تقاليد حياتها؛ طابعها القديم الذي لم يقف حائلاً دون الرغبة في التطوير، وإرادة التغيير ومراعاة العصر وظروفه وحتمياته؛ لأن ثمة وعيا-من لدن القيِّم على أمرها- بالقيمة الثقافية لذلك الإرث القديم والمكونات العتيقة، ومعالم الماضي وعناصره الحية، ولأن ثمة وعيا لديه بالقيمة السياحية لجدة وموقعها الإستراتيجي؛ بوصفها بوابة لمكة المكرمة والمدينة المنورة.

* وعندما بدأ الاهتمام بإعادة تأهيل هذه المنطقة؛ كان ثمة حرص على الاحتفاظ بمكوناتها الأصيلة التي هي الوجه المشرق الذي يحرص السائح والزائر على مشاهدته، ناهيك عن القيمة الاقتصادية والاجتماعية ومضافاتها التي يمكن استخلاصها من تطوير لا يُختزل في هدم ورصف وإعمار إسمنتي لا يعبأ بالطبيعة الثقافية للمكان.

* تجربة إعادة التأهيل هذه.. تحفظ ما تبقى من ذاكرة المكان، حتى لا تتحول مدننا إلى كانتونات للتسوق ومشهد كبير للمنتجات الاستهلاكية، والمستوردات العصرية. وحتى لاتتحول إلى محض مدن مصرفية تلهث خلف غول الثراء السريع، وحتى لا نتحول نحن إلى كائنات إلكترونية بلا معنى.

md1413@hotmail.com
 

ذاكرة المدن
محمد الدبيسي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة