Monday  17/10/2011/2011 Issue 14263

الأثنين 19 ذو القعدة 1432  العدد  14263

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

لم أكن على موعد معه..

حين داهم بالحضور، وزمن طويل لم يحلَّ بنا كما نزل قبيل منتصف ليلة الأحد يوم أمس...

وكل الضيوف مرحب بهم..حين يأتون على غفلة أو دراية..

إلا هو لا يحل إلا عنوة..

ولا يأتيه الإنسان إلا راغبا في أن يسكن فيه لنفسه..,

أو يهجع فيه ليتأمل..

أو يذهب مع هدوئه ليتساءل..فيهيئ حضوره.., ويرتب له مكانه..

لكن حين ينزل بك عنوة..

فمعه تأتي جيوش الأسئلة..ويلتهب في الصدركمون الإحساس بكل ذرة في كون الله, لا يسمعها الإنسان إلا متى أرخى رحاله، هذا الزائر في داره, وأناخ في حضرة المساحات من حوله، واحتوى الأشياء بأحجامها وأنواعها في كنفه،...عندها يقصيها عن مجال الرؤية والإبصار..

في حضوره توظف الأفكار، ويعمل الفكر..

وفيه يهجد كل ناطق، ليعاود حين رحيله قدرته على الحياة من جديد..

ومع تطور الحياة, لم يعد يُرى إلا في الطرقات الطويلة، وفي الفضاءات القصية، وفي الزوايا المهمشة، وعند الرقاد...

ذلك هو الظلام الدامس، الذي نزل في طرفة عين بي، فيما كنت على موعد مع قافلة الحروف أستقبلها لتكون في ضيافتكم يوم أمس الأحد..

مارست لساعات معايشة الشموع والفوانيس..

أصغيت لدبيب الليل في مفاصل الوقت..

أدركت كم فقدنا من سحر الهدوء مع فوضى النور..

مع أن الصغير أستيقظ لتوقف الهواء البارد في حجرته..

ومع أن الكبير تململ في رقاده..

ومع أن الأجهزة وموصل النت قد حظيا بساعات راحة من سخونة الكهرباء..

لكنني وجدتها ساعات كفيلة بإعادة السكون لنبض عروق رأسي،..

تجددت في داخلي موجات، وموجات من الاحساس بنملتي التي كنت أصغي لدبيبها،...

ولنبضتي التي كنت أساجلها الاحساس في حالات الصمت، وحالات الصوت.., وثمة خشوع اعترى المكان..

كأن فيضا من الحقائق غابت, ثم آبت، في حضرة الظلام الذي عم البيت...

شركة الكهرباء لم تكل جهودها..

لكن يبقى للإنسان في شؤون استهلاكه ما يزجه طويلا في فوضى التداخل بين الليل والنهار..

دون أن يمنح لنفسه فرصة الصمت، فالتأمل، والتعايش الفاعل المتفاعل مع حالات الوقت..

انقطاع الكهرباء عن أجزاء من الحي, منحني فرصة كبيرة لأن أدرك حاجتنا لأن نعيش في الليل ظلامه، وأن نعاود الإصغاء لكل دبيب، لنملة أو هرة، أو قدم.. ولأي حفيف لورقة شجرة، أو احتكاك جناح عصفور في شجرة، أو على جدار.., ولأي تخيلات لأجسام هلامية في الظلام سوداء كالرموز، أو بيضاء كالملائكة....

الظلام الدامس الذي لم يعد يحضر في زحمة التطور, زائر جميل..وإن تعثرتَ تبحث فيه عن فانوس, أو شمعة...

لكنك تراه تماما..، فهو يكبر فيك حتى ترى نفسك...، ويمتد بك إلى أن يوصلك بصوتك.., وبصدى نبضك...

الظلام أيضا يعلمك الكثير...في ملكوت الخالق العظيم...

وإن هو يحرمك من وسائلك الحديثة، كما حرمني من أن أكون بالأمس معكم هنا..

 

لما هو آت
زائرٌ يُسمِعُكَ ويُريكَ...!
د. خيرية ابراهيم السقاف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة