Saturday 12/11/2011/2011 Issue 14289

 14289 السبت 16 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أعترف أنني أجد صعوبة بالغة في فهم بعض المواقف الدينية من قضايا أصبحت في حكم المحسوم في العصر الحديث، ويأتي على رأس القائمة الموقف من قضية الرق، وهل أصبحت في حكم المنتهي، أم أنها تدخل في الحلال والجائز، وستعود إلى سابق عهدها، وأن تطبيقاتها مرهونه بتطبيق الشريعة الإسلامية وبعودة الحكم الإسلامي الراشد، وأُصاب بالدهشه أحياناً إذا سمعت بعض العلماء يتحدثون عن الرق وما ملكت اليمين كأصل ثابت في الدين الحنيف، وأستغرب لماذا يتم تشويه مفهوم الحرية في الإسلام، وعدم حسم قضية إنسانية أصبحت تدخل في تعريف الجريمة عالمياً، ولماذا يعتقدون أن مثل هذه الجريمة النكراء يجيزها الشرع وهو من فتح أبواباً كثيرة للخروج منها، وهل يُعقل أن يكون الإنسان سلعة تُباع وتُشترى في سوق النخاسة، أو أن يملك الإنسان أخاه الإنسان بصك شرعي يحوله من الحرية إلى العبودية، أو أن يشرع وضع القيد الحديدي في رجليه لئلا يهرب أو يسرقه إنسان آخر، أو أن يجمع النساء من مختلف الأعراق والألوان من أجل إشباع غرائزه الجنسية!

أكاد أجزم أن المجتمعات الإنسانية لن تعود أبداً إلى تلك الصورة البشعه في العلاقة بين البشر، ولكن وجه الخطورة أن يفكر الإنسان المسلم من خلال تلك النظرة المتحجرة في اتجاه قضيه أصبحت في موضع المحرم دولياً، ولعل انتشار نمط التفكير المتخلف قد يفسر حاجز الممانعة ضد التطور، والذي ينتشر بين بعض المسلمين، ويدخل في ذلك وجوه كثيره منها الموقف من العلم والطب الحديث، ومن أيضاً الديموقراطية والشفافية واحترام حقوق الإنسان مما يصعب من فرص نجاح مشاريع التنمية الحضارية والاقتصادية، وفي ذلك تشويه للأرث الإسلامي، ولحضارة المسلمين، ووجه الغرابة أنني اطلعت على مقالات مترجمة لدعاة مسلمين في الغرب يقدمون من خلالها صورة نموذجية عن الإسلام، وأنه أول دين وضع الحلول لتحريم الرق بين البشر، لكن في جانب آخر وفي مهد الإسلام نسمع فتاوى ودعوات تُحذر من تحريم ما هو حلال ومنها الرق..!

ليس الغرض من طرح الموضوع إثارة الشبهات ولكن هي دعوة إلى حسم الموضوع شرعياً، فالأمر لم يعد يحتمل التآخير، وذلك لقطع الطريق على دعاة التخلف وتشويه صورة الإسلام المشرقة، وهو الدين الذي دعا إلى تحرير العبيد في مكة من أسيادهم، ثم جعل عتق الرقبة باب في جميع الكفارات، ولا يعني ممارسة امتلاك الأرقاء في صدر الإسلام دخوله في حكم المستحب أو السنة، وذلك لأنه يدخل في العرف الذي تحكمه عادات وأخلاق العصر، وبالتالي يجب أن نحكم عليه من خلال أخلاق وأعراف العصر الحديث، وعن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أنه قال: (قال الله ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره)، وقال المهلب: فمن باع حراً فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه، وقد قال عمر رضي الله عنه: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وذلك لأن الإنسان يولد حراً، وبالتالي يحرم بيع الإنسان لأخيه الإنسان.

قد تدل هذه الممانعه لتحريم هذه الجريمة على تحجر وتراجع وانتكاس إلى الخلف، وبالتالي تصبح هذه الممانعة بمثابة الستار الذي يحجب كل ما هو جديد، ولو راجعنا مسيرتنا خلال القرن الماضي لفهمنا معنى ذلك، فالرفض كان سمة مشتركة في مختلف الفتاوى في الأشياء الجديدة في العلم والطب والإعلام والإدارة، ودائما ما يأخذ الأمر أطواراً طويلة وملتوية من أجل السماح به، والأمثله أكثر من أن يتم حصرها في هذه العجالة، وباختصار ما زلنا نسمع العجب من بعض رجال الدين، ومنها تلك الصيحات التي لا تتوقف من أجل منع المرأة من المشاركة في الحياة الحضارية، لكن السؤال الأهم هل يتم استخدام هذه الممانعات من أجل رفض الحداثة الغربية بمختلف اتجاهاتها؟، وبالتالي قدرنا أن نعيش مادياً في القرن الواحد والعشرين، ولكن نفكر فيه من خلال عقول ماضوية.

 

بين الكلمات
ممانعة أم تخلف حضاري 1 - 2
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة