نتفق على أن المصالح والموازنات الداخلية والخارجية الآنية والمستقبلية تلعب دوراً أساسًا في العلاقات الدولية الحالية، ونتفق كذلك على أن الشعور بالقوة أو التحالف مع الأقوياء هو العامل الأهم والركن الشديد في اتخاذ مواقف عالمية أكثر صرامة وأفصح رأياً من قبل الساسة وصناع القرار، إذ إننا في عالم يقدس مصطلح القوة ويبجل الأقوياء سواء سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو عملياً أو حتى فكرياً.. ومن بنود القوة التي تلعب دوراً مهماً في صراعات العالم اليوم قوة «الفكرة» وتجذرها في أدمغة الشعوب، وعشعشتها في عقول الصفوة، ومع أن هناك من الباحثين والكتاب من يقلل من شأن العقيدة الأيديولوجية والفكرة الشعوبية في الصراعات الدولية المعاصرة إما نتيجة إيمانه المطلق بالحلول السلمية المبنية على الحوار لا الصدام أو لقناعته التامة بضعف الانتماءات العقدية في زمن العولمة الديمقراطي الخاضع فيه إنسان القرن الجديد لثقافة السوق (عرضاً وطلباً) وعند نقطة التوازن المعروفة ستحصل الفكرة على سعرها الذي تستحق كالسلعة تماماً، حينها سيطلبها ويتبناها المستهلك أياً كان موطنه ومهما كانت لغته أو عقيدته وثقافته.
مع هذا فإنني على يقين بأن العقائد والأفكار والقناعة الثابتة الراسخة الجازمة ما زالت ذات أثر قوي في تحريك الساسة والتأثير على قراراتهم وسلوكياتهم سلباً أو إيجاباً، وليس صحيحاً أن العلمانية المعاصرة استطاعت إقصاء الدين عن معترك الحياة سواء في الغرب أو الشرق لدى المسلمين أو النصارى أو اليهود أو حتى لدى أتباع الديانات والعقائد والملل غير السماوية القديم منها والحديث، ولكنها أشد ما تكون عند الصهيونية العالمية ولدى الشيعة الرافضة الصفوية الذين يتصفدون بها ويتمسكون بطقوسها ويغذيها الإعلام ويسقيها بماء الفتنة شيوخ الطريقة ودعاة الحسينيات ومنشدو اللواعج ومرددو أشعار الأحزان..
إن القارئ في سجل الصراع بين الطوائف الإسلامية عبر التاريخ يلحظ تمسك الشيعة الصفوية على وجه الخصوص بمفردات الخطاب الديني وتوظيفه وبقوة في تجييش الأتباع وضربهم بسياطه متى ما كان الظرف مواتياً لتحقيق ذلك ولذلك لا يمكن فصل التحرك الإيراني في هذا الزمن بالذات عما تكنه صدورهم من حقد عقدي دفين وبغض عنصري مكين ورواية وخزعبلات محفوظة في كتبهم ومراجعهم الدينية تنبأ بقرب خروج مهديهم المزعوم من سرداب الأمل وظلمة الرجاء ونفق الخواص والأسياد!!
والاغتيالات هي وسيلتهم الأولى لقياس مدى الممانعة وقوة الصف وقرب لحظة المواجهة وعنوان التماسك وبراهن القدرة على الصمود والترشح للمبارزة والمواجهة مهما كان حجم التحديات وقوة العدو.
إن اختيار الزمان والمكان والإنسان فيما أقدمت عليه الحكومة الإيرانية مؤشر على العزم القوي للمنازلة على أعلى المستويات ولا يمكن التشكيك في النوايا كما أن التحاليل السياسية العالمية تؤكد بصورة قاطعة أنه لا يمكن بحال أن تزج الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بمثل هذا الجزم لولا أنها متأكدة بصورة قاطعة بما كان مخططاً له ومجزوماً به من قبل إيران!!، وهذا يجعلنا في مواجهة حقيقية مع الشيعة الصفوية وأنصارها في كل مكان، ومع أنني اتفق مع ما ذهب إليه الكاتب المعروف «عبد الرحمن الراشد» في مقال الأحد (لماذا لا يصدقون رواية اغتيال السفير؟) في أن الخليجيين والإيرانيين لا يريدون الدخول في حرب عسكرية إلا أن الخوف من تصعيد السلوك الإجرامي من قبل هذه الطائفة يوجب إظهار القوة في وجوههم وإعدادها بشكل منظم حتى تكون رادعاً لأطماعهم التوسعية والإفسادية وجزماً يتطلع المواطن الخليجي إلى دور أكثر فاعلية لمجلس التعاون يبرز جوهر هذه المنطقة ومعدنها الأصيل في حب بعضنا البعض والتكاتف والتعاون والتراص في وجه كل من يريد بنا سوءًا بأي صورة كانت وإلى لقاء والسلام.
