Monday  10/10/2011/2011 Issue 14256

الأثنين 12 ذو القعدة 1432  العدد  14256

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

مَنْ جاء إلى مكة المكرمة هذه الأيام يرى أجواء موسم الحج المبارك رأي العين، ألوف من المسلمين يتدفقون هذه الأيام على المسجد الحرام، وأعينهم ترنو إلى أيام الحج الأكبر القادمة، وقلوبهم مليئة بالشوق إلى البيت الحرام ومنى وعرفات ومزدلفة، وإلى أصوات التلبية والتكبير التي تتعالى في جنبات هذه البقاع الطاهرة.

رأيتُ في ساحة المسجد الحرام رجلاً وامرأة قد رسمت الشيخوخة خطوطها البارزة على وجهيهما المضيئين؛ فشعرت برغبة شديدة أن أُسلِّم عليهما، وأتحدث إليهما، وكنتُ أخشى أن يحول اختلاف اللغة بيني وبين ذلك؛ فقد بدا لي أنهما من الهند أو الباكستان أو ما حولهما من البلدان، ولكنني دنوت إليهما، واستقبلت الرجل من قِبل وجهه، وجلست أمامه مسلِّماً عليه؛ فرفع إليّ عينيه المثقلتين بتعب الشيخوخة، ومد إليّ يده مصافحاً، ورد عليّ السلام بصوت وقور ولغة عربية واضحة، وحييت زوجته التي كانت خطوط الشيخوخة على وجهها أكثر وأوضح.

قال لي مبادراً: ما اسمك؟ فأخبرته باسمي، فابتسم قائلاً: هذا من أحب الأسماء لي، وأنا اسمي محمد، وهذه زوجتي اسمها عائشة، ونحن من إقليم البنجاب. كانت لغته جميلة، وطريقة نطقه للحروف آسرة، وعلامات السعادة على وجهه بارزة مثيرة للإعجاب، وقد تأكد لي من خلال كلماته أنه على مستوى جيد من العلم والمعرفة، أما شَعْر لحيته الأبيض فقد كان يشبه خيوطاً من نور تنساب على مساحة عريضة من صدره. قلت له: منذ متى قدمت إلى مكة المكرمة؟ وهل سبق لك الحج من قبل؟ قال: أنا منذ ثلاثة أيام هنا، أستمتع بهذه الأجواء التي لا توجد إلا في هذا المكان، وقد سبق أن حججتُ ثلاث مرات، آخرها كانت قبل عشر سنوات، ويسَّر الله لي الحج أنا وعائشة هذا العام، أسأل الله أن يتمَّه على خير.

علمتُ من الرجل أنه كان أستاذاً في بلاده على مدى أربعين عاماً، وأنه تاجر من تجار الجواهر، وأن لديه مسجداً بناه في بلدته، هو إمامه منذ ثلاثين سنة، وأن عمره ثمانية وسبعون عاماً، وعمر زوجته تسعة وسبعون عاماً، وأخبرني بأن لديه إحساساً بأنه سيفارق الحياة في هذه البقاع الطاهرة، وأن زوجته سترافقه رحلته إلى الآخرة. كان واثقاً مما يقول، وقد ابتسم مشيراً إلى زوجته وهو يقول: أنا وزوجتي ندعو الله إن كان قد كتب عليّ مفارقة الدنيا في هذا العام أن يجعل ذلك في هذه البقاع الطاهرة ونحن مُحرِمون بالحج؛ لنُبعث يوم القيامة على إحرامنا.

قلتُ له: لماذا تجلس هنا في ساحة الحرم؟ قال: جئتُ متأخراً عن الصلاة فأدركت منها ركعتَيْن هنا، وجلستُ أتأمل هؤلاء البشر الذين يملؤون هذه الساحات المباركات.

قلتُ له: هل من خدمة يمكن أن أقدمها؟ قال: والله لقد قدمت لي خدمة لا تتخيل مدى قيمتها عندي. إن سلامك عليّ وجلوسك أمامي وسؤالك عني شيء عظيم في نفسي؛ فأنت أول رجل عربي يتحدث معي، وكم مددتُ يدي بعد الصلاة لمصافحة المجاورين لي في الصف، فما وجدتُ إلا مصافحة باردة بغير روح.

ودعتهما وهما يدعوان لي دعاء أبكاني، أسأل الله أن يتقبل منهما.

صورة تجعلني أتساءل: لماذا لا نفتح هذه النافذة الجميلة من الاهتمام والمحبة والمودة لحجاج بيت الله الحرام؟

إشارة:

جموع من فجاج الأرض تأتي

تتوق إلى رضا رب الأنام

 

دفق قلم
أجواء الحج
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة