Saturday  10/09/2011/2011 Issue 14226

السبت 12 شوال 1432  العدد  14226

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الحمد لله والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، حينما تكون المسألة الشرعية محل إجماع من علماء المسلمين، والنصوص فيها واضحة بينة كمسألة عدم الاعتبار بالحساب في دخول الشهر وخروجه يكون القول الآخر فيها شاذاً لا عبرة به، بل ويكون التعبد به بدعة في دين الله، وبذلك صرح شيخ الإسلام رحمه الله في قوله: (والمعتمد على الحساب في الهلال، كما أنه ضال في الشريعة،

مبتدع في الدين، فهو مخطئ في العقل وعلم الحساب..).

وقد حكى الإجماع على عدم العبرة بالحساب الفلكي ولا بالحسابين جماعة من العلماء من مذاهب فقهية من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، فممن حكى الإجماع الجصاص(1) وابن المنذر(2)، وابن عبدالبر (3)، وابن رشد(4)، وابن القطان(5)، وشيخ الإسلام ابن تيمية(6) وابن حجر(7) رحمهم الله جميعاً.

قال ابن تيمية رحمه الله: (فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة. وقد أجمع المسلمون عليه، ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما إتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم)(8). هذا من جهة العمل بالحساب وما يقوله الحسابون: وأما ما يذكره بعضهم من أنّا لا نعتمد على الحساب ولكن نشترط في الشهادة أن ينفك عما يكذبها بحيث لو قال الفلكيون لا يولد الهلال في هذه الليلة، أو يولد لكن تستحيل رؤيته فهذا التفصيل مردود أيضاً لأنه قول محدث لم يعرف قبل السبكي -رحمه الله- حتى قال هو في فتاويه:(9) (لم نجد هذه المسألة منقولة، لكنا تفقهنا)، فهل القرون المفضلة وما بعدها إلى عصر السبكي قد ضلوا الطريق في إثبات دخول ركن من أركان إسلامهم.

ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن أغمى عليكم فاقدروا له)، فهذا نص في إيجاب الصوم حين الرؤية.

وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وخنس إبهامه في الثالثة)؛ قال القرطبي رحمه الله: (وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)، أي: (لم نكلف في تعرف مواقيت صومنا ولا عباداتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة، وإنما ربطت عباداتنا بأعلام واضحة، وأمور ظاهرة، يستوي في معرفة ذلك الحساب وغيرهم)(10).

بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (قوله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) هو خبر تضمن نهياً، فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته هي الأمة الوسط أمية لا تكتب ولا تحسب. فمن كتب أو حسب أو لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم. بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين الذين هم هذه الأمة فيكون قد فعل ما ليس من دينها والخروج عنها محرم منهي عنه فيكون الكتاب والحساب المذكوران محرمين منهياً عنهما.. فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنّا أيتها الأمة الأمية لا نكتب هذا الكتاب ولا نحسب هذا الحساب فعاد كلامه إلى نفي الحساب والكتاب فيما يتعلق بأيام الشهر الذي يستدل به على استسرار الهلال وطلوعه)(11).

أما دعوى لا تقبل الشهادة حتى تنفك عما يكذبها وتطبيقها هنا فهذا خطأ في التطبيق من جهة، ومصادم للشرع من جهة ثانية فإن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم على الرؤية مع وجود هذا الاعتراض في زمانه ووجود الذين يحسبون ومع ذلك أسقط هذا الاعتراض وعلق الأمر على شهادة الشهود الثقات ثم لو قال الفلكيون تستحيل رؤية الهلال مع ولادته وجاء للشهادة إمامان من أئمة المسلمين وعلمائهم وشهدوا برؤيته ولهما من الثقة والمكانة ما لهما أترد شهادتهما ويقال: إنكما لم تريا الهلال، وهم يشهدون بالله على رؤيته سبحان الله.

ثم زعم أهل الفلك والحساب أنه لا يرى هذا لا دخل لهم فيه، فغاية أمرهم أن يقولوا يولد الهلال أو لا يولد؛ لأن الرؤية تختلف من شخص لآخر ومن مكان لآخر، فالجزم باستحالة الرؤية ونشر القول بأنه لا يمكن أن يرى الهلال البتة مع أنه جهل فهو مخالف للواقع، ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: (الرؤية لا تنضبط بأمر حسابي وإنما غاية الحساب منهم إذا عدل أن يعرف كم بين الهلال والشمس من درجة وقت الغروب مثلاً؛ لكن الرؤية ليست مضبوطة بدرجات محدودة فإنه تختلف باختلاف حدة النظر وكلاله وارتفاع المكان الذي يتراءى فيه الهلال وانخفاضه وباختلاف صفاء، الجو وكدره، وقد يراه بعض الناس لثماني درجات وآخر لا يراه لثنتي عشرة درجة؛ ولهذا تنازع أهل الحساب في قوس الرؤية تنازعاً مضطرباً وأئمتهم: كبطليموس لم يتكلموا في ذلك بحرف لأن ذلك لا يقوم عليه دليل حسابي)(12).

وقال: (كونه يرى أو لا يرى فهذا أمر حسي طبيعي ليس هو أمراً حسابياً رياضياً، وإنما غايته أن يقول: استقرأنا أنه إذا كان على كذا وكذا درجة. يرى قطعاً أو لا يرى قطعاً. فهذا جهل وغلط؛ فإن هذا لا يجري على قانون واحد لا يزيد ولا ينقص في النفي والإثبات، بل إذا كان بعده مثلاً عشرين درجة فهذا يرى ما لم يحل حائل، وإذا كان على درجة واحدة فهذا لا يرى، وأما ما حول العشرة فالأمر فيه يختلف باختلاف أسباب الرؤية من وجوه. أحدها: أنها تختلف وذلك لأن الرؤية تختلف لحدة البصر وكلاله، فمع دقته يراه البصر الحديد دون الكليل، ومع توسطه يراه غالب الناس، وليست أبصار الناس محصورة بين حاصرين، ولا يمكن أن يقال: يراه غالب الناس ولا يراه غالبهم، لأنه لو رآه اثنان علق الشارع الحكم بهما بالإجماع وإن كان الجمهور لم يروه، فإذا قال: لا يرى بناءً على ذلك كان مخطئاً في حكم الشرع، وإن قال: يرى بمعنى أنه يراه البصر الحديد. فقد لا يتفق فيمن يتراءى له من يكون بصره حديداً فلا يلتفت إلى إمكان رؤية من ليس بحاضر. السبب الثاني: أن يختلف بكثرة المترائين وقلتهم فإنهم إذا كثروا كان أقرب أن يكون فيهم من يراه لحدة بصره وخبرته بموضع طلوعه والتحديق نحو مطلعه وإذا قلوا: فقد لا يتفق ذلك فإذا ظن أنه يرى قد يكونون قليلاً فلا يمكن أن يروه وإذا قال: لا يرى فقد يكون المتراءون كثيراً فيهم من فيه قوة على إدراك ما لم يدركه غيره. السبب الثالث: أنه يختلف باختلاف مكان الترائي فإن من كان أعلى مكاناً في منارة أو سطح عال أو على رأس جبل ليس بمنزلة من يكون على القاع الصفصف أو في بطن وادٍ. كذلك قد يكون أمام أحد المترائين بناء أو جبل أو نحو ذلك يمكن معه أن يراه غالباً وإن منعه أحياناً وقد يكون لا شيء أمامه.. السبب الرابع: أنه يختلف باختلاف وقت الترائي وذلك أن عادة الحساب أنهم يخبرون ببعده وقت غروب الشمس وفي تلك الساعة يكون قريباً من الشمس فيكون نوره قليلاً وتكون حمرة شعاع الشمس مانعاً له بعض المنع فكلما انخفض إلى الافق بعد عن الشمس فيقوى شرط الرؤية ويبقى مانعها فيكثر نوره ويبعد عن شعاع الشمس فإذا ظن أنه لا يرى وقت الغروب أو عقبه فإنه يرى بعد ذلك ولو عند هويه في المغرب وإن قال: إنه يضبط حاله من حين وجوب الشمس إلى حين وجوبه فإنما يمكنه أن يضبط عدد تلك الدرجات لأنه يبقى مرتفعاً بقدر ما بينهما من البعد أما مقدار ما يحصل فيه من الضوء وما يزول منلشعاع المانع له فإن بذلك تحصل الرؤية بضبطه على وجه واحد -يصح مع الرؤية دائماً أو يمتنع دائماً- فهذا لا يقدر عليه أبداً وليس هو في نفسه شيئاً منضبطاً.

السبب الخامس: صفاء الجو وكدره.. هذه الأسباب التي ليس شيء منها داخلاً في حساب الحاسب فكيف يمكنه مع ذلك يخبر خبراً عاماً أنه لا يمكن أن يراه أحد حيث رآه على سبع أو ثماني درجات أو تسع أم كيف يمكنه يخبر خبراً جزماً أنه يرى إذا كان على تسعة أو عشرة مثلاً. ولهذا تجدهم مختلفين في قوس الرؤية: كم ارتفاعه...)(13).

* * *

(1) أحكام القرآن (1-280).

(2) فتح الباري (4-123).

(3) التمهيد (14- 352).

(4) بداية المجتهد (1-283).

(5) الإقناع (1-228).

(6) الفتاوى (25-132).

(7) فتح الباري (4-123).

(8) الفتاوى (25-132و133).

(9) (1-211)

(10) المفهم (4-161).

(11) الفتاوى (25-164 و165).

(12) الفتاوى (25 - 207).

(12) الفتاوى (25 - 186 وما بعدها).

(13) (1-160).

(*)عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء

 

يا أهل الفلك تعالوا إلى كلمة سواء (1-2)
د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة