Thursday  08/09/2011/2011 Issue 14224

الخميس 10 شوال 1432  العدد  14224

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

أطباق طائرة
طارق السياط

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الناس كالقطارات: بعضها أنيق وجميل، بيد أنه قد لا يأخذنا صوب وجهتنا المرجوّة، وبعضها مهترئ وعتيق، لكن من المحتمل أن يكون هو الذي سيذهب بنا نحو المحطة الصحيحة. نحن لا ندري على وجه القطع أي قطار سيقلنا نحو السعادة. إنما حياتنا فيض من الخسائر الفادحة، وحزمة من الفرص التي ضائعة هباءً منثورا، -أيضا- بالضبط كما قطار للتوّ فارق الرصيف، دون أن نفلح في القبض عليه. يا له من رقم، حين نفكر بعدد القطارات والطائرات والسفن والحافلات التي غادرتنا وهي تُقلّ على متنها قصصا افتراضية لا تنتهي من مشاريع الهناء الموءودة. وهكذا تغدو الأرصفة وطنا تستعمره حياتنا، ويغدو الآخرون ركابا يرمقوننا خلال زجاج نافذةٍ عابرة.

تهدي لنا الحياة أجمل المصادفات، فنقذف بها في مهاوي الصدود. قد يقرع الحظ السعيد أبوابنا مرارا، وأحيانا يكون قرعه على نحو خافت، إلا أننا نضرب عنه صفحا، مخلصين للروتين الرتيب، رغم أن تلك القرعات ما هي سوى موسيقى السعادة الجديدة، وأغنية الفرح الموعود.

إن أعرق أسلاف الحرمان ثلاثة: العنجهية، والتقليد، والخشية. إذ يعرض الناس عن هدايا القدر السانحة تحت طائل الغطرسة، أو لدواعي توقير المألوف، أو مخافة التغيير. ولو أفصح الغيب لنا عن مكنون خسائرنا التي ما كان ينبغي لها أن تقع، لجررنا طويلا أذيال الندامة.

يزهد الناس في الفرص، كما لو كانوا على الأرض خالدين، ويتناسون أن دولاب الحياة الذي دءوب، ووشيك النفاد، يصيّر فرص الحياة المترعة أنفس من تبديدها بحماقة.

على قدر المثالية يكمن الحرمان، وعلى قدر الإذعان للسائد تكون المثالية. من عادتهم، لا يحبذ الناس الفرص التي تهديهم إياها الحياة على طبق مباغت لم تجر دعوتهم إليه، وإنما -بالمقابل- يجنحون إلى الأطباق المعدة سلفا، أو ربما يودّون طهي الأطباق من تلقاء أنفسهم. لكن ليس دوما تنتهي كل الأطباق بالنكهة التي يرمي إليها الطاهي. حين تؤول بنا الحياة صوب النهاية، فإن عبئا متينا سيكون قابعا يتربّص بضمائر كثير من الأنفس التي فرطت في جنب الناس.

ts1428@hotmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة