Monday  26/09/2011/2011 Issue 14242

الأثنين 28 شوال 1432  العدد  14242

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

دوليات

 

رقم واحد ينبئنا بكل شيء
ستيفن س. روتش

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ذلك الرقم هو 0.2 في المئة. وهو يعبّر عن متوسط النمو السنوي للإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة على مدى الأرباع الأربعة عشرة الماضية - مع احتساب التضخم منذ الربع الأول لعام 2008 إلى الربع الثاني من عام 2011م.

الواقع أن استهلاك الأمريكيين لم يكن بهذا الضعف قط لمثل هذه الفترة الطولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويلخص هذا الرقم المنفرد الكثير من الأخطاء التي ترتكب اليوم في الولايات المتحدة - وفي الاقتصاد العالمي. انقسمت هذه الفترة من ضعف الاستهلاك غير المسبوق في الولايات المتحدة إلى مرحلتين متميزتين. فمنذ الربع الأول من عام 2008 وإلى النصف الثاني من عام 2009م، هبط الطلب الاستهلاكي على مدى ستة أرباع متعاقبة بمعدل سنوي بلغ 2.2 في المئة.

ومن غير المستغرب أن ذلك الانكماش بلغ ذروته أثناء أوج الأزمة العظمى، عندما هبط الاستهلاك بمعدل 4.5 في المئة في الربعين الثالث والرابع من عام 2008م. ومع بلوغ الاقتصاد الأمريكي أدنى مستوياته ثم دخوله مرحلة الانتعاش في منتصف عام 2009م، دخل الإنفاق الاستهلاكي مرحلة ثانية - أو مرحلة التعافي الهزيل. فكان المتوسط السنوي لنمو الاستهلاك الحقيقي على مدى الأرباع الثمانية التالية منذ الربع الثالث لعام 2009م وإلى الربع الثاني من عام 2011 نحو 2.1 في المئة.

وهذا يُعدُّ المعدل الأكثر ضعفًا لتعافي الاستهلاك في تاريخ الولايات المتحدة - أقل بنقطة ونصف النقطة المئوية عن الاتجاه الذي ساد أثناء الأعوام الاثني عشر التي سبقت الأزمة، 1996-2007م.

إن هذه الأرقام أضعف كثيرًا مما أعلن عنه في الأصل. فقد خفض خبراء الإحصاء في وزارة التجارة تقديراتهم السابقة للإنفاق الاستهلاكي إلى النصف، كجزء من تقرير المراجعة السنوية لحسابات الدخل الوطني والإنتاج في الولايات المتحدة الصادر في يوليو - تموز 2001م، حيث تم تخفيض اتجاه النمو في الأرباع الأربعة عشرة منذ بداية 2008م إلى منتصف 2011 من 0.5 في المئة إلى 0.2 في المئة؛ ولقد تركز القسم الأعظم من مراجعة الانخفاض في الأرباع الستة الأول من هذه الفترة - حيث تضاعف تقدير انحدار الاستهلاك السنوي من 1.1 في المئة إلى 2.2 في المئة.

كنت حريصًا على متابعة هذه المراجعات للمؤشرات لنحو أربعين عامًا. وكان ذلك الانحدار واحدًا من أكثر الانحدارات جسامة على الإطلاق. ونحن ندرك جميعًا مدى الصعوبات التي واجهها المستهلك الأمريكي - ولكن هذه المراجعة تصور التراجعات الناجمة عن الأزمة وما أعقب ذلك من التعافي الهزيل على نحو أكثر تشاؤمًا وكآبة. وليس من الصعب أن نتوصل إلى الأسباب الكامنة وراء ذلك. فمن خلال استغلال فقاعة الائتمان غير المسبوقة للاقتراض استنادًا فقاعة عقارية غير مسبوقة، أنفق المستهلكون الأمريكيون بما يتجاوز دخولهم لسنوات عديدة.

ومع انفجار الفقاعتين، لم تجد الأسر الأمريكية التي توسعت في الاستدانة خيارًا غير خفض إنفاقها وإعادة بناء قوائمها المالية المتضررة من خلال سداد أعباء الديون الجسيمة وإعادة بناء المدخرات المستنفدة.

وبالرغم من ذلك فإن إصلاح القوائم المالية كان قد بدأ للتو في كلتا الحالتين. ففي حين تم تقليص ديون قطاع الأسر الأمريكية إلى 115 في المئة من الدخل الشخصي المتاح للإنفاق في أوائل عام 2011م، بعد أن بلغ ذروته (130 في المئة) في عام 2007م، إلا أنه ظل أعلى كثيرًا من متوسط الفترة 1970-2000م، الذي كان 75 في المئة.

وفي حين ارتفع معدل الادخار الشخصي إلى 5 في المئة من الدخل المتاح للإنفاق في النصف الأول من عام 2011 بعد أن انخفض إلى 1.2 في المئة في منتصف عام 2005م، فإن هذا الرقم أقل كثيرًا من المعدل الذي سجله الادخار الشخصي الذي ساد أثناء الثلاثين عامًا الأخيرة من القرن العشرين (8 في المئة).

وما دام خفض الإنفاق وإصلاح القوائم المالية في المراحل الأولى، فمن المتوقع أن يستمر هذا السلوك الراكد من جانب المستهلك الأمريكي. والواقع أن اتجاه نمو الاستهلاك الذي تحقق أثناء التعافي الهزيل على مدى العامين الماضيين، الذي بلغ 2.1 في المئة، قد يكون مؤشرًا إلى ما ينتظرنا في الأعوام المقبلة. ومثل هذه النتيجة من شأنها أن تخلف ثلاث عواقب جسيمة على التوقعات الاقتصادي: فأولاً، ما دام الطلب الاستهلاكي يمثل 71 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، فإن النقص المطول في مستوى الاستهلاك السائد يشكل عقبة كبرى أمام النمو الاقتصادي الإجمالي للولايات المتحدة. وبالرغم من أن صناع القرار السياسي المضللين في واشنطن لا يرغبون في شيء أكثر من عودة المستهلكين على أساليبهم القديمة المحفوفة بالمخاطر والبدء في الإنفاق من جديد، فإن الأسر الأمريكية المنهكة أصبحت اليوم أكثر حرصًا.

والواقع أن المدفعية الثقيلة المتمثلة في الحوافز النقدية والمالية تُهدَر على محاولات اختصار عملية إصلاح القوائم المالية. وثانياً، يعمل الضعف المستمر في الاستهلاك ونمو الناتج المحلي الإجمالي على وضع الاقتصاد الأمريكي على مسار نمو أضعف كثيرًا من ذلك المسار الذي تعتمد عليه تقديرات الموازنة الطويلة الأمد للحكومة. فمكتب الموازنة التابع للكونجرس يتوقع نموًا متوسطًا بنسبة 3.4 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي على مدى الفترة 2013-2016م. وإذا كان اتجاه النمو أدنى بنقطة مئوية واحدة - وهو احتمال واضح في عصر يتسم بالضعف الاستهلاكي المطول - فإن العجز في الموازنة سوف يكون أعلى كثيرًا.

والواقع أن القاعدة الذهبية التي يستخدمها مكتب الموازنة التابع للكونجرس تعادل النقص المستدام بمقدار نقطة مئوية واحدة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بالاستعانة بعجز في الموازنة أضخم بنحو 3 تريليونات دولار على مدى عشرة أعوام. وغني عن القول: إن مثل هذه النتيجة من شأنها أن تقود مناقشة مشكلة العجز والدين الأمريكية العصيبة بالفعل إلى منعطف بالغ الخطورة.

وأخيرًا، لا يوجد أي اقتصاد آخر قادر على ملء الفراغ الذي خلّفه نقص مطول في الاستهلاك الأمريكي. فلا أوروبا ولا اليابان في وضع يسمح لها بتولي المهمة، أما القطاعات الاستهلاكية في البلدان النامية الرئيسة على مستوى العالم - وخصوصًا في الصين - فإنها تفتقر إلى ما يلزمها من الحجم والديناميكية لتولي المهمة.

وعلى هذا فإن الضعف الدائم في الاستهلاك الأمريكي يعني ضمنًا فرض ضغوط قوية على نمو الاقتصادات النامية القائمة على التصدير. والنبأ الطيب هنا هو أن هذا من شأنه أن يرغم هذه الاقتصادات على تبني إستراتيجيات إعادة التوازن التي طال انتظارها التي ترمي إلى تحفيز الطلب الاستهلاكي المحلي.

ما العمل إذن؟

على الرغم من فعالية التدابير التي اتخذت في أوج الأزمة -الحوافز المالية والنقدية الضخمة- في تخفيف سرعة السقوط الحر، إلا أنها كانت غير فعّالة في دعم أي قدر يُذكَر من التعافي. ولا ينبغي لهذا أن يدهشنا في عصر إصلاح القوائم المالية.

إن الولايات المتحدة تحتاج بدلاً من ذلك إلى قائمة من السياسات المفصلة وفقًا للاحتياجات والضغوط المفروضة على المستهلك الأمريكي.

ومن بين البنود المحتملة على هذه القائمة: الإعفاء من الديون للتعجيل بعملية تقليص الديون؛ وانتهاج سياسات ادخار إبداعية وقادرة على إعادة الشعور بالأمان المالي إلى الأمريكيين الذين دمرتهم الأزمة؛ وبطبيعة الحال، توفير فرص العمل وما يترتب على ذلك من توليد للدخل.

إن الاقتصاد الأمريكي -وكذلك الاقتصاد العالمي- لن يتمكن من الوقوف على قدميه من جديد في غياب المستهلك الأمريكي. والآن حان الوقت لتجاوز الإيديولوجيات -سواء على اليسار أو اليمين- وإدارة المناقشة السياسية في إطار يعطي الاعتبارات الأساسية حقها من الأهمية.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة