Monday  10/10/2011/2011 Issue 14256

الأثنين 12 ذو القعدة 1432  العدد  14256

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

لست أعرف بالضبط لماذا يحنق العربي أو الفارسي إذا نسب الخليج المشترك بينهما إلى الطرف الآخر. هذا الخليج المتشاطئ بين العرب والفرس ليس ملكاً لأيٍّ من الطرفين وإنما لمن يستعمله. الواقع وبمقاييس القوى وقرار الفعل، ليس الخليج عربياً ولا فارسياً ولا ما يحزنون، لكنه خليج أمريكي في المقام الأول. أمريكا هي الدولة المتحكّمة فيه عسكرياً وتشن منه حروبها على الدول المجاورة متى شاءت، وهي القوة التي تستطيع كسر عظم أي دولة إقليمية أو غير إقليمية تتحدّى ذلك. أي هزّة أمنية في داخل إحدى الدول المتشاطئة أهم من الخليج برّمته وكل ما فيه من أسماك ومياه وطحالب.

المشكلة الحقيقية في الخليج هي توتر الأوضاع بين حكوماته الإقليمية وامتداداتها الداخلية بين الشعوب، وهي أوضاع لا تبشِّر بخير للمستقبل. أوضح مثال على ما يمكن أن يحمله المستقبل للدول الإقليمية في منطقة الخليج، هو ما يحدث في البحرين، وما يمكن أن يعتبر امتداداً له في أحداث بلدة العوامية شرق السعودية يوم الثلاثاء 6 /11 /1432 هـ. أعتقد أنّ ما حدث في العوامية كان مجرّد اختبار وجس نبض لرد الفعل السعودي من قِبل عدّة أطراف، وليس من طرف واحد، تجاه احتمالات توسيع نطاق أحداث البحرين ونقلها إلى الجوار، ثم استغلالها لاحقاً.

لكن ما الذي حدث حقيقة في البحرين ومنذ البداية؟. كل الجهات الرسمية المتجاورة على شواطئ الخليج قدّمت محاولاتها الخاصة لإقناع الناس بوجهة نظرها، لكن انطلاقاً من مصلحة ظرفية تكتيكية تفتقر إلى الرؤية المستقبلية الاستراتيجية. هذا هو تصوّري الذاتي على الأقل، المبني على التغييب الرسمي للحقائق من قِبل كل الأطراف، وبناءً على هذا التصوُّر سوف أتخيّل مجريات الأحداث هكذا:

عندما هبّت رياح التغيير ومطالب الإصلاح على نطاق واسع في بلاد العرب وإيران أيضاً، حدث نفس الشيء في البحرين، وبالمناسبة في عمان أيضاً ولكن الجميع تركوا عمان لأهلها لأنها لا تحمل أهمية البحرين، لا على مستوى الحساسيات الإقليمية ولا الدولية، ولا على مستوى الموقع المركزي وسط حقول النفط. حدث في البحرين بداية حراك مشترك من مختلف القوى الشيعية والسنّية، يرفع مطالبات حقوقية مشتركة تجاه الحكومة البحرينية لتحسين ظروف العمل والسكن والحريات العامة والعمل البرلماني وسياسة التجنيس. الحكومة الإيرانية التي تدّعي أنها جمهورية إيران الإسلامية (وهي حكومة مذهبية عنصرية تحرم شرعاً ودستوراً أن يترأسها غير شيعي رغم أنّ ثلث السكان على الأقل غير شيعة)، هذه الحكومة ما صدقت أن سنحت فرصتها التاريخية في البحرين، فحركت من يتعاطف معها ومع حاكمية ولاية الفقيه من ولاة الشيعة البحرينيين العرب ومن غير العرب المقيمين في البحرين، لتوسيع نطاق الحراك ومحاولة سلبه صفة المشاركة بين جميع أطياف المواطنين البحرينيين، وتحويله إلى صراع مذهبي على السلطة، وهذا ما حصل للأسف. غلاة السنّة في البحرين من البحرينيين والمقيمين فيها أيضاً، التقطوا السهم المسموم الذي حذفته إيران الفارسية في الساحة البحرينية. تصرّفت حكومة البحرين في بداية الأحداث بصبر وحكمة، وعرضت الجلوس على مائدة الحوار، وكان ولي العهد في مقدمة الصف التفاهمي الحواري. للأسف كان أيضاً ضمن حكومة البحرين من لم يستطع تغيير طباعه وتفهم رياح التغيير وتطلّعات الشعوب في المنطقة كلها وليس في البحرين فحسب، ففضّل التعامل مع الأحداث بالطرق القديمة التي لم تَعُد تنفع، بل تؤجّج النيران وتزيد في انتشارها.

هنا بالضبط وقبل حدوث الصدام العنيف حصل شيء غريب وغير متوقع، وكان من المفترض ألا يحصل في ذلك الظرف المتوتّر، وأرجو ألا يهون أحد من دوره في دورة العنف. كان ثمة شيخ بحريني شيعي يعيش لاجئاً في بريطانيا المشهورة بلؤمها السياسي اسمه حسن مشيمع. هذا الشيخ معروف بموالاته لإيران وإخلاصه لحاكمية أو ولاية الفقيه وجفائه للعرب كجنس ومذاهب وحكومات، وله تواجد بين غلاة المذهب الجعفري في البحرين، مثل ما لغلاة السنّة فيها من تواجد أيضاً. بعد وصول الشيخ حسن مشيمع السريع والغريب وغير المتوقع إلى المنامة بيوم أو يومين، بدأت لوحات المطالبات وشعاراتها تتغيّر، وانفضت الشراكة الشعبية وصار الحراك يطالب بالمملكة الدستورية في البداية، ثم وبسرعة مذهلة يطالب برحيل آل خليفة وتسليم السلطات للشعب.

ذلك كان يعني في نتيجيته النهائية لو حصل انسلاخ البحرين من انتمائها التاريخي العربي وتبعيتها المؤكدة لإيران وهزيمة كبرى أخرى للعرب كلهم وليس لدول الجوار فقط، وعراقاً آخر تنهبه إيران من الجوار العربي. ثم حدث العنف الكبير، ولم تهدأ الأمور بعد في البحرين.

* من المتفق عليه أنّ إيران هي المستفيد الأكبر من الأحداث لو سارت الأمور على هواها، لكن ماذا عن بريطانيا، هل لها دور مغيّب وقد تكون من دلالاته إرسال الشيخ ذي الفكر الإرهابي الانفصالي على وجه السرعة إلى البحرين للنفخ في نيران الفتنة المذهبية؟.

* هل ترغب بريطانيا كحلقة في السلسلة السياسية الغربية خلق ثنائية بنغازي وطرابلس أخرى في المملكة العربية السعودية، وربما في الإمارات أيضاً؟.

* هل كانت أحداث العوامية يوم الثلاثاء 6 /11 /1432 هـ مجرّد اختبار وجس نبض لرد الفعل السعودي، وكان معظم المشاركين في أعمال العنف لا يعرفون شيئاً عن الآليات التي تسيّرهم وتحرّكهم ولا عن أهدافها الحقيقية؟.

* هل يصح أن نتوقع أنّ القسمة الغائبة عن عرب الخليج هي هكذا: نفط العراق بالكامل لأمريكا، أما عتباته المقدّسة وتجارته البينية فتكون لإيران؟. بالمقابل نفط ليبيا وتكاليف القصف والتهديم والترميم وإعادة التعمير تكون لبريطانيا وفرنسا. أما نفط الخليج وموقعه الاستراتيجي فتلك غنيمة ضخمة وكبيرة جداً بكل المقاييس، ولذلك تستحق الدسائس والمكائد ولعب كل أنواع القمار من تحت الطاولات حتى بين الأصدقاء.

* على عرب الخليج أن يستعدوا لكل الاحتمالات.

 

إلى الأمام
نظرة قلق إلى مياه الخليج
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة