Monday  12/09/2011/2011 Issue 14228

الأثنين 14 شوال 1432  العدد  14228

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يروي توماس فريدمان أسطورة الشيخ البدوي الذي سُرق ديكه فطلب من أولاده البحث عنه وإعادته، لكنهم استصغروا الأمر وتجاهلوه.. وبعد شهر سرق جمل الشيخ، فسأله أولاده ماذا ينبغي أن نفعل؟ فقال: اعثروا على الديك! لكنهم لم يفعلوا شيئا. وبعد أسابيع، تعرضت ابنة الشيخ للاغتصاب.

فقال الأب لأولاده: إن كل ذلك بسبب الديك. عندما رأوا أنهم يستطيعون أخذ ديكي، فقدنا كل شيء. قصة فريدمان في مقال مشهور بعد اعتداءات 11 سبتمبر بعنوان «أكثر جنوناً منكم»، مؤكداً أن الاعتداءات حصلت لأن أمريكا «فقدت قدرتها الردعية. لقد فقدناها لأننا خلال عشرين عاماً لم ننتقم ولم نجلب للعدالة أولئك الذين قتلوا الأمريكان.» محرضاً بلاده من أجل عمل قاس ومجنون ضد دول محور الشر (العراق، إيران، كوريا الشمالية) رغم أن لا علاقة لهذه الدول بالقاعدة! لاحظ أن فريدمان الذي يريد عملاً «أكثر جنوناً» يُنظر إليه في أمريكا على أنه من العقلاء الذين يواجهون انفعال عاطفة الرأي العام بالرزانة ويجنحون للسلم في وقت الصدامات!!

من أين أتى هذا الجنون؟ لقد كانت أمريكا تعيش ما يسميه الخبراء النفسيون أعراض الضغط العصبي التي تلي صدمة نفسية، وهو المفهوم الذي تطور بعد حرب فيتنام. ويؤكد المعهد الأمريكي للطب النفسي أن المصابين يشعرون بالتوتر والقلق بلا سبب يدعو للخوف. ويذكر أن نحو 10 آلاف من الإطفائيين والشرطة والمدنيين الذين تعرضوا لهذه الاعتداءات في نيويورك واجهوا هذه الأعراض. ويبدو أن 61 ألفاً من 406 آلاف عاشوا هذه المأساة في نيويورك، واجهوا على الأرجح هذه الأعراض (نيويورك أ ف ب).

فهل كان فريدمان مصاباً بالأعراض عندما طالب بالعثور على سارق الديك مهما كان الثمن، وهو يعلم أن الأمر يستلزم إشعال حروب وتدمير اقتصاديات وسحق أبرياء وإهدار حقوق الإنسان، كما حصل في جوانتانامو وسجن أبو غريب وقتل آلاف الأبرياء..

يروي هيثم مناع حكاية وباء قدم يوماً إلى قرية، فوقف له على بابها شيخ حكيم، وقال له: «أما لك أن تترك أهل هذه القرية وحالهم، فهم لم يرتكبوا ذنباً ولم يعتدوا على أحد، فقال الوباء للشيخ: لا تقلق، فأنا لن أقيم طويلاً ولن ينال الداء أكثر من أربعين شخصا. وبعد شهر، التقى الوباء بالشيخ وهو خارج من القرية فبادره الشيخ: «ألا يكفي أنك جئت بالأذى بل وتزيد على ذاك بالكذب، لقد قتلت 400 شخص من أبناء القرية». فأجاب الوباء: «لا تظلمني أيها الحكيم، أنا لم أتعرض لأكثر من 40 شخصا، أما الآخرين فقد قتلهم الخوف والفزع».

وبالمثل، يرى محللون أن القرار الأميركي بشن حرب على الإرهاب فورا أدى إلى نتائج كارثية أسوأ من الاعتداءات بحد ذاتها. وقال المحلل ديفيد روثكوبف من منظمة كارنيغي للسلام «في لحظة ما نجمت عن إصابة بضغط نفسي أعقب صدمة الكارثة، وافقت الولايات المتحدة على كل ردود الفعل المبالغ بها لإدارة الرئيس بوش». وأضاف أن «هذا وجه رسالة هلع ورد فعل مبالغ فيه ودفعنا إلى المساومة على قيمنا وفي نهاية المطاف ألحق ذلك ضررا بالولايات المتحدة أكبر من ذاك الذي سببه بن لادن». وتابع «هذا هو هدف الإرهاب: التحرك على أمل أن يؤدي ذلك إلى رد من العدو يسبب أضرارا أكبر من تلك الناجمة عن العمل الأول». (أ. ف. ب.)

إنها تشبه إستراتيجيا حرب العصابات التي اكتشفها القرن العشرين، ضربات استفزازية تجر الجيش النظامي للقيام بضربات طائشة تفقده توازنه وعدم احترامه للقانون، ومن ثم تهز شرعيته وشعبيته، بينما لا تتأثر العصابات إلا قليلاً، لأن الجيش النظامي لا يضرب جيشاً واضح المعالم والمواقع، بل مليشيات متناثرة يصعب تحديد مواقعها بسبب مرونة حركتها مقابل ثقل حركة الجيش النظامي وبيروقراطيته، فالمليشيات هنا مثل «السمك في الماء» كما عبَّر ماو تسي تونج..

ويرى بعض المنتقدين ومنهم دائرة الاستخبارات الأميركية أن تبني وكالة الاستخبارات لعمليات (حركية) كما يطلق عليها انحرفت بالوكالة عن مهمتها التقليدية وهي التجسس، وقوضت قدرتها على التنبؤ بالتطورات العالمية مثل الربيع العربي (واشنطن بوست). وبعد مقتل بن لادن قال المؤرخ السياسي جوليان زيليزير «لم يبد كزعيم دولي.. والربيع العربي وجه رسالة مفادها أن الأصولية الإسلامية ليست الرغبة الوحيدة لشعوب هذه المنطقة». وبعد عشر سنوات من «الحرب على الإرهاب» قد لا يكون الإرهاب هو التهديد لأمن ومكانة القوة الأميركية العظمى. فبعد التمرغ في المستنقع الأفغاني والعراقي، ها هي واشنطن أبعد عن حلفائها، وأضعف في اقتصادها.. ومع ذلك فقد أضرت بصورتها في سجل حقوق الإنسان (هينا شمسي، مديرة مشروع الأمن القومي لاتحاد الحريات المدنية الأميركي).

هل كان جورج بوش تحت تأثير الضغط العصبي الذي أشار له الخبراء عندما تعهد أمام الكونغرس بحرب لا هوادة فيها على الإرهاب.. طارحا سؤاله المتعجرف: لماذا يكرهوننا؟ وموجها نداءه إلى العالم: «إما أنكم معنا أو أنكم مع الإرهابيين». كأنه يرهب العالم كله وليس المذنبين فقط؟ أم أن بوش لا حاجة له بحافز من ضغط عصبي وهو اليميني الأصولي؟

ها هو بوش هذه الأيام، لم يكن مبتهجاً بخبر وفاة ابن لادن حسب بيتر شنال معد الأفلام الوثائقية في سي إن إن.. وقال شنال إنه سأل بوش إن كان نادماً على غزو العراق وأفغانستان والحرب على «الإرهاب»، «فنظر إلي وقال أكره هذا السؤال». وأضاف شنال أن بوش «لم يستخدم يوماً كلمة ندم ولم يقل إنه كان ليقوم بالأمور بشكل مختلف لكنه اعترف بالجدل والانقسام الذي تسببت بهما قراراته». وتابع شنال: تلك القرارات التي اتخذت.. غيرت حياتنا وعالم اليوم بشكل دائم (واشنطن ي ب أ).

يقول الخبير النفسي جي سكوت مورجان «إن الشعب الأمريكي استفاق من حلم ديزني لاند.. لقد شكلت الاعتداءات نهاية الشعور بالقوة والحرية لدى الأمريكيين.» فهل ستكون هذه كربلاء أمريكية تستعاد بها الذاكرة الحزينة، ويقام عيد المأساة في 11 سبتمبر من كل عام.. أم ستستفيق أمريكا الحرة المتفتحة بإدارة أوباما الذي يحاول جاهداً التخلص من تركة بوش الثقيلة؟

alhebib@yahoo.com
 

يالثارات البرجين
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة