Friday 25/11/2011/2011 Issue 14302

 14302 الجمعة 29 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أزمة مياه الشرب في الرياض نبهت الناس إلى نعمة كبيرة، كان الإسراف والهدر والتبذير شائعاً فيها. الدولة تصرف الملايين على محطات تحلية الماء ونقله مثلاً مسافة 370 كيلومتراً إلى مرتفع الرياض (نحو 650 متراً فوق سطح البحر)؛

ما زاد التكلفة إضافةً إلى الصيانة المستمرة للمحطات وأنابيب النقل.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هذا الانقطاع الوقتي أو الأزمة العابرة لأي سبب كان، هل توعينا إلى ما هو أخطر من ذلك مستقبلاً؟

حيث إن الطاقة الأساسية في تشغيل محطات التحلية هي النفط بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وعند نضوبه سوف تتوقف محطات التحلية كلياً، والآبار الجوفية غير كافية لاستهلاك الرياض الآن، فما بالك بالتوسع المستقبلي؟ ناهيك عن أن الكثير من الآبار الحالية بحاجة إلى تحلية؛ لتخليصها من الأملاح والعناصر المعدنية؛ لتكون صالحة للاستخدام البشري.

الطاقة الضرورية لمحطات التحلية هي عملية تحويل النفط إلى طاقة حرارية. والنفط هذا الذهب الأسود الذي كلف كوكب الأرض إنتاجه ما يقارب 650 مليون سنة؛ لتحويل بقايا النباتات وحيوانات ما قبل التاريخ وتحت تأثير الحرارة والضغط (نتيجة تكدس هذه المواد العضوية في أعماق باطن الأرض) إلى نفط خام، يُباع على شكل براميل اليوم. والبرميل الخام الواحد يحوي تقريباً 42 جالون نفط أو بترول خام بوصفه وحدة قياسية.

عند تكرير النفط الخام، أي فصل مكوناته الأساسية، يعطي ما يقارب 19 جالوناً من الكازولين أو بنزين السيارات (نحو 74 لتراً)، أي أنك تستهلك في المتوسط إنتاج كامل البنزين المكرر من برميل النفط الخام في 5 أيام لسيارة متوسطة الحجم تجوب شوارع الرياض؟! وأيضاً يُنتج منه 10 جالونات من الديزل، و4 جالونات من وقود الطائرات و7 جالونات من مواد أخرى، يُصنع منها: مستحضرات التجميل المختلفة، ومواد النظافة بأنواعها، والبلاستك باختلافاته، والأقمشة بكل ألوانها، والألوان، وقطع السيارات، وبعض الأدوية، وحتى قطع من الأثاث.. إلخ من مواد عديدة. ولِمَ لا، وهي تحوي عصارة الأرض من المواد العضوية والكيميائية لمدة تزيد على 650 مليون سنة؟.. وللأسف البترول يُستنزف ويُحرق بوصفه وقوداً هو الآخر بشكل محموم. هذه السلعة الثمينة لا يستطاع إنتاجها مرة أخرى، وهي عاجلاً أو آجلاً سوف تنضب.

إن النفط وصل في بعض دول العالم إلى قمة مستواه في حقوله، وبدأ بالنضوب من هذه الحقول، ودول أخرى ما زالت، ولكنها ماضية في دورة النضوب. وقد تعددت التكهنات والفرضيات حول نهاية عصر النفط، ومنها نذكر بإيجاز:

1 - المعهد الأمريكي للنفط في عام 1999 تنبأ بنضوب النفط بين عام 2062- 2094 على فرض الاحتياطي العالمي بين 1.4 إلى تريليونَيْ برميل، والاستهلاك هو 80 مليون برميل في اليوم، إلا أنه في عام 2004 وجد أن الاحتياطي العالمي قل إلى 1.25 تريليون برميل، والاستهلاك العالمي زاد إلى 85 مليون برميل؛ الأمر الذي بدل وغير وقت النضوب إلى عام 2057.

2 - الباحثون في جامعة أكسفورد - وحسب مجلة سياسة الطاقة - تنبؤوا بتجاوز المخزون النفطي في عام 2015، إلا إذا تدخلت الحكومات وحالت دون ذلك؟!

3 - معلومات الطاقة الأمريكية تنبأت عام 2006 بأن الاستهلاك العالمي سوف يزداد إلى 98.3 مليون برميل في اليوم عام 2015، ويصل إلى 118 مليون برميل عام 2030. إن زيادة النمو السكاني وتوسع الاستهلاك العالمي وقلة استكشاف آبار جديدة تجعل عصر النفط آيل إلى الانتهاء، ويبدو ليس ببعيد! فهل بدأ العد التنازلي لنضوبه؟

إذن الأمور واضحة أمامنا؛ لا بد من التخطيط الحالي للبدائل، والبدائل متنوعة وعديدة، منها الكفء ذو الجدوى الاقتصادية، وغير الكفء، ينتج طاقة قليلة محدودة الاستعمال، ومنها:

1 - الطاقة الشمسية: إن الله تعالى حبانا بطاقة لا تنضب من الشمس. هذه الطاقة إن أُحسن تطويرها واستخدامها - كما هو الحال في جزيرة فرسان الآن وقرية العينة سابقاً - بتحويلها إلى كهرباء يمكن الاستفادة من الكهرباء في التحلية أو أخذها مباشرة للتحلية. (ومحطات التحلية الحالية قائمة على مبدأ عام، هو الحرارة المتولدة من الطاقة لتبخير مياه البحر، وتخليصه من الأملاح والمعادن المصاحبة، أو جعلها بكميات مناسبة لماء عذب صالح للشرب وسقي المزروعات).. وفي كلتا الحالتين أعلاه قد لا تكون كفئاً بالقدر الكافي.. وتُستخدم لإنتاجات قليلة. أما الطاقة الشمسية عندما تُستخدم في توليد طاقة الهيدروجين عند فصل ذرة الأوكسجين عنه في جزيئة الماء - الله أكرمنا بمياه البحر الهائلة حولنا - المتكون من (ذرتين أوكسجين وذرة هيدروجين) فإن طاقة الهيدروجين هذه تُستعمل للتحلية ولتوليد الكهرباء، وهي طاقة كفء، وطاقة هائلة القدرة، ونظيفة للبيئة (أي لا تسبب التلوث البيئي)، وسوف تفتح آفاقاً صناعية متجددة..

2 - الطاقة النووية والمفاعلات الذرية قادرة أيضا على إنتاج كميات تجارية من المياه العذبة باستخدام الحرارة الزائدة المتولدة في هذه المفاعلات نتيجة إلى التفاعل الانشطاري.

إن الشمس والنجوم مصدر طاقة لا ينضب، ومنها الطاقة الشمسية والضوء الواصل إلينا من الشمس. هذه الطاقة تنتج من التفاعلات النووية الانشطارية منها والاندماجية (بلغة الفيزياء)؛ حيث تتحول فيها المادة إلى طاقة؟. وقد وتعلم البشر منذ عام 1942 (في الدول المتقدمة) محاكاة الطبيعة بإنتاج التفاعلات الانشطارية - حسب نظريات اينشتاين - فيما يسمى بالمفاعلات الذرية، وأحياناً تسمى النووية (أجهزة تحوي هذه التفاعلات، وهي عند مستوى الذرة ومكوناتها). ويعمل الباحثون بجدية للحصول على التفاعلات الاندماجية، وهي لها القدرة على طاقة أكثر بآثار سلبية أقل. حالياً الطاقة النووية توفر 16 % تقريباً من كهرباء العالم، وسبق استخدامها في اليابان لتحلية مياه البحر، وتملك اليابان حالياً 8 محطات تعمل بالطاقة النووية، وتسارع الدول الأخرى في هذا الاتجاه.

الطاقة النووية أو الذرية يمكن أن تحدث طبيعياً في الشمس والنجوم لتكوين الحرارة والضوء (وهو ما يصل منها إلينا، والحمد لله أنها بعيدة حتى لا تصلنا الطاقة المدمرة والإشعاعات المميتة)، أو أن تكون من صنع الإنسان - كما أسلفنا - مثل القنابل الذرية والهيدروجينية والمفاعلات الذرية.

الطاقة النووية تنتج بطريقتَيْن مختلفتَيْن، الأولى نواة ذرات كبيرة تنشطر لإطلاق الطاقة (نواة اليورانيوم)، والأخرى نويات صغيرة (نواة الهيدروجين) تندمج لإطلاق طاقة، حسب مبدأ فيزياء اينشتاين في تحول المادة إلى طاقة، وهو ما يعرف بالطاقة الانشطارية والاندماجية.

وقد أقنع العالِمُ اينشتاين رئيسَ الولايات المتحدة آنذاك بالاستفادة من هذه الطاقة، وبدأ عصر الذرة عام 1942 بعمل التفاعل التسلسلي في كومة يورانيوم. وفي 6-8-1945 أسقطت أمريكا أول قنبلة نووية على هيروشيما في اليابان قتلت أكثر من 100.000 شخص، وعقبها بشهرين أسقطت أمريكا أيضاً في نكاساكي في اليابان القنبلة الذرية الثانية التي قتلت أكثر من 45.000 شخص، وسلّمت إثرها اليابان، وانتهت الحرب.

هذه القنابل أحدثت دماراً شاملاً في كل أوجه الحياة، وبقيت آثارها الإشعاعية عدداً من السنوات. إن إشعاعات ألفا وبيتا وكاما التي تولدها هذه القنابل مع قدرة الانفجار قادرة على فناء البشرية والإخلال بتوازن حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس..

أما المفاعلات النووية فقد روعي في تصميمها كل أوجه السلامة والأمان في إنتاج الكهرباء الرخيصة، وتحلية المياه المالحة، ولم يُعرف سوى عدد محدود من الحوادث التي يمكن السيطرة عليها، منها حادثة مفاعل تشرنوبل في روسيا ولونغ ايلند في أمريكا.

ولكون كوكب الأرض محدود الإنتاج للفحم والنفط (مكونات الطاقة الأساسية) فإن الطاقة النووية هي البديل الأكثر جدوى حالياً من كل البدائل الأخرى؛ للحصول على مياه عذبة وكهرباء رخيصة، خصوصاً لدول الخليج ودول شمال إفريقيا التي تفتقر لمياه الأنهار. إن خُمْس سكان العالم (أكثر من بليون نسمة) حالياً لا يملكون مياه شرب، والنتيجة أكثر من 3 بلايين حالة مَرَضية ومليونَا حالة وفاة في السنة لأمراض منسوبة للماء وشُحِّه. في عام 2025 ما يقارب 33 % من سكان العالم، أي أكثر من 1.8 بليون نسمة، سوف يعيشون في بلدان ومناطق من دون ماء كافٍ. كل هذه الأمور وغيرها تجعلنا مضطرين لدخول عصر الذرة للاستخدامات السلمية، وعلينا ببناء الاختصاصَيْن في هذا المجال إن أردنا أن نستمر في تمتعنا بتقدمنا العمراني والصناعي..

3 - طاقة الرياح وطاقة أمواج البحر وطاقة الوقود الحيوي (طحالب ونفايات الحيوانات والنباتات): يمكن الاستفادة منها في إنتاج طاقة ذات جدوى اقتصادية قليلة وأخرى محدودة الكفاءة. كلها نافعة بوصفها بديلاً، وخصوصاً للقرى والارياف؛ حيث قلة الاستهلاك؛ حيث تقوم بتحلية مياه الآبار أو البحر؛ لإنتاج عدد محدود من الأمتار المكعبة وإنتاج الكهرباء الرخيصة.

إن التعددية في إنتاج الطاقة من مصادر متنوعة لها فوائد جمة، والأهم تكوين الكوادر الفنية المتخصصة في هذا الاتجاه، والعمل على توعية المواطنين والشركات الخاصة بأهمية الاستثمار فيها، وخصوصاً في الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي.. والتخطيط المبكر للطاقة البديلة من قِبل الوزارات والمجالس المعنية، وخصوصاً وزارة التعليم العالي ووزارة التخطيط.

أرجو أن لا يفوتنا الوقت في إيجاد البدائل لتوفير الماء والكهرباء، وأن تكون استراتيجيتنا مستقبلية، وليست آنية.

* دكتوراه أشعة الليزر رئيس قسم الليزر - مركز الأبحاث - مستشفى الملك فيصل التخصصي (سابقاً) - رئيس ومؤسس الأكاديمية العالمية لتطبيقات الليزر (مؤسسة غير ربحية)



watban@hotmail.com
 

هل الطاقة النووية هي الحل للماء العذب؟
د. فاروق بن عبدالله الوطبان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة