Wednesday  05/10/2011/2011 Issue 14251

الاربعاء 07 ذو القعدة 1432  العدد  14251

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أدخل الملك عبدالله بن عبدالعزيز المرأة السعودية عنوة إلى معمعة صناعة القرار، ومكمن صياغة القوانين والتشريعات، وأشركها في الهم الاجتماعي والتنموي والثقافي بتحملها المسؤولية مناصفة مع شقيقها الرجل.

هذا القرار التأريخي الشجاع قفزة متقدمة وواسعة إلى الأمام في طريق التحديث وكسر الحواحجز المعيقة واستنهاض طاقات المجتمع، والتخفيف من حدة العزل الاجتماعي، وهدم بعض الأسوار الوهمية الفاصلة تقاليديا بين الرجل والمرأة.

ولو تأملنا في مسيرة معاناة المرأة في مجتمعنا وكيف خرجت خطوة خطوة إلى الحياة العامة؛ بعد أن كانت سجينة الجهل والعزلة والاضطهاد بعادات اجتماعية ملتبسة برداء الدين، وماهي منه في شيء. ألم تقف العادات المتخلفة أمام المرأة صادة لها عن التعلم عقودا طويلة من الزمن ؟ ألم يكن القول بضرورة تعليم المرأة إثما وخطيئة ؟ ألم تزحف مدن إلى العاصمة الرياض رافضة افتتاح مدارس للبنات ؟ ألم يحدث مايشبه المعركة - في بعض القرى - بين عالم دين متنور وطبقة من العامة؛ حين أراد ذلك العالم الجليل وهو الشيخ عبدالله بن زيد بن محمود إبانة الرؤية الشرعية في ضرورة تعليم المرأة ؟ ألم يكتب كثيرون من الكتاب السعوديين باسم امرأة؛ لأن المرأة المتعلمة الكاتبة نادرة؛ إن لم تكن مستحيلة الوجود، كما فعل الأستاذ الأديب أحمد سباعي حين كان يكتب في صوت الحجاز منتصف القرن الماضي باسم « متعلمة حجازية « حتى تقدم خاطبون لرئيس التحرير محمدعلي رضا يطلبون يد المتعلمة الحجازية النادرة زوجة على سنة الله ورسوله !.

لقد تولى الرجل المطالبة بكثير من حقوق المرأة، وعبر كتاب مقالة وروائيون عن هيمنة العادات وغلواء الجهل الذي يعيق النظر بإنصاف إلى حقوق المرأة؛ كما فعل الروائي أحمد رضا حوحو في روايته « غادة أم القرى « وكما فعل أحمد سباعي في روايته الجريئة « فكرة « وكما فعل محمدعلي مغربي في روايته « البعث « وكما فعل الروائي الرائد بشجاعة وموضوعية حامد دمنهوري في روايته « ثمن التضحية «. في تلك المراحل لم تكن لدينا امرأة تكتب؛ لتعبر بنفسها عن همومها، وربما كان التصريح بالاسم لونا من العيب الاجتماعي لو أرادت من لديها بعض موهبة التعبير عن بعض معاناتها الاجتماعية، ولكن حين تعلم عدد يسير من نساء الحجاز مطلع الثمانينيات الهجرية وبجهود ذاتية قبل صدرور قرار تعليم المرأة التاريخي في عهد الملك سعود رحمه الله عام 1379هـ كتبت إحداهن، وهي القاصة ابنة مكة نجاة خياط قصصا قصيرة تعبر عن معانة المرأة ونشرتها في عكاظ ثم جمعتها في مجموعة قصصي بعنوان « مخاض الصمت « تعد الأولى في تأريخ القصة السعودية ونشرتها عن طريق دار الكشاف ببيروت عام 1383هـ. وتعبر قصتها « لو كنت ولدا « عن ثورة حقيقية على عالم الأنوثة الذي يكبلها بقيوده القاسية فلاتستطيع اختيار زوجها؛ بل هي مرغمة عليه، ولاتستطيع التعبير عن رأيها في شؤونها الخاصة، ولا في ما يضطرب به مجتمعها من قضايا وهموم، ولذا فهي تود لو أن البويضة المؤنثة في تلك الليلة لم تكن نشطة لتتغلب على البويضة الذكر ! وتتمنى لو أن القدر منحها الاختيار لكانت ولدا لايخضع ولايذعن ولايؤمؤ فيأتمر ! وتكتب أخرى بعد عقدين من الزمن وهي القاصة « حصة التويجري « وطال شعري من جديد « فتضيق بحصار هيمنة الرجل وسلطة المجتمع الذكورية فتعلن أنها لن تكون أنثى كما يريدها الرجل؛ بل كما تريد هي، فتقص شعرها، وتتنكر لعالم الأنوثة الذي يعني الخضوع والعزلة والاستجابة المطلقة للعادة وللموروث أيان كان صوابه وخطؤه !. وفي وسع القارئ الكريم العودة إلى كتابي « قضايا المرأة السعودية « ففيه تفصيل واف عن تطور وعي المرأة، وكيف أسهم الرجل في البدء برفع الصوت عاليا للدفاع عن قضاياها، ثم كيف تولت هي لاحقا تحمل هذه المسؤولية من خلال كتاباتها المختلفة قصة ورواية ومقالة، وفي كتابي الآخر « كتابات نسائية متمردة « تأمل في معنى التمرد النسائي بشقيه الإيجابي المفيد والسلبي المدمر، وعرضت لمراحل تطور الوعي النسائي وصورة ذلك في ماكتبته خلال نصف قرن أو يزيد.

هكذا يتصاعد وعي المرأة بعد أن أتاحت لها الدولة فرص التعليم بكل مستوياته، فتتولى التعبير المطلق عن قضاياها حسب فضاءات التعبير المتاحة في المجتمع، وتبدأ في الإسهام التنموي علميا وطبيا واجتماعيا وثقافيا مع توالي أجيال الدارسات، وتزايد حاملات الشهادات العليا المتخصصة، فهن الآن أستاذات في الجامعات في تخصصات مختلفة، وهن طبيبات في مختلف فروع الطب؛ من الجراحة إلى طب العيون إلى الطب النفسي إلى طيب الأطفال، وسوى ذلك، وهن إعلاميات بارعات، وكاتبات متفوقات، وباحثات متمكنات.

ويأتي القرار الملكي الموفق في وقته المناسب بعد هذه المسيرة الطويلة من كفاح المرأة، ربما فاقت نصف قرن من التحصيل والدرس، وبعد أن قطعت أشواطا بعيدة في إنضاج ذاتها علميا وثقافيا واجتماعيا، وبعد أن أسهمت في الإدارة على مستوى عال، بحيث أصبحت مديرة جامعة، ومسؤولة عن التعليم في القطاع النسائي، ومشاركة فاعلة في المشورة بمجلس الشورى لأكثر من دورة، يأتي قرار الملك عبدالله ليدفع بابنة بلادنا خطوات إلى الأمام كثمرة لتفوق نسائي مشهود في جوانب عديدة تفوق الحصر، ولتكون قريبة من مكامن صنع القرار، ولتسد الفراغ الهائل الذي تركه غيابها في مرافق مختلفة؛ فهي ستكون متواجدة تحت قبة مجلس الشورى كشقيقها الرجل، تبادله الرأي والرؤية، وتستمع إليه كما يستمع إليها، وهي بين النخبة المختارة من رجال مجتمعها من علماء في الشريعة والسياسة والاجتماع والقانون والأدب وسوى ذلك، حشد هائل من الخبرات الأكاديمية والإدارية والثقافية والإعلامية، والمرأة لن تقل لا من حيث العدد ولا من حيث النوعية عن نخبوية شقيقها الرجل في المجلس.

إن وجود المرأة « النخبة « مع الرجل « النخبة « يمثل خلاصة النضج العلمي والثقافي والحضاري، والعمق الحقيقي لمعنى الحوار وتبادل الرأي وسط بيئة آمنة ورفيعة المستوى ومتساوية الحقوق، ووفق هذه الرؤية تتخلق الأفكار السديدة، وتقترح الحلول المفيدة لمشكلات المجتمع وقضاياه ومعوقاته.

وجود المرأة على النحو السالف المذكور في مجلس الشورى ليس بدعا في تأريخنا العربي والإسلامي؛ ولا أجد أن ثمة جدوى من إعادة مشاهد حضور المرأة في تأريخنا منذ عهد النبوة إلى عصور الازدهار في بغداد والأندلس؛ لأن الشواهد أكثر من أن تحصى، ثم إن لكل زمان وظرف مسوغاته وضروراته، فليس بلازم أن تكون الخطوة التي نخطوها قد خطاها السابقون لنحتذيها؛ بل الضرورة التي لابد منها ألا نجد نصا من الكتاب الكريم والسنة المطهرة لايبيح لنا هذا الفعل أو ذاك، وهنا نتوقف عند النص الثابت القطعي، أما الرفض لأن العادة لم تجر به، أو لأنه غير معهود في تأريخنا القريب، أو لأن بعض أطياف المجتمع لم تقتنع به بعد، أو لمخاوف متخيلة لا أساس لها، فهذا مخالف المنطق ورجاحة الحجا.

ليس لتحفظ هنا من مكان أبدا، فلا حجة لدى من يتخوف، ولا دليل قطعيا لدى من يتحفظ على مشاركة المرأة الشورية، وقديما كانت تخوفات غير مبررة من تعليم المرأة، وكانت تخوفات غير منطقية من عمل المرأة في المجالات التي تناسبها، فما أثبت الواقع العملي شيئا من تلك الهواجس التي أقلقت كثيرين وثبت بطلانها.

وسيخفف وجود المرأة في مجلس الشورى وحضورها الإعلامي الذي سيكون نتيجة لنشاطها في المجلس من فوبيا المرأة الاجتماعي، ومن العزلة والفصل الحاد بين الرجال والنساء، الذي أطرته ورسخته العادات والتقاليد، وزاده الغلو في الدين في مرحلة غير قصيرة اكتنفت مجتمعنا، وليس لنا بد من بد من أن نسعى إلى التخفف من آثار تلك الحقبة، ومن أن نتكيف مع المتغيرات والضرورات الملحة الاجتماعية والاقتصادية، ونتعلم أيضا كيف نغير ونضيف ونعدل الشطط وما لاينسجم مع المصالح العامة، ونقدم لأطياف كثيرة من المجتمع خطوات وثمرات النجاح التي تعقب التكيف والانسجام مع الدواعي والضرورات، وتتجاهل إلحاح النفس على حبها لما اعتادت عليه وعدم قدرتها على التنازل أو مفارقة ما ألفته من عادات وتقاليد.

وتطور حضور المرأة لدينا على النحو الذي نشهده بصورة متدرجة ليس بدعا، فالمرأة في أوربا وفي أمريكا لم تنل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية إلا في مراحل متأخرة من تطور المجتمعين الأوربي والأمريكي، وليس بعيدا عن الذاكرة التاريخية معاناة المرأة من هيمنة العادت الاجتماعية إلى أن خرجت بالصورة التي نراها اليوم، وكذا الشأن في المرأة العربية، فقبل مائة وأحد عشر عاما كانت الدعوات إلى نيل المرأة حقوقها خافتة إلى أن انطلقت مع قرب مطلع القرن الميلادي الجديد 1900م دعوات حقوق المرأة. وهنا لابد من التأكيد على أن لكل مجتمع مرجعياته الدينية والأخلاقية ومنظومته الثقافية، فمن نافلة القول أن نؤكد على أن نيل المرأة السعودية حقوقها لايعني أن تكرر التجربة الأوربية أو الأمريكية أو حتى العربية، فلا يليق بنا أن نعيد تكرار أخطاء المجتمعات الأخرى؛ بل إن من الخير النظر بتؤدة وحكمة إلى تلك التجارب وانتقاء الجيد منها الذي يتفق مع قيم الدين الإسلامي الحنيف وقيمنا الاجتماعية الجيدة ونبذ السيئ منها الذي تسعى تلك المجتمعات الآن إلى معالجة نتائج اللهاث المحموم نحو تقليد المرأة الغربية، وإلى التخلص من سلبيات آثار الاندفاع نحو دعاوى تحرير المرأة حتى خرجت عن الحدود التي يريدها أولئك المصلحون.

لقد مرت التجربة العربية، وهي الأقرب إلينا بحالات مما يشبه الثورة على كل شيء دينا وتقاليد، بل هي أشبه إلى حالة استنساخ غبي لبعض التجارب الأوربية، وبخاصة الفرنسية في مصر، واستمر هذا المد المندفع متصاعدا منذ مطلع القرن العشرين إلى منتصف القرن الماضي حيث بدأ ظهور آثار ذلك الاندفاع، وبدأت الدعوات إلى ترشيد دعوى التحرير ومراجعتها، وتستدعي هذه القضية مني مقالة خاصة أقف فيها على ما اكتنف حركة تحرير المرأة العربية من فوضى ومن دخلاء ومن عنفوان ثم من إحباط وانكسار ثم انكفاء وعودة إلى نقطة الصفر !.

التميز الذي نريده نحن للمرأة السعودية ألا تكون تابعة ولا منقادة ولا مساقة، ولا مقلدة، التميز هي أن تخط طريقها هي بنفسها بتوافق ديني ونفسي واجتماعي حسب ما تراه ضرورة وذا جدوى، ولا يعود عليها ولا على مجتمعها بما سيؤدي إلى نتائج سلبية.

ولعل الخطوة المنتظرة من واقع هذه الرؤية التي لا أشك أبدا أنها حاضرة في ذهن صاحب القرار؛ وهي أن نراها قريباً جدا عضوا في مجلس الوزراء، تدير مسؤولية وزارية تتفق مع اهتمامها وقربها من بنات جنسها؛ كتلك الوزارت المتصلة بقضايا المرأة وحقوقها، أو بالخدمة الاجتماعية الإنسانية، أو بقضايا الأطفال والناشئة، أو بقضايا الأسرة، وما أشبهها.

وليس من اختلاف بين في الحالتين؛ الشورية والوزارية، فكلاهما رأي ورؤية وإدارة وإسهام مؤثر في مجتمعنا وإثراؤه بخيرة خبرات أبنائه رجالا ونساء.

ولعل من المناسب في هذا المقام أن نرفع أسمى عبارات الشكر والتقدير والدعوات لقائد مسيرتنا النهضوية، ورائد الإصلاح في بلادنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وندعو الله له بطول العمر ليواصل خطوات النهضة والتحديث.

ksa-7007@hotmail.com
 

بعد أن اتخذ الملك عبدالله قراره التاريخي: الخطوة التالية المرأة عضوًا في مجلس الوزراء !
د.محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة