Friday  23/09/2011/2011 Issue 14239

الجمعة 25 شوال 1432  العدد  14239

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

اليوم الوطني 81

 

ملحمة فتح الرياض حدث تاريخي رسم فصوله صقر الجزيرة
قائد محنك جمع بين الدهاء والحكمة والفراسة وقوة الشكيمة

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Previous

Next

الجزيرة - عمراللحيان:

الاحتفال بذكرى اليوم الوطني احتفالية بذكرى غالية تعد تتويجا لملحمة بطولية تميزت بالكفاح والجهاد؛ فارسها وقائدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - لاستعادة ملك الآباء والأجداد، استمرت لأكثر من ثلاثين عاما وتوجت بتأسيس وقيام المملكة العربية السعودية كدولة تستظل براية التوحيد وتستمد نهجها في كل شؤونها من الشريعة الإسلامية الغراء.

مولد بطل

ولد الملك عبد العزيز في مدينة الرياض في التاسع عشر من شهر ذي الحجة عام 1293هـ / 1876م وتعلم القراءة والكتابة على يد عدد من المشايخ، وكان - رحمه الله - منذ صباه مولعاً بالفروسية وركوب الخيل، وعرف بشجاعته وجرأته وإقدامه وخلقه القويم وإرادته الصلبة، وقد رافق والده في رحلته إلى البادية بعد الرحيل من الرياض، وتأثر - رحمه الله - بحياة التنقل خاصة فيما يتعلق بالجدية وصلابة العود وقوة التحمل.

خطوة الألف ميل

جاءت المحاولة الأولى لاستعادة عاصمة الآباء والأجداد (الرياض) في عام 1318هـ (1901م) عندما تحرك الشيخ مبارك الصباح على رأس جيش كبير ومعه الإمام عبد الرحمن لمحاربة ابن رشيد، وعندما وصل الجيش إلى (الشوكي) في الدهناء استغل عبد العزيز هذه الفرصة واستطاع إقناع والده والشيخ مبارك بأن يذهب على رأس سرية من رجاله لفتح الرياض، وبذلك يضطّر ابن رشيد إلى أن يقاتل بجيشه على جبهتين مختلفتين مما يضعف صفوفه ويزيد من فرص الانتصار عليه، فأذنا له بالسير إلى هناك فقطع المسافة ما بين الشوكي والرياض في يومين، فعلمت حامية ابن رشيد بالأمر وخرجت للتصدي له بقيادة عامل ابن رشيد على الرياض (عبد الرحمن بن ضبعان) فقاتلها عبد العزيز وهزمها ودخل المدينة، ثم لجأت الحامية إلى داخل القصر (المصمك) وتحصّنت فيه فحاصرها عبد العزيز وباشر في حفر نفق إلى داخل القصر، وفي الجهة الأخرى دارت الحرب الطاحنة بين ابن رشيد والشيخ مبارك في مكان يسمى (الصريف) في القصيم على مقربة من الطرفية في 17 ذي الحجة سنة 1318هـ الموافق 7 أيار (مارس) 1901م، كان النصر فيها من نصيب ابن رشيد وقواته فعاد الشيخ مبارك إلى الكويت ومعه الإمام عبد الرحمن الذي أرسل إلى ولده عبد العزيز يحذره ويطلب منه ترك محاصرة الرياض والعودة بمن معه إلى الكويت خوفا عليهم من قوات ابن رشيد بعد نشوة هذا الانتصار، فاستجاب الابن لطلب والده وكان رأياً صائباً من الاثنين فالرأي والحكمة قبل الشجاعة.

ليث لا يستكين

ولكن الفارس عبد العزيز لم تطل إقامته في الكويت هذه المرة بعد أن ذاق حلاوة النصر وكاد أن يصل إلى هدفه، فاستأذن والده لتكرار المحاولة، ووافق بعد إلحاح شديد من الفارس عبد العزيز وقد توجه المظفر عبد العزيز ومعه ستون رجلاً من الأبطال الأشاوس من الكويت في الواحد والعشرين من شهر رمضان سنة 1319هـ ووجهته الرياض وواصلوا المسير، يسيرون ليلاً ويستريحون نهاراً حتى وصل إلى مورد (أبو جفان) يوم عيد الفطر، وفي 4 شوال الموافق الثالث عشر من كانون ثاني (يناير) سنة 1902م وصل إلى (ضلع الشقيب) الذي يبعد عن الرياض ساعة ونصف للراجل، وكانت الساعة الثالثة بالتوقيت العربي (التاسعة ليلاً زوالية) ووضع عبد العزيز خطة محكمة للاستيلاء على الرياض. فقسّم رجاله إلى ثلاث مجموعات. الأولى مكونة من 20 رجلاً، ترابط عند الإبل حتى الصباح، وتكون احتياطياً، خارج الرياض. وأمرها بالبقاء في مكانها، فإذا مضت 24 ساعة، ولم يصلها خبر من الأمير عبد العزيز، فعلى أفرادها أن ينجوا بأنفسهم، إذ قد يكون عبد العزيز وأتباعه قد قتلوا. وإذا تحقق لهم النصر، واستولوا على البلدة، فسيأتيهم رسول منه، يلوح لهم بثوبه، إشارة لهم، يعرفونها، للحاق به.

أما المجموعة الثانية، المكونة من 30 رجلاً، بقيادة أخيه، محمد بن عبد الرحمن، فعليها أن تختبئ في إحدى المزارع، خارج أسوار الرياض، حتى تصلها الأوامر من عبد العزيز، ومهمتها حماية ظهور المجموعة الثالثة. أما الثالثة، وقوامها 10 رجال، يقودهم البطل عبد العزيز. فتدخل الرياض. وقد كان لقلة أفراد المجموعة، التي كانت بقيادة عبد العزيز أثرها في سهولة دخول المدينة، في ظلام الليل.

ساعة الانتصار والفرح

تمكن البطل عبد العزيز ومجموعته، أن يدخلوا بيتاً مجاوراً لبيت، عجلان ،حيث تسلق عبد العزيز ورفاقه إلى بيت عجلان، ولكنهم لم يجدوه فيه. وأخبرتهم زوجته أنه نائم في قصر المصمك، عند رجال حامية ابن رشيد، وأنه لا يأتي من ذلك القصر إلى بيته، إلا بعد طلوع الشمس، وذلك لعدم اطمئنانه إلى الأوضاع المحيطة به. فانتظر الجميع خروج عجلان من قصر المصمك. وفي هذه الأثناء، أرسل عبد العزيز إلى أخيه، محمد ورفاقه، الذين بقوا خارج السور، فانضموا إليهم وتكاملوا داخل بيت عجلان.

فلما خرج عجلان بن محمد من قصر المصمك، بعد شروق الشمس، ومعه عدة رجال، أطلق عليه عبد العزيز النار من بندقيته، فلم يقتله. ثم تتابع الرصاص من الباقين، صائحين صيحة، ملأت البلد: (أهل العوجا.. أهل العوجا) وتعقبوا عجلان ورجاله. وتمكن عبد العزيز من إمساك رِجل، عجلان، وهو يحاول العودة إلى القصر، وقد أدخل يديه ورأسه في فتحة باب القصر (الجوخة)، وقد تمكن من الإفلات من يديه. فازدحم عبد العزيز ورفاقه، عند باب القصر، والحامية تصب رصاصها عليهم. ودخل عبد الله بن جلوي القصر، في أثر عجلان، فأدركه جريحاً في مسجد القصر، فأجهز عليه برصاصة من بندقيته. وقُتل عدد من أتباعه. وتتابع رجال عبد العزيز في دخول القصر، فاضطر باقي رجال الحماية إلى الاستسلام. ونودي، في الرياض، أن الحكم لله ، ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود.

وبعد انتهاء معركة القصر ذهب فهد بن جلوي، على جواد من خيل عجلان، إلى الرجال، الذين أبقوهم عند الرواحل، وأدخلهم البلدة.

وبذلك خطا الملك عبد العزيز خطوته الأولى، لاستعادة حكم آبائه وأجداده، ومن ثم توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية. وفي ذلك التاريخ، 5 من شوال سنة 1319هـ - 15 من يناير سنة 1902م، بدأت الدولة السعودية الثالثة.

الوحدة الوطنية ومرحلة التوحيد

وباستعادة الرياض، وضع عبد العزيز اللبنة الأولى في بناء الدولة، وخطا أول خطوة على طريق الوحدة الوطنية، ومرحلة التوحيد. وتعد مرحلة ما بعد استرداد الرياض، أهم المراحل في تاريخ عبد العزيز، إذ قضى أكثر من عشرين عاماً في معارك وحروب، على أكثر من جبهة، واجهته خلالها الكثير من المشكلات والمصاعب. ولكنه استطاع أن يتغلب عليها، بكرمه وحكمته وشجاعته.

وقد أدرك الأمير عبد العزيز، أنه لا بدّ من الإسراع في التوسع، وكسب الأنصار. فاتجه إلى المناطق الواقعة جنوب الرياض، لبعدها الجغرافي عن مركز حكم ابن رشيد، في حائل. كما أنه كان يدرك ما له ولأسرته من مؤيدين وأنصار في تلك المناطق. واستطاع، في أقلّ من ستة أشهر، أن يضم إلى حكمه المناطق الواقعة جنوبي نجد، بين الرياض والربع الخالي، بما فيها الخرج، والحريق، والحوطة، والأفلاج، ووادي الدواسر، ويعين عليها أمراء من قبله، ويخصص لها قوات من رجاله.

وبعد هذه الانتصارات المشجعة، وجه الأمير عبد العزيز أنظاره إلى عالية نجد، في الغرب. وقام بهجمات موفقة على تلك المنطقة، فاستطاع أن يضمها إلى حكمه.

وبعد ذلك. أرسل البطل عبد العزيز لوالده الإمام عبد الرحمن يبشّره بالنصر الكبير ويطلب منه التكرم بالعودة بعد أن استتب أمن الرياض وما حولها، فأقبل الإمام بمن معه من الرجال واستقبله الابن على مسيرة ثلاثة أيام من الرياض، فدخلها بعد غياب إحدى عشر سنة.

وبعد عودة الإمام عبد الرحمن حاول الابن التخلي عن الحكم لوالده، لكن الإمام رفض ذلك بإصرار وتركه لابنه الذي حقق هذه الإنجازات، فقبل عبد العزيز الأمر بشرط أن يكون لوالده حق الإشراف الدائم عليه وعلى عماله.

وتمت البيعة الأولى لعبد العزيز في اجتماع عام عقد بالرياض بعد صلاة الجمعة في ربيع الأول سنة 1320هـ (1902م) حضره العلماء وكبار الشخصيات حيث أعلن الإمام عبد الرحمن بن فيصل تنازله الكامل عن حقوقه في الملك لابنه عبد العزيز، وأهدى إليه (سيف سعود الكبير) الذي نصله دمشقي، وقبضته محلاة بالذهب وجرابه مطعّم بالفضة.

واختارت الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز شعار الدولة الحالي سيفان متقاطعان بينهما نخلة أما العلم فأصبح لونه أخضر مستطيل الشكل تتوسطه شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله باللون الأبيض وتحتها سيف باللون الأبيض.

دولة حديثة

ونظم الملك عبد العزيز دولته الحديثة على أساس من التحديث والتطوير المعاصر، فوزع المسؤوليات في الدولة وأسس حكومة منطقة الحجاز بعد ضمها وأنشأ منصب النائب العام في الحجاز وأسند مهامه إلى ابنه الأمير فيصل وكان ذلك عام 1344هـ - 1926م، كما أسند إليه رئاسة مجلس الشورى، وفي 19 شعبان 1350هـ الموافق 30 ديسمبر 1391م صدر نظام خاص بتأليف مجلس الوكلاء، وأنشأ الملك عبد العزيز عدداً من الوزارات، وأقامت الدولة علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسي الدولي المتعارف عليه رسمياً، وتم تعيين السفراء والقناصل والمفوضين والوزراء لهذه الغاية، كما اهتم الملك عبد العزيز كثيراً بدعم القضية الفلسطينية، ولما تأسست جامعة الدول العربية في القاهرة عام 1365هـ - 1945م كانت المملكة العربية السعودية من الدول المؤسسة.

ومن منجزات الملك عبد العزيز تنفيذ أول مشروع من نوعه لتوطين البدو، فأسكنهم في هجر زراعية مستقرة وشكل منهم جيشاً متطوعاً يكون تحت يده عند الحاجة، كما عمل على تحسين وضع المملكة الاجتماعي والاقتصادي فوجه عناية واهتماماً بالتعليم بفتح المدارس والمعاهد وأرسل البعثات إلى الخارج وشجع طباعة الكتب خاصة الكتب العربية والإسلامية واهتم بالدعوة الإسلامية ومحاربة البدع والخرافات، وأنشأ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزودها بالإمكانات والصلاحيات، وأمر بتوسعة الحرم النبوي الشريف، وقد شرع في ذلك عام 1370هـ /1951م ووفر الماء والخدمات الطبية والوقائية لحجاج بيت الله الحرام.

مسيرة التطوير والاصلاح

لم يكتف الملك عبد العزيز ببناء هذه الوحدة السياسية والحفاظ عليها فقط بل سعى إلى تطويرها وإصلاحها في المجالات كافة، حتى استطاع بفضل الله - عز وجل - أن يضع الأساس لنظام إسلامي شديد الثبات والاستقرار مع التركيز على المسؤوليات وتحديد الصلاحيات، فتكونت الوزارات وظهرت المؤسسات وقامت الإدارات لمواجهة التطور، وأدخلت المخترعات الحديثة لأول مرة في شبه الجزيرة العربية فحلت تدريجياً محل الوسائل التقليدية، وأقام - طيب الله ثراه -القضاء على أساس من تحكيم الشريعة الإسلامية في كل الأمور، فأنشأ المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وأصدر الأنظمة التي تدعم هذه المحاكم وتبين وظائفها وتحدد اختصاصاتها وسلطاتها وتنظم سير العمل بها، كما حقق الملك عبد العزيز إنجازات كبيرة في مجال إقرار الأمن والمحافظة على النظام في الدولة لتوفير الراحة والاطمئنان للمواطنين والوافدين فضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن أو الإخلال بالنظام حتى أصبحت هذه البلاد مضرب الأمثال في جميع الأوساط الدولية على استتباب الأمن والاستقرار.

رعاية ضيوف الرحمن أولاً

وفر الملك عبد العزيز أفضل الخدمات لضيوف الرحمن والأماكن المقدسة إذ بادر بوضع نظام للحجاج وأشرف بنفسه على تنفيذه ليضمن لهم أكبر قدر من الراحة والأمن والطمأنينة وحفظ أرواحهم وأموالهم، كما اتخذ من التدابير ما يمنع استغلالهم وفرض تعريفات بأجور عادية لنقلهم بين الأماكن المقدسة، وعمل على توفير مياه الشرب والأغذية وكل مستلزمات الحياة ووسائل الراحة لهم، واهتم بنشر العلم والثقافة على أسس إسلامية راسخة، وحارب الجهل بين الحاضرة والبادية فساند حركات الوعظ والإرشاد والتعليم في المساجد والكتاتيب وغيرها، ودعم المدارس الأهلية ووضع قواعد التعليم الحكومي المنظم عندما أسس مديرية المعارف لتتولى الإشراف على التربية والتعليم.

علاقات وروابط

ولم تقتصر جهود الدولة في عهد الملك عبد العزيز على البناء الداخلي بل سعت إلى توثيق العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة. فكانت سياسة المملكة الخارجية مبنية على وضوح الهدف والثبات على المبدأ ومناصرة الحق انطلاقاً من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي قامت عليه أركان هذه الدولة وهو القاعدة التي انطلقت منها نهضتها وأمنها ورخاؤها.

فقد حرص الملك عبد العزيز على مد جسور التعاون والتقارب وتعزيز الروابط مع الأشقاء العرب وسعى إلى توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم ولم شملهم وحل خلافاتهم بالتشاور فيما بينهم والاتفاق على الأهداف الأساسية التي تضمن لهم تحرير أراضيهم وصيانة حقوقهم ومكتسباتهم.

إقامة شرع الله

لقد كان الهدف الأسمى للملك عبد العزيز خلال جهاده الطويل هو إقامة شريعة الله من منابعها الصافية كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتراث السلف الصالح، ولقد حقق الملك عبد العزيز هذا الهدف وجعله أساساً قامت عليه دولته الفتية منذ أيامها الأولى وإلى يومنا هذا، وفي تراثه الفكري من الخطابات والأحاديث ما يعبر عن ذلك أصدق تعبير ومن ذلك قوله - رحمه الله - (إني أعتمد في جميع أعمالي على الله وحده لا شريك له، اعتمد عليه في السر والعلانية، والظاهر والباطن، وأن الله مسهل طريقنا لاعتمادنا عليه، وإني أجاهد لإعلاء كلمة التوحيد والحرص عليها).

أول حاكم يدعو للتضامن الإسلامي

من منطلق ما أمر الله تعالى به عباده المسلمين من الإخاء والتضامن كان الملك عبد العزيز أول حاكم مسلم يدعو إلى هذا التضامن ويضعه موضع التطبيق، وكان أول مؤتمر إسلامي عام في تاريخ الإسلام هو الذ ي دعا إليه الملك عبد العزيز عام 1345هـ وحضرته وفود من الدول الإسلامية، وكان هذا المؤتمر أول مناسبة جمعت ممثلي المسلمين من كل الأقطار الإسلامية. ويمكن القول إن السياسة التي رسمها الملك عبد العزيز وصارت إحدى السمات المميزة لثوابت السياسة السعودية هي العمل على وحدة كلمة المسلمين والتضامن فيما بينهم ومواجهة أعدائهم صفاً واحداً والتعاون والتكافل، وفي هذا قال -رحمه الله - (إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين، فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد ذلك أن يجمع كلمة العرب، فيوحد غاياتهم ومقاصدهم ليسيروا في طريق واحد يوردهم موارد الخير).

شخصية قيادية فذة

لقد كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - وحيد زمانه فيما اتصف به من مقومات شخصية فذة، ويمكن إيجاز صفاته ومناقبه في هذه الإشارات:

كان - رحمه الله - مؤمناً عميق الإيمان، يعتمد على الله تعالى في كل أمر من أموره ولا يسأل سواه فيما يتطلع إليه.

يملك خبرة واسعة بشؤون دينه، فقد حفظ القرآن الكريم وكثيراً من الأحاديث النبوية الشريفة، وألم إلماماً واسعاً بالأحكام الشرعية، ووضعها موضع التطبيق، وظل طوال حياته يجتمع كل ليلة مع العلماء والفقهاء.

كان حكيماً يُعمل عقله في كل حركة من حركاته، ولكل خطوة عنده حساب دقيق، يقلب الأمور على وجوهها ثم يختار الطريق الذي يراه أفضل الطرق.

كان شجاعاً إلى درجة كبيرة، فلا يتردد في خوض المعارك إذا اضطر لها مهما كانت قوة خصمه وعدده وعدته. كان قائداً عسكرياً موهوباً يجيد رسم الخطط الحربية وتنفيذها، وكثيراً ما استعاد وقائع معركة جرت وتحقق له الانتصار فيها ليبين أخطاء خصمه وما كان يجب أن يفعل لينتصر عليه. كان خبيراً بالمجتمعات البدوية والحضرية في شبه الجزيرة العربية، وعلى خبرة واسعة بالقبائل وأنسابها بحيث يعرف قبيلة مخاطبه من أول جملة ينطق بها، ومن موقع هذه الخبرة كان يتعامل مع الناس حسب المجتمع الذي ينتسبون إليه بدوياً كان أم حضرياً. كان شديد التمسك بأحكام الدين، فلا يتهاون إزاءها ولا يهادن، وإضافة إلى ذلك كان رقيق القلب مرهف الإحساس. كان اهتمامه يشمل الجميع، والناس أمامه سواسية حتى يبلغ الحق مستقره.

وبعد جهاد طويل وعمر نذره الملك عبد العزيز للوطن والمواطن وإرساء قواعد العدل والإسلام، انتقل في الثاني من ربيع الأول عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م إلى رحمة مولاه راضياً مرضياً، بعد أن أقام دولة إسلامية عصرية، تأخذ بكل نافع ومفيد من إنجازات العصر ضمن حدود شريعة الله، استهدافاً لخدمة دين الله وخدمة المسلمين في كل مكان، ويبقى يوم الخامس من شوال عام 1319م الموافق 15 يناير 1902م علامة فارقة في تاريخ المملكة، ففيه فتح الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مدينة الرياض، ومنها بدأت مسيرة موفقة لاستعادة ملك الآباء والأجداد من خلال بطولة نادرة ومخلصة لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة