Saturday  10/09/2011/2011 Issue 14226

السبت 12 شوال 1432  العدد  14226

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

رحم الله معالي الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمة واسعة
د. فهد بن عبدالرحمن السويدان

رجوع

 

توفي الشيخ العلاّمة عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل (رئيس الهيئة الدائمة لمجلس القضاء الأعلى المتقاعد). يوم الثلاثاء 8-10-1432هـ 6-9-2011 في مدينة الرياض، صلِّي على الفقيد في مسجد الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة العصر يوم الأربعاء الموافق 9-10- 1432 هـ 7-9- 2011 وتحتضن الأرض جسد هذا العالِم الجليل في مقبرة أم الحمام، ثمانية وتسعون عاماً قضاها في الطاعة والعلم والعمل، نحسب صاحبها على علم وخلق عظيم،..

وُلد العلاّمة الشيخ ابن عقيل في مدينة عنيزة عام 1335 هـ ونشأ في كنف والده عبدالعزيز العقيل الذي يُعَد من علماء وأدباء وشعراء عنيزة المشهورين، فكان والده هو معلِّمه الأول.

ودرس العلوم الأولية في مدرسة الأستاذ ابن صالح، ثم في مدرسة الداعية المصلح الشيخ عبدالله القرعاوي. وحفظ الشيخ عبدالله القرآن الكريم، وعدداً من المتون مثل: عمدة الحديث، ومتن زاد المستقنع، وألفية ابن مالك في النحو.. وغيرها.

والتحق بحلقات شيخ عنيزة وعلاّمة القصيم الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، فتعلّم عليه القرآن الكريم والتفسير والتوحيد والحديث والفقه واللغة... وغيرها. كما استفاد الفقيد من مشايخ عنيزة الموجودين في ذلك الوقت مثل: الشيخ علي بن ناصر أبو وادي، فقرأ عليه: الصحيحين والسنن ومسند أحمد ومشكاة المصابيح، وأخذ عنه الإجازة بها بسنده العالي عن شيخه محدّث الهند نذير حسين.

ولازم الشيخ عبدالله ابن عقيل في الوقت الذي عمل فيه قاضياً في الرياض، سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي عام الديار السعودية سابقا رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته واستفاد منه علمياً.

كما استفاد الشيخ عبدالله من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم في العمل معه عضواً في دار الإفتاء لمدة خمسة عشر عاماً، فاستفاد من أخلاقه وحسن تدبيره وسياسته مع الناس، واستفاد الشيخ من العلماء الأجلاّء الوافدين لمدينة الرياض أمثال الشيخ العلاّمة محمد الأمين الشنقيطي والشيخ عبدالرزاق عفيفي وغيرهما.

وظائفه العملية:

اختير الشيخ عبد الله عام 1353هـ وهو في مطلع شبابه مع المشايخ الذين أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - بابتعاثهم قضاة ومرشدين في منطقة جيزان، فكان نصيب الشيخ عبد الله مع عمه الشيخ عبد الرحمن بن عقيل - قاضي جازان - أنْ عمل ملازمًا وكاتبًا، مع ما كان يقوم به من الإمامة، والخطابة، والحسبة، والوعظ، والتدريس.

وفي تلك الفترة وأثناء مكوثه في جازان خرج مع الهيئة التي قامت بتحديد الحدود بين المملكة واليمن، حيث ظلّت تتجوّل بين الحدود والقبائل الحدودية بضعة أشهر من سنة 1355هـ.

وفي عام 1357هـ رجع الشيخ إلى وطنه عنيزة، ولازم شيخه ابن سعدي مرة أخرى بحضور دروسه ومحاضراته حتى عام 1358هـ، حيث جاءت برقية من الملك عبد العزيز - رحمه الله - لأمير عنيزة بتعيين الشيخ لرئاسة محكمة جازان خلفاً لعمه عبد الرحمن، فاعتذر الشيخ - رحمه الله - عن ذلك؛ فلم يُقبل عذره، فاقترح على الشيخ عمر ابن سليم التوسط بنقل قاضي أبي عريش الشيخ محمد بن عبد الله التويجري من أبي عريش إلى جازان، ويكون هو في أبي عريش، فهي أصغر حجمًا وأخف عملاً، فراقت هذه الفكرة للشيخ عمر ابن سليم؛ فكتب للملك عبد العزيز - رحمه الله -، الذي أصدر أوامره بذلك. ومن ثَمَّ سافر الشيخ عبد الله بن عقيل إلى أبي عريش مباشرًا عمله الجديد في محكمتها مع القيام بالتدريس والوعظ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان ذلك في رمضان من سنة 1358هـ.

وفي سنة 1359هـ نقل الشيخ عبد الله إلى محكمة فرسان، لكنه لم يدم هناك طويلاً، فما لبث أن أعيد إلى محكمة أبي عريش مرة أخرى ليمكث فيها قاضياً مدة خمس سنوات متتالية.

وفي رمضان سنة 1365هـ نقل الشيخ بأمر من الملك عبد العزيز إلى محكمة الخرج، وذلك باقتراح من الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ولم يدم مكوث الشيخ عبد الله في محكمة الخرج إلا قرابة السنة، حيث تم ترفيعه إلى المحكمة الكبرى في الرياض، وقد كان ذلك في شوال سنة 1366هـ.

ظل الشيخ قاضياً في الرياض حتى سنة 1370هـ، إلى أن أمر الملك عبد العزيز بنقله قاضياً لعنيزة مسقط رأسه، ومقر شيخه الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي، ولم يمنعه موقعه - وهو قاضي عنيزة - من متابعة دروسه العلمية، والاستفادة منه طيلة المدة التي مكث فيها بعنيزة، وقد أشرف خلال هذه الفترة على إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة عنيزة.

وقد ظلّ الشيخ قاضيًا لعنيزة حتى سنة 1375هـ، وفي تلك الأثناء افتتحت دار الإفتاء في الرياض برئاسة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعيّن الشيخ عبد الله بن عقيل عضوًا فيها بأمر الملك سعود، وباشر عمله في رمضان سنة 1375هـ.

وكان تعيين الشيخ في دار الإفتاء فرصة عظيمة له لملازمة العلاّمة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والاستمرار في الاستفادة منه.

وأثناء عمل الشيخ عبد الله في دار الإفتاء أصدر مجموعة من العلماء برئاسة سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم صحيفة إسلامية سمِّيت بالدعوة، وكانت فيها صفحة للفتاوى، تولّى الإجابة عليها أول أمرِها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، ثم وكّل للشيخ عبد الله بن عقيل تحريرها، والإجابة على الفتاوى التي تَردُ من القرّاء، وقد جُمعت هذه الفتاوى وطُبعت في مجلّدين باسم: (فتاوى ابن عقيل).

وبعد وفاة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رئيس القضاة - أمر الملك فيصل بتشكيل لجنة للنظر في المعاملات الموجودة في مكتبه؛ فترأس الشيخ عبد الله تلك اللجنة، التي سمِّيت اللجنة العلمية، وقد ضمّت في عضويتها كلاً من الشيخ محمد بن عودة، والشيخ راشد بن خنين، والشيخ عبد الله بن منيع، والشيخ عمر المترك.

وفي عام 1391 وبعد أن أنهت اللجنة العلمية أعمالها انتقل الشيخ عبد الله بن عقيل بأمر من الملك فيصل إلى عضوية هيئة التمييز، بمعيّة كل من الشيخ محمد بن جبير، والشيخ محمد البواردي، والشيخ صالح بن غصون، والشيخ محمد بن سليم، ورئيسهم الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد.

وفي عام 1392هـ تشكّلت الهيئة القضائية العليا برئاسة الشيخ محمد بن جبير، وعضوية الشيخ عبد الله ابن عقيل، والشيخ عبد المجيد بن حسن، والشيخ صالح اللحيدان، والشيخ غنيم المبارك.

وفي أواخر عام 1393هـ انتقل عمل الشيخ من الهيئة القضائية العليا إلى مجلس القضاء الأعلى الذي تشكّل برئاسة وزير العدل في ذلك الوقت الشيخ محمد الحركان، حيث تعيّن فيه الشيخ عبد الله عضوًا، إضافة إلى عضويته في الهيئة الدائمة لمجلس القضاء الأعلى.

ثم عيِّن الشيخ رئيساً للهيئة الدائمة في مجلس القضاء الأعلى إثر انتقال الشيخ محمد الحركان إلى رابطة العالم الإسلامي، وتعيين الشيخ عبد الله بن حميد خلفًا له في رئاسة المجلس، كما كان الشيخ عبد الله ابن عقيل يترأس المجلس الأعلى للقضاء نيابة عن الشيخ عبد الله بن حميد أيام انتدابه، وأيام سفره للعلاج.

وقد اختير الشيخ عبد الله ابن عقيل لعضوية مجلس الأوقاف الأعلى إبّان إنشائه في سنة 1387هـ، واستمر في عضويته إلى جانب أعماله التي تقلّدها حتى بلغ السن النظامية للتقاعد في سنة 1405هـ، ثم مدد له لعام واحد.

ولم يكن التقاعد عن العمل الوظيفي تقاعدًا عن الأعمال عند الشيخ - رحمه الله - فترأس الهيئة الشرعية التي أنشئت للنظر في معاملات شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، ومن ثم تصحيح معاملاتها بما يوافق الشريعة، وكانت اللجنة تضم في عضويتها كُلاَّ من الشيخ صالح الحصين - نائبًا للرئيس- والشيخ مصطفى الزرقاء، والشيخ عبد الله ابن بسام، والشيخ عبد الله ابن منيع، والشيخ يوسف القرضاوي. وقد تولّى أمانة هذه اللجنة الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله ابن عقيل.

ولما عرض على هيئة كبار العلماء بالمملكة موضوع تحديد حرم المدينة النبوية، رأى المجلس الاكتفاء بقرار اللجنة العلمية الأسبق المؤيَّد من سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم، والتي كان الشيخ عبد الله ابن عقيل - رحمه الله - مندوباً عنه فيها، وقد رأى مجلس كبار العلماء تشكيل لجنة جديدة لتعيين الحدود على الطبيعة تضم - بالإضافة إلى الشيخ عبد الله ابن عقيل - كلاًّ من الشيخ عبد الله البسام، والشيخ عبد الله بن منيع، والشيخ عطية محمد سالم، والشيخ أبو بكر الجزائري، والسيد حبيب محمود أحمد، وقد تولى الشيخ عبد الله رئاسة هذه اللجنة، كما تولى سكرتارية اللجنة الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله بن عقيل.

وقد فرَّغ الشيخ عبد الله نفسه - منذ أن تقاعد عن العمل الرسمي - للعلم وأهله وطلبته، فلا تكاد تجده إلا مشغولاً بالعلم تعلمًا وتعليمًا، بالإضافة إلى إجابة المستفتين حضوريًّا وعلى الهاتف، رحمه الله رحمة واسعة

آثاره العلمية:

لم يشتغل سماحة الشيخ بالتصنيف نظراً لكثرة تنقُّلاته وانهماكه في الأعمال الوظيفية، والتدريس، ومراجعة المناهج التعليمية، وتأسيس الأنظمة القضائية والعدلية، ورغم هذا الانشغال إلاّ أنّ لسماحته - رحمه الله - بعض الآثار.

فمن آثار سماحته المطبوعة:

- فتاوى ابن عقيل، في مجلّدين.

- الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة. وهي الرسائل الشخصية العلمية المرسلة من الشيخ عبد الرحمن السعدي إلى تلميذه الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، ومسائل أخرى. اعتنى بها: هيثم بن جواد الحدّاد.

- كشكول ابن عقيل، حكم ونوادر وألغاز وأقاويل. اعتنى بإخراجه: عبد الرحمن بن علي العسكر.

- مجموع فيه من آثار سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل في الذكريات والتاريخ والتراجم. جمع وإعداد: محمد زياد التكلة.

- إدراك المطالب بحاشية ابن عقيل على دليل الطالب. جمع وترتيب: الدكتور وليد المنيس.

- تحفة القافلة في حكم الصّلاة على الرّاحلة. اعتنى بها: عبد الرحمن بن علي العسكر.

- الشّيخ عبد الرّحمن السّعدي كما عرفتُه. اعتنى بها: عبد الرحمن بن علي العسكر.

- الإجازة الوفية بالأسانيد اليمنية العلمية لعالم الديار النجدية. وهي إجازة الشيخ القاضي المعمر عبد الله بن علي العمودي لسماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل. باعتناء: محمد زياد بن عمر التكلة.

- التراث في ما ورد في عدد السبع والثلاث. اعتنى بها: راشد بن خليفة الكليب.

ومن آثار سماحته المخطوطة:

- ترجمة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عقيل.

- مراسلات ابن عقيل. (وهي مراسلات سماحته مع الملوك والعلماء والقضاة والأمراء والوزراء والأدباء وغيرهم).

- الترجمة الذاتية. (وهي ترجمة موسعة لسماحته).

- شرح كتاب: (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين) لشيخه عبد الرحمن السعدي.

- مجموع الفوائد المنثورة. (وهي فوائد علمية في مختلف الفنون)، دوّن الشيخ أكثرها أثناء طلبه العلم على شيخه ابن سعدي).

الشيخ عبد الله ابن عقيل والتدريس:

من توفيق الله لشيخنا أنْ حبّب إليه التدريس منذ الصغر - رحمه الله -، فأمضى أكثر من سبعين سنة وهو يدرس رغم عمله في القضاء مدة طويلة، وقد زاد نشاطه في مجال التدريس بعد تقاعده، حيث فتح بيته للطلاب في غالب أوقات اليوم، فبرنامجه يبتدئ من بعد صلاة الفجر مباشرة إلى ما بعد الشروق، ثم يدخل ليستريح، ثم يخرج الضحى ويدرس إلى الظهر ثم بعد الظهر، ثم يستريح، ثم يدرس بعد صلاة العصر، ثم يستريح، ثم يدرس بعد المغرب إلى أذان العشاء، وبين الأذان والإقامة في مسجده، ثم بعد صلاة العشاء في بيته، كل ذلك - من فضل الله عليه - في همة ونشاط تفوق همم الشباب ونشاطهم، وقد استفاد كثير من الطلاب من سماحته، وقرئت عليه كتب كثيرة في شتى الفنون، منها المختصر ومنها المطول، وتخرّج عليه كثيرون - رحمه الله -.

أضف إلى ذلك المجالس الحديثية التي كان يعقدها.

وأما طريقة شيخنا في التدريس، فإنه انتهج الطريقة التي كان عليها علماء نجد قديماً، وهي أن الطالب يحضر الكتاب ويقرأ على الشيخ، ثم بعد ذلك يقوم الشيخ بشرح الجزء المقروء، ثم يأتي طالب آخر، وهكذا.

أخلاق كريمة ومزايا حميدة، يغبطه عليها كلُّ من يعرفه، متواضع للكبير والصغير، وللعالِم والمتعلِّم، يعطف على الطلبة، ويسأل عن أحوالهم، يدعوهم إلى مائدته، ويسبغ عليهم من غزير علمه، متواضع للحقّ، متودّد للخلق، حريص على نفع طلاّبه ولو على حساب صحته، راجح العقل، قويّ الذاكرة، منبسط الوجه، باذل للمعروف، كافّ للأذى، وسع الناس بأخلاقه العالية العذبة، عالم عامل، كالبحر لا تكدّره الدلاء.

تراه إذا ما جئته متهلّلا

كأنّك تعطيه الذي أنت سائله

نحسبه كذلك، والله حسيبه، ولا نزكّي على الله أحداً.

فعزائي ومواساتي لجميع أسرة الفقيد ومحبيه وأصدقائه وزملائه وجيرانه وتلاميذه.

سائلاً الله أن يلهم الجميع الصبر والسلوان وأن يرحمه الله رحمة الأتقياء الأبرار وأن يبارك في خلفه {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. وإنا على فراقك يا شيخ عبدالله لمحزنون.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة